الأسماك إلى طبق صديق لموائد السوريين بعد طول جفاء.. تكافل الحكومي والخاص لإحداث قفزة إنتاجية غير مسبوقة
الثورة – نهى علي:
تعكف وزارتا الزراعة والنقل حالياً، على بلورة ترتيب جديد لقطاع الثروة السمكية وتجاوز الفجوة التي يصفها المختصون بـ ” الصارخة” في استهلاك الأسماك على مستوى البلاد، إذ لا تتعدى حصة الفرد من الأسماك الكيلوغرام الواحد سنوياً، وهي حصّة منخفضة جداً قياساً بالمعدل العربى لاستهلاك المادّة والمقدر بنحو 8 كيلوغرامات، و المعدّل العالمى المقدّر بـ20 كيلوغراماً.
هذا بعد أن تراجعت كمية الأسماك المنتجة سنوياً، من (17.8) ألف طن، حسب معطيات الإنتاج ما قبل الأزمة، إلى نحو (6) آلالف طن العام الماضى، بسبب خروج عدد كبير من المزارع من الخدمة، وتأثّر أعمال الحماية في المسطحات المائية بشكل كبير نتيجة خروج عدد كبير من مراكز الحماية من الخدمة بسبب تعرضها للتخريب والسرقة من قبل المجموعات الإرهابية، وبالتالى أصبحت الثروة السمكية فى تلك المسطحات غير محمية وعرضة للاستنزاف والتدمير، وهذا وفقاً لتقارير سابقة وزعتها هيئة الثروة السمكية التابعة لوزارة الزراعة.
وفي سياق الاستدراك السريع لهذه الثروة التي باتت ضرورة من ضرورات الأمن الغذائي للمواطن السوري، بعد الارتفاعات غير المسبوقة في أسعار اللحوم الحمراء والفروج، دخلت وزارة النقل على خط الإنتاج السمكي، إذ لفتت تقارير جديدة صادرة عن الوزارة، إلى البدء بتوطين طرق غير تقليدية في تربية الأسماك في المياه المالحة، والبداية كانت بمنح أول ترخيص لإنشاء مزرعة سمكية عائمة على شاطئ جبلة، بغرض الاستثمار في استزراع السمك على الساحل السوري.
ويمتد المشروع – وفقاً للوزارة – على مساحة 18 دونماً برية، و15 دونماً بحرية، بطاقة إنتاجية 400 طن سنوياً لمدة 15 عاماً، وهو التجربة الأولى في سورية على صعيد إنتاج السمك البحري، من شأنها تحقيق الأمن الغذائي من خلال الحصول على منتجات غذائية معروفة المنشأ تكفي احتياجات المجتمع من جهة، وتكون النواة لتأسيس صناعات متطورة مرتبطة بإنتاج السمك تصلح للتصدير، حيث سيتم إنتاج ١٠٠ طن سمك من كل قفص تقريباً، وحالياً تم وضع ٤ أقفاص، ما سيساهم بإنتاج ٤٠٠ طن سنوياً، والهدف الثاني يتمثّل في الحفاظ على الثروة السمكية الطبيعية من خلال التخفيف من الصيد الجائر، حيث ستتيح المزارع توفير المادة بشكل مستمر في الأسواق وبجودة عالية، والهدف هو تنمية وتطوير المناطق التي تستقبل هذه الاستثمارات كونها ستزيد من فرص العمل، وتحقق نمواً في البنية التحتية لها والعمرانية.
وتم اختيار مواقع المشاريع لتنفيذ المزارع السمكية بحسب الخارطة الاستثمارية المعتمدة للأملاك العامة البحرية، إضافة إلى أن شاطئ مدينة جبلة ذو طابع صخري وأعماق بحرية مناسبة، وهذا يساعد على نجاح مثل هذه المشاريع التي ستشهد تزايداً مطرداً.. فهناك العديد من مشاريع الاستزراع السمكي يتم استكمال إجراءاتها، وفور الانتهاء منها سيتم الإعلان عنها والمباشرة بالعمل.
أما الركيزة الأساسية للإنتاج السمكي في سورية فتتمثّل بالهيئة العامة للثروة السمكية، التي تعمل في إطار إشراف وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، والتي أوردت تقارير جديدة تؤكّد أنه تمّ إيجاد حل لمشكلة بدل استثمار الحيز المائي في السدود والمسطحات المائية العذبة، وهي المشكلة التي كانت تعوق إنشاء مزارع التربية المكثفة، وهذه انعطافة يبشر المتابعون والمهتمون بهذا القطاع، بأنها ستحدث نقلة جديدة في إتاحة الأسماك الطازجة في الأسواق، وبالتالي ستزيد من حصّة الفرد من المادة وتغيير أرقام معدلات الاستهلاك المحلّي بشكل يظهر إيجابياً في الإحصاءات العربية والعالمية.
وتعرض الهيئة وفق التقارير الصادرة عنها، سعيها المكثف لتطوير الثروة السمكية خلال الأعوام السابقة، لتتمكن العام الماضي من الوصول إلى 5 ملايين اصبعية، و استزراع حوالي 3 ملايين اصبعية منها في السدود والبحيرات الكبيرة وبعض السدات والمسطحات المائية في محافظات: اللاذقية وحمص وحماة وطرطوس، على أن يتم استخدام الكميات الباقية لإجراء التجارب، وتلبية احتياجات المربين وأصحاب المزارع الخاصة ومستثمري السدود والمزارع الأسرية،
كما تمّ توزيع 170 ألف اصبعية لـ 1218 مربياً ضمن مشروع المزارع الأسرية في محافظات: اللاذقية وطرطوس وحماة وحمص وريف دمشق والقنيطرة ودرعا وحلب، واستزراع 10 آلاف اصبعية كارب عاشب ضمن الأحواض لتنظيفها، كما تم استخدام 98 ألف اصبعية لإجراء التجارب في مراكز أبحاث الهيئة بمصب السن ومزرعة 16 تشرين.. وهي أرقام تؤكد توجه السوريين نحو توطين تربية الأسماك في الأحواض و” البرك” المنزلية، كما أي حيوانات داجنة أخرى، وهو تغير في ثقافة السوريين يبدو جديراً بالرصد والاهتمام والدعم.
في سياق متّصل.. أظهر تقرير صادر عن جمعيات الصيادين في طرطوس واللاذقية، أن نشاط الصيد لم يعد يتوقّف خلال فترة المنع والممتدة من 15/7 ولغاية 15/8 من كل عام، و المنع يأتي حفاظاً على مخزون الثروة السمكية، كونها فترة تفريخ لبعض أنواع الأسماك.. وهذا يعني أن التعدي على الثروة السمكية لا يزال مستمراً من خلال الصيد البحري الجارف القاعي، و يسبّب هذا النوع من الصيد تدمير وتفتيت البنية الصخرية التي يمتلكها الشاطئ السوري، كما أنه يؤدي إلى إضعاف المخزون السمكي..
ويرصد التقرير عن ازدياد عدد مراكب الجرف القاعي، حتى إنها باتت تجرف في طريقها كل الكائنات البحرية وأعشاب البحر، وتقتل البيوض الصغيرة وتعدم الحياة في المكان الذي تعبره، وتسبّب تصحر البيئة البحرية.. إضافة إلى وجود عدد كبير من مراكب الصيد غير المرخصة والتي تفتقر إلى مقومات مراكب الصيد الحديثة، الأمر الذي يسبّب بعض الحوادث في موانئ الصيد.
هذا وكانت رئاسة مجلس الوزراء قد أصدرت قراراً يقضي بتشكيل لجنة مهمّتها تحديد الحاجة الفعلية من عدد المراكب اللازمة للصيد، بحسب حجمها وطاقتها الإنتاجية ونوع الصيد، والمتوافقة مع إنتاجية جهد الصيد الصادرة عن الهيئة العامة للثروة السمكية، إلى جانب الإحصاء الشامل لعدد المراكب المرخصة وغير المرخصة والواقع الراهن لها، إن كانت موضوعة في الاستثمار أم لا، إضافة إلى مقارنة النتائج مع جداول الرخص الممنوحة للمراكب، مع تحديد المخالف منها للقوانين والأنظمة النافذة، كما كلفت اللجنة بتحديد أنواع المخالفات والتجاوزات وتوصيفها واقتراح الإجراءات اللازمة واقتراح آلية معالجة القائم منها، كما تمّ الطلب من اللجنة المذكورة دراسة تطوير الشروط العامة بمنح ترخيص المراكب وحالات سحبها، بما يضمن توفير فرص عمل للصيادين من السكان المحليين، وتحقيق الاستثمار الفعلي للمراكب المرخصة.
وطلب القرار من اللجنة وضع نظام لأتمتة قاعدة بيانات الرخص الممنوحة لمراكب الصيد، ومراجعة القوانين والأنظمة المتعلقة بمنح رخص تصنيع المراكب واستثمارها واقتراح ما يلزم لتطويرها إن لزم الأمر، كما أعطى القرار مهلة ثلاثة أشهر لأعضاء اللجنة المذكورة من أجل تقييم الواقع السمكي في سورية مضى منها أكثر من شهرين.
ختاماً.. يبقى على كل الجهات المعنية بتطوير هذا القطاع الذي يرتقي إلى مرتبة استراتيجي بامتيار.. أن تنشط بكل الوسائل لنشر الوعي بين الأهالي لأهمية التربية المنزلية للأسماك، إضافة إلى نشر مهارات تربية الأسماك، بما أنها مسألة طارئة على اهتمامات السوريين.