الثورة – رويدة سليمان:
تتراكم متاعب النفس وتتألم الروح ويتوجع الجسد، وتتأثر جوانب حياتنا كلها لغياب الصحة النفسية، من هنا تأتي أهمية حضورها كأولوية في البناء المتوازن للإنسان.. فالشخصية السوية هي التي تكون فيها جوانب النمو متكاملة ومتوازنة جسمياً ونفسياً وعاطفياً وفكرياً وأخلاقياً واجتماعياً وإنسانياً.
متى نحتاج للعلاج النفسي؟
مواقف ومشاهد حياتية يومية نراها في البيت أو العمل أو الشارع، تتجلى فيها مشاعر الحزن والغضب والتوتر، وتتجسد أحياناً سلوكاً غير سوي، وقد نكون نحن أبطالها، مشاعر سلبية قد تؤذينا قبل الآخرين وهذه ترجع ربما لمتغيرات بيئية واقتصادية واجتماعية ومادية وضغوطات متعددة ومتنوعة، وعندما تشتد هذه المشاعر مع الاستمرارية تبدو الحاجة إلى العلاج النفسي أو زيارة العيادة النفسية ضرورة ملحة.
هذا ما أكدته الاختصاصية والمعالجة النفسية الأستاذة آلاء تللو في محاضرتها عن الصحة النفسية في المكتبة الوطنية بدمشق، فالمشاعر المضطربة لفترة طويلة والعزلة الاجتماعية وإهمال النظافة الشخصية، وكذلك اضطراب الأكل والنوم، كلها أعراض تحتم مراجعة معالج نفسي.. وهنا يبرز أحد أهم التشوهات المغلوطة للعلاج النفسي إذ يفضل الأغلبية تفريغ صندوقهم الأسود أمام قريب أو صديق، ويستبعد الطبيب أو المعالج النفسي من حساباته خوفاً من وصمة العار.
وتلفت الأستاذة تللو الانتباه هنا من الوقوع في فخ الفضفضة أمام من لا يملك مهارة الاستماع النشط وتفهم الوجع لأنه قد يضاعف الألم النفسي ويستحسن اللجوء إلى التفريغ النفسي بواسطة الكتابة أو التسجيل الصوتي (نسجل ثم نمحي) مع عدم استرجاع الوجع بين الحين والآخر.
جراح مركبة
وفي السياق السوري تحدثت المعالجة النفسية قائلة: صدمات كثيرة تعرض لها الشعب السوري مثل، “الغربة، العودة، الاعتقال والتعذيب النفسي” وهذه آثار وجراح مركبة بحاجة إلى كوادر مختصة تعنى بالمرضى وكذلك تثقيف ذويهم، لأن الألم النفسي لا يزول بالصبر فقط، حيث هناك فرق بين غياب الألم وتعايشنا معه، وبالتالي لابد من العلاج الوقائي والدوائي أحياناً مع المتابعة، إذ لكل حالة علاج خاص بها يقرره المختص حسب التشخيص.
وبينت تللو أنه لابد من الإشارة إلى أهمية وضرورة وجود تأمين صحي للعلاج النفسي مرهون بترخيص للمعالجين النفسيين، لأن العلاج النفسي مكلف ورحلته طويلة في استئصال مفاهيم ومشاعر مضطربة.
وبرأي الاختصاصية النفسية فإن تقدير الذات أهم مكونات الصحة النفسية، ولاسيما أن تقدير الذات أو الثقة بالنفس، مهارة حياتية تساعدنا على تحقيق أهدافنا حيث ندرك مواقع الضعف والقوة ونحسن التعامل مع الآخرين والشعور بالرضا عن أي إنجاز، لذلك هو أحد أهم مكونات الصحة النفسية.
وتنصح الأستاذة آلاء أيضاً بعدم منح الثقة الكاملة للآخر ورفع سقف توقعاتنا بالتعامل معه حتى لا تكون خيبة الأمل كبيرة، مركزة في هذا الجانب على البعد الاجتماعي والتواصل مع الأسرة والأصدقاء، والبعد المعرفي حيث القدرة على اكتساب المعرفة والنهم والشغف للتعلم الدائم وتبني سلوكيات إيجابية مع أهمية وجود هدف حياتي، خاصة وأن غيابه علامة من علامات الاكتئاب.
أما فيما يخص أطفالنا والصحة النفسية، فنحن بحاجة إلى ملف خاص بهم للحديث عن أوجاع جسدية ونفسية متعددة ومتنوعة بحاجة إلى علاج نفسي، والإسعاف النفسي والعلاج الوقائي يكون بالدعم اللفظي والفعلي، لافتة أن الأسرة هي المعني الأول بهذا الموضوع لأنها الحضن الآمن والخط الساخن للاستجابة الفورية السريعة لاحتواء هذه الآلام والتخفيف من تداعياتها على الفرد والأسرة والمجتمع.