الثورة – سلوى إسماعيل الديب:
“التجريد خروج على نص الطبيعة، عالم بلا ملامح، كتابة غائمة في الشعر والنثر، خارجة عن المجددات والأشكال والتفاصيل، هو الاستغناء عن كل ما لا لزوم له في أي عمل فني، سواء أكان معماراً، أم قصيدة أو..، وهي بحث عن الجوهر ومحاولة رؤية ما لا يرى، وتجاوز الطبيعة وأشكالها وخلق عالم من المعاني بدل الأشكال المحضة” بهذه الكلمات وبمحاولة راقية من الأستاذ “محمود نقشو” لتوضيح معنى التجريد هذا المصطلح السهل الممتنع أقامت رابطة الخريجين الجامعيين في حمص محاضرة بعنوان”شاعرية التجديد” سنتناول بعض ما ورد فيها:
أشار نقشو إلى نشأة التجريد قائلاً: بدأت الكتابة بالصورة ثم انتقلت إلى التجريد الصوتي هكذا درس علماء الآثار الحقب التاريخية لتطور حضارة الإنسان، أي أن للفن وظيفتين: الأولى جمالية تتناغم مع توق مبدعه إلى الكمال، والثانية دلالية، وكثيراً ما تقدم الدلالي على الفني، وهذا راجع للحقبة الزمنية ومهارة الفنان.
وتناول الفترة الكلاسيكية وما قبلها بأن الفنان كان بديلاً عن المصور، لذا وجب عليه رسم الشبه، ولما جاء عصر الاختراعات وظهور الكاميرا، هنا تحيز الفنان لحريته أكثر، فولدت الانطباعية، من رحم الكلاسيكية الجديدة، وتناولت ثورات الفن الحديث موجة إثر موجة، ومن رحم تلك الانطباعية ولد التجريد وكان امتحان خصوبة الخيال حدّ الامتلاء.
وقد دق ناقوس الخطر عندما أعلن الفنان الروسي “الكسندر روديشنكو” عام 1921 موت الرسم التقليدي بحركته المستقرة التي تمثلت بتقديمه ثلاث لوحات، حملت العناوين “أحمر نقي”و”أصفر نقي”و” أزرق نقي” وكانت كما تشير عناوينها لوحات من لون واحد، كونها لم تأت من العدم..
وأضاف نقشو: اسم الفن التجريدي يطلق على أي فن متجرد من الواقع، وقائم على تكوينات من الأشكال والألوان الصرفة على عكس ما رمته الأنظمة آنذاك من اتهامات فجة في كل صوب..
وسواء أكانت أجندات الفنانين التجريديين روحية أو اجتماعية أم سياسية، إلا أن معظمهم أصبح واعياً للخطر الأساسي الذي يهدد التجريد، والمتمثل بتحول اللوحات لمجرد زينة..
يقول المدافع الشرس عن التجريدية الناقد الفني الأميركي “كليمنت غرينبرغ” يكمن الحل بإبقاء اللوحة في حالة عدم توازن درامي، يتضح ذلك في لوحة “كاندينسكي” “أصفر أحمر أزرق” المنجزة عام 1925، حيث لا تمتثل الأشكال في وحدات متكررة ومتناظرة كما في الزخرفة التقليدية، بل تدخل في صراع تستقطب التدرجات اللونية بعضها، وأشار كاندينسكي في كتاباته أن الأصفر يتحرك نحو المشاهد كلما أطال النظر إليه، بينما يقوم الأزرق – اللون الروحي بامتياز- بالابتعاد أكثر، والانطواء على ذاته، وربط تلك الظواهر اللونية بأحاسيس داخلية ذات طابع روحي وكوني، معتبراً اللوحة مخلوقاً حياً..
وجرى في نهاية المحاضرة حوار شيق ألقى فيه كل من الناقد محمد رستم والفنانة التشكيلية أميرة اليوسف والدكتور عاصم كلاليب مداخلات أغنت الجلسة بحضور عدد من رواد الرابطة وأعضائها.