الثورة – غصون سليمان:
بين الخبز والملح.. صور من أصالة ووهج من حياة مائدة من قلب الطبيعة السورية فرشت بالمحبة وكرم الضيافة، خيرات من بيوت عامرة بأنفاس أهلها الطيبين، يستقبلك عميد الأسرة وأفراد العائلة وبعض الأقرباء والجيران بالترحاب وعبارة أهلاً وسهلاً نورتونا..
كنا خمسة من العائلة الإعلامية في مؤسسة الوحدة “صحيفة الثورة” من خمس محافظات ومدن مختلفة بمهمة عمل ميدانية للوقوف على حال الخدمات في تلك المنطقة التي عانت ماعانته من الدمار والخراب كبقية المناطق السورية.
لم يقبل أهل الكرم والجود في عين الفيجة المتأصلون في هذه الأرض، كما الصخور والجبال وجذور الأشجار الغافية المنسابة على ضفاف السواقي والقنوات المخصصة للجريان، وهي تسبح بحمد خضرتها وعذوبة مائها.. إلا أن يكونوا على نبلهم وطيبتهم المعهودة كما غالبية أبناء سوريا الجميلة.
تأملات من حنين
تحتار من أين تمتع ناظريك من فسحة دار العم أبو محمد الذي عاد إلى بيته ورممه قدر المستطاع ما جعله صالحاً للسكن، وكذلك حال بعض الأهالي والجيران.
ساعات من الحديث والتوثيق بالعين والكاميرا لما حل بهذه المنطقة من دمار، حيث لم تشعر للحظة إلا وأنك تعيش منذ زمن في هذا المكان بين أهلك وناسك.
كيف لا والسيدة أم محمد العطوف الموقرة، صاحبة الملقى والحضور الإنساني الدافئ التي عكست بحنانها وعميق خبرتها في رقي التربية والحياة بنور كلامها وكأننا أبناؤها نعود إليها بعد طول غياب.
لم يسألنا أحد عن هويتنا ومن نحن سوى أننا إعلاميون ونؤدي مهمة مهنية.
ففي حضرة التاريخ تغيب الأسئلة لأن جينات السوريين مجبولة بالفطرة على المحبة، وبالتالي تبقى السيدة أم محمد نموذجاً كما معظم الأمهات والعوائل الذين عادوا إلى المنطقة، والمناطق الأخرى على امتداد جغرافيا الوطن، قامة سورية اختزلت في كبريائها وهيبة حضورها ورزانة كلامها، وطيب زادها، عادات النبلاء والأصلاء..
صورة من ذاكرة
أصرت أمنا السورية على أن نتذوق بالخبز والملح طعم المكدوس البلدي المحشو بالجوز وزيت الزيتون الأصلي كإغراء لتعزيز الشهية، مع كأس الشاي المغلي بأنقى مياه الشرق “نبع الفيجة” إلى جانب أصناف عديدة من مؤونة صنعتها بإتقان من خيرات الأرض وعبق المطبخ الغني بالتجربة الريفية بما لذ وطاب.
خبز وملح وزاد.. شاهد على معدن وحقيقة السوريين، فعلى وقع الأحاديث المختلفة وتناثر المفردات من شعر وقصة وحكم مأثورة عن عادات وتقاليد مع قامات علمية وأدبية واجتماعية لم يكن هناك حرج من طرح ومناقشة أي مواضيع أخرى، من سياسية، اجتماعية اقتصادية، خدمية، فتشريح الظروف الصعبة في جغرافية المنطقة لناحية انعدام الخدمات الأساسية، وحال الواقع المعيشي الضاغط الذي نعيش تفاصيل مرارته بشكل عام خلال السنوات الخمسة عشر من عمر الأزمة السورية لم يفسد لصراحة القول ود القضية من دون تجميل أو تزييف أو هروب من قول الحقيقة.. وعلينا جميعاً تصحيح العواقب وتحمل مسؤولية الصلاح والإصلاح والعبور بسوريا آمنة مستقرة في ظل الإدارة الجديدة.