الثورة – هناء ديب:
تمثل استعادة الثقة في القطاع المصرفي أولوية قصوى في المرحلة الحالية بالنسبة للحكومة، وتعمل من خلال سلسلة متكاملة من القرارات والإجراءات والاستفادة من تجارب دول مجاورة بهذا المجال لاستعادة الثقة عبر تحرير القطاع من السياسات السابقة، وعودته للعب دوره في استقطاب الودائع وتمويل الأنشطة الاقتصادية.
إلا أن تلك الخطوات لا تزال تواجه صعوبات وعراقيل لترجمتها على الأرض في ظل واقع صعب يواجه المصارف الحكومية السورية يتسم بانخفاض الودائع، وضعف السيولة، وتقييد منح القروض، وتزايد الازدحام أمام فروعها بسبب مشكلات في عمليات السحب النقدية، فضلاً عن تأثرها بالحرب والعقوبات الدولية.
أفرز ما تقدم تراجعاً واضحاً في دور ومهام المصارف الحكومية، مع التركة الثقيلة لقائمة واسعة من الصعوبات والمشكلات التي واجهت ولا تزال القطاع المصرفي، وخاصة الحكومي من أيام النظام البائد، والمقترحات والحلول المفروض العمل بها خلال هذه المرحلة لتجاوز تلك الصعوبات أسئلة عديدة نحاول الإجابة عنها في ما سيأتي.
غياب سياسة نقدية واضحة
يؤكد الخبير المصرفي عامر شهدا في تصريح لصحيفة الثورة أنه مع استمرار غياب سياسة نقدية ومالية واضحة، يزداد تقلص دور المصارف الحكومية حتى بأبسط مهامها، مرجعاً ذلك لأمرين أساسيين الأول التوسع بشركات الحوالة، إذ نشهد كل يوم شركة جديدة، والثاني ضعف السيولة جراء الإجراءات المتبعة من مصرف سوريا المركزي، وعندما تضعف سيولة المصارف تعطي صورة أن هناك ضعفاً بإدارة السيولة من قبل مصرف سوريا المركزي، فمثلاً كنا نقبض من “سادكوب” سيولة نقدية قد تزيد عن نصف مليار ليرة سورية من يسجل ليجلب بنزين من المصافي يدفع قيمتها نقداً، هذه السيولة أين تذهب اليوم؟ سؤال يتطلب الإجابة من مصرف سوريا المركزي.
اليوم عندما أفرغ المصارف من أسباب وجودها بالسوق كعصب اقتصادي وأحول أعمالها لشركات الصرافة، فهذا معناه تسريع الخطوات نحو انهيار القطاع المصرفي.
ويضيف شهدا: من غير المقبول أن يضطر المواطن كل يوم لزيارة المصرف ليسحب مبلغ 200 ألف ليرة سورية لا تؤمن للمواطن ثمن جرة غاز، وحتى عندما يضطر أن يدخل المستشفى بالحد الأدنى يطلب منه مبلغ أولي لا يقل عن 5 ملايين ليرة موجودين في البنوك والسحب 200 ألف، والسبب أن لا تملك سيولة تلبي حاجة المتعامل.
وهذا أدى لفقدان الثقة بين المواطن والمصارف وبين التجار والمصارف لعدم تمكن التجار تحويل قيمة المواد أو البضائع لحسابات بعضهم، وما يلي ذلك من معاناة كبير عند السحب، وعليه فإن الجهات المالية والمصرفية مطالبة اليوم وبقوة إيجاد حل سريع وفعال لتلك المشكلات المصرفية. بغياب مجلس النقد والتسليف ذاهبون للأسوأ.. والمصارف لانهيار، إذا القطاع المصرفي لا يلتزم بالعقود الموقع عليها لفتح الحسابات وأهمها إعادة الأموال المودعة تحت الطلب، فهذا يعني أن المصرف عاجز العجز.
فقدان الثقة
من جانبه يبين الخبير المصرفي والمالي أنس فيومي أن الوضع المصرفي العام ما زال يفتقد ثقة المواطن، وأن يكون لديها محفز عودة استثمارات، ولاسيما بتقييد السحوبات ونقص السيولة وتأرجح أسعار الصرف وإعادة بناء هذه الثقة يحتاج لخطوات عملية حقيقية تتجاوز التصريحات أو الآمال وحتى الطمأنات وتحتاج لواقع حقيقي، فالمال عزيز على صاحبه، فكيف إن كان صاحب مشروع ويريد جلبه للوطن.
ويوضح فيومي أنه منذ فترة قصيرة أعلن المصرف الصناعي عن عودة فتح باب استقبال طلبات القروض، تلاه المصرف التجاري بإعلان مشابه، ومن طرف مقابل المصرفان بل وباقي المصارف حتى الخاصة مازالت تعاني من شح السيولة وعدم إمكانية تلبية طلبات العملاء بسحب المبالغ المودعة في حساباتهم من دون سقف، فكيف ينسجم مثل هذا الإعلان مع الوضع الحالي، أي إنه يصب في خانة الوعد أفضل من المنع.
نظام الإقراض في أغلب المصارف العامة بنظام عملياتها مازال منذ عشرات السنين بنفس الآلية والطريقة، إلا ببعض التعديلات الطفيفة، رغم أن ظروفاً كثيرة تغيرت وتحتاج إلى إعادة تقييم وإعادة طرح رؤى جديدة وتنسجم مع الواقع السوري وما أصابه خلال السنوات الأخيرة، والأمر من ذلك أن أي مصرف سيفرض معدل فائدة دائنة على القرض أعلى من متوسط سعر الفائدة المدينة لديه حتى يحقق ربحاً مقبولاً، وهذا يتجاوز اليوم نسبة 15 بالمئة سنويا بشكل تقريبي، وهذا سيسهم بشكل سيئ على التضخم الذي نعاني منه.
لذلك نظام الإقراض وأسلوبه والغايات التي سيتم دعمها بالقروض ومعدلات الفائدة عليه وطرق دفعه وتقسيطه يجب أن تتم بدراسة متأنية تحقق تطوراً في الحياة الاقتصادية.
دور هامشي
لاشك أن المصارف تلعب دوراً مهماً في المجال الاقتصادي لدى أغلب دول العالم- إن لم يكن هو الأهم، حتى إن بعضها يؤثر على القرار السياسي في تلك الدول على الطرف المقابل نجد أن المصارف لدينا أصبحت تلعب دوراً هامشياً محصوراً بعمليات الدفع والقبض والرواتب، وهذه المهام أقل ما يمكن الحديث عنها في النظم المصرفية الحديثة، عدا عن فقدان الثقة العام بعمل المصارف نتيجة تراكمات سابقة من النظام المخلوع، وتركة ثقيلة أدت إلى قلة السيولة في هذه الفترة، والمعالجات المطروحة إلى الآن لا تعيد الثقة بعمل المصارف.
معيقات للعمل بنظام السويفت
ويؤكد فيومي حتى مشاركة سوريا بنظام السويفت العالمي يبدو أن هناك بعض الإجراءات التي تعيق التقدم فيه قدماً فحتى اليوم لم يصرح مصرف سوريا المركزي إلا بعملية تحويل واحدة بين مصرف سوري وإيطالي عبر بنك وسيط وليس مباشراً وإن رجحنا السبب السابق لعدم وجود تحويلات أخرى، فيبدو أن القاعدة التقنية المطلوب توفرها غير موجودة حالياً.
الأمور الأربعة الأساسية لدعم مرحلة الانفتاح هي:
نظام السويفت العالمي، ثانياً التشريعات القانونية الضامنة للاستثمار والمستثمرين، وقد بدأت من خلال المرسوم الأخير المعدل لقانون الاستثمار، ثالثاً القاعدة التقنية البرمجية، وهي حالياً ضعيفة بسبب المقاطعة الطويلة لبلدنا وعدم مواكبة المصارف لأحدث التقنيات البرمجية، ورابعاً وأخيراً الكفاءات البشرية التي تحتاج لدورات واندماج خبرات مع مصارف عالمية حتى تتمكن من القيام بدورها للمرحلة القادمة، لذلك البحث في التعينات أو التحولات قد تحتاج لمزيد من التعديل وفق متطلبات المرحلة القادمة عند توفر مؤشرات البدء بها.