الثورة – ناصر منذر:
فتح الهجوم الإسرائيلي على إيران، باباً جديداً لاحتمالات توسيع نطاق الحرب في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يعمق الأزمات المشتعلة، ويزيد من تداعيات مخاطرها على أمن واستقرار المنطقة، ويقضي على أي آمال في التوصل إلى اتفاق نووي قريب مع الولايات المتحدة، لاسيما في ظل إعلان إيران انسحابها من المفاوضات في المرحلة الراهنة.
ورغم أن السبب الرئيسي للهجوم الإسرائيلي على إيران هو استهداف برنامجها النووي، ومنعها من إنتاج قنبلة نووية، وربما إجبارها على تقديم تنازلات مؤلمة للتوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة وفقاً للرؤية الأميركية والإسرائيلية، إلا أن الهدف الإسرائيلي الأبعد، هو إسقاط النظام الإيراني، وهو الحلم الذي لم يفارق مخيلة القادة الإسرائيليين، منذ إسقاط نظام الشاه عام 1979.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عبر عن ذلك بكل وضوح خلال كلمة وجهها للشعب الإيراني، عقب الهجمات الإسرائيلية أمس، دعاه فيها إلى التخلص من “النظام الظالم والطاغي”، وقال، إن إسرائيل لا تعتبر الشعب الإيراني عدواً، بل ترى أن معركتها موجهة ضد “نظام قاتل يهدد أمن المنطقة ويفقر شعبه”. وقال: “المعركة ليست ضدكم، بل ضد نظام يظلمكم ويضعفكم. نحترم ثقافتكم وتاريخكم. نوركم سيهزم الظلام. أنا معكم، وشعب إسرائيل معكم.” وأضاف: “كانت إيران وإسرائيل حليفتين في الماضي. حان الوقت لتوحيد الصفوف من أجل نيل حريتكم. هذه فرصتكم: نساء، حياة، حرية.”
وأضاف: “النظام الإيراني يهدد بتدمير إسرائيل منذ أكثر من خمسين عاماً، وقد نجحنا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية في تدمير جزء كبير من ترسانته الباليستية، والمزيد قادم”.
الجيش الإسرائيلي، كان قد أعلن في بداية الهجوم على إيران، بأن الهدف هو إزالة التهديد النووي الإيراني، لكن المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” رون بن يشاي، اعتبر بدوره أن هدف الهجمات ليس استهداف المنشآت النووية فقط، وإنما استهداف النظام الإيراني لدرجة إسقاطه. وقال: “في إسرائيل يدعون أنه فقط إذا سقط النظام، ستكون إسرائيل محررة من نووي إيراني”، حسب تعبيره.
ومع استهداف عدد كبير من كبار القادة والضباط الإيرانيين، إضافة إلى عدد من العلماء الإيرانيين، قال خبراء، إن ذلك يكشف هدفاً إسرائيلياً واضحاً لإضعاف ثقة الداخل الإيراني وحلفائه الإقليميين بالنظام، وهي عوامل قد تُسهم في زعزعة استقراره.
وقال مايكل سينغ، من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمسؤول السابق في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش: “من المفترض أن أحد أهداف إسرائيل من هذا الهجوم هو الأمل برؤية تغيير للنظام”.
وتابع سينغ، وفق ما نقلته” سي إن بي سي”: “إن إسرائيل تأمل بأن ينتفض الشعب الإيراني”، مضيفاً أن عدد القتلى المحدود بين المدنيين في الجولة الأولى من الضربات يدل أيضاً على وجود هدف استراتيجي أكبر.
عداء مستحكم
في الواقع، منذ أن أطاحت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، بالشاه محمد رضا بهلوي الذي كان يرتبط بعلاقات قوية مع إسرائيل، ويعتبرها حليفاً لبلاده في سياق موالاته للغرب، تصاعدت حدة العداء بين إسرائيل وإيران، حيث اعتبرت “تل أبيب” أن طهران باتت تمثل تهديداً وجودياً لإسرائيل، لما تمثله من مشروع سياسي عقائدي، فضلاً عن سعيها لامتلاك سلاح نووي، ما يجعل منها قوة نووية كبرى في المنطقة، وهذا يتعارض مع المشروع الإسرائيلي في المنطقة برمتها، فيما اعتبرت الثورة الإسلامية الإيرانية، حينها، بأن مواجهة إسرائيل تمليها ضرورة أيديولوجية، هي نصرة القضية الفلسطينية.
ومنذ ذلك الوقت، لم تهدأ أوار الحرب الخفية بين الجانبين، إذ نفذت إسرائيل العديد من الهجمات السيبرانية ضد مواقع عسكرية ومدنية في طهران، واغتالت الكثير من العلماء الإيرانيين، وجيشت دول الغرب للوقوف ضد البرنامج النووي الإيراني، وفرض عقوبات عليها، وكرست كل إمكانياتها لإجهاض أي اتفاق يمنحها فرصة مواصلة هذا البرنامج، فيما أنشأت إيران بدورها العديد من الجماعات الموالية لها في المنطقة تحت مسمى قوى المقاومة، وعلى رأسها حزب الله اللبناني، ومدتها بالمال والسلاح، وهذه القوى لطالما قضت مضجع إسرائيل، ووجهت لها ضربات قاسية، لاسيما خلال الحرب الراهنة على قطاع غزة، من خلال ما سمته المقاومة “جبهات الإسناد” في لبنان واليمن والعراق.
ومع ترقب ما ستؤول إليه التطورات القادمة، فإن احتمال اتساع رقعة التصعيد بين إيران وإسرائيل، لا بد سيكون له الأثر الكبير على الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، ويقلل فرص التوصل إلى اتفاق نووي، في ظل مواصلة طهران إبداء المزيد من التشدد في المفاوضات، في مقابل الإصرار الأميركي على انتزاع تنازلات كبيرة، قد لا تتصل بالبرنامج النووي وحسب، وإنما بالبرنامج الصاروخي الإيراني الباليستي، وصولاً إلى وضع حد نهائي للنفوذ الإيراني في المنطقة كلها.