الثورة – علا محمد:
لم تكن إدلب مجرد مدينة في شمال سوريا، بل هي رمزٌ حي لسوريا المصغرة، كما يصفها السوريون الذين رؤوا فيها الحضن الأوسع من كل المحافظات، ومنطلقاً للحلم الكبير بتحرير الوطن.
ربما لهذا السبب بالتحديد، اجتاحت حملة “الوفاء لإدلب” القلوب قبل الشاشات، وحصدت تفاعلاً لافتاً تجاوز الـ 208 ملايين دولار في يومها الأول، لتفتح باب الأسئلة عن سر هذا النجاح.
رمزية اسم.. ووفاء عميق
وفي ضوء ما أُنجز، يوضح مدير العلاقات العامة في حملة “الوفاء لادلب” فضل العكل لـ”الثورة” أن ما تحقق يعود بالدرجة الأولى إلى رمزية إدلب في وجدان السوريين والعرب والمسلمين، فهي الاسم الذي ارتبط بالتضحيات والانطلاق نحو الحرية، وهذا ما جعل المحبين يتسابقون للتبرع، ولعلّ ما صنع الفارق الأكبر هو التبرع السخي لرجل الأعمال غسان عبود، الذي حمل بعداً شخصياً بوفائه لوالدته وأقاربه وكل من وقف معه، لافتاً إلى أن عبود لم يكن جديداً على هذا الميدان، فقد ساهم منذ بداية الثورة بمئات الملايين دعماً لمشاريع التعليم والصحة، وكان حضوره عبر قناة “أورينت” شاهداً على التزامه، لذلك لم يكن مفاجئاً أن يتصدر قائمة المتبرعين.
رسائل إعلامية
ومع استمرار الحملة، تشير العلاقات العامة إلى أن وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية منحتها زخماً كبيراً، لأن حب الناس لهذه المدينة وضعها في واجهة الأخبار، كما يعكس الأثر العميق الذي تركته تصريحات الداعمين، من بينهم وزير الخارجية السوري أسعد شيباني الذي دعم الحملة من الولايات المتحدة، وقبله وزراء ورجال دولة ومؤثرون ساهموا في مضاعفة التفاعل الشعبي، و”الأثر العجيب” للحملة، كما وصفه العكل، لم يكن إعلامياً فقط بل انعكس على الأرض بحجم التبرعات وتنوّعها.
وعند النظر إلى الانتقادات التي ترى أن الحملات مجرد استجابة عاطفية لحظية،
ويبيّن العكل أن “الوفاء لإدلب” كسرت هذه القاعدة، فالتبرعات لا تزال تتدفق تباعاً، حتى من أشخاص يفضلون عدم ذكر أسمائهم، والحملة لم تتوقف عند لحظة الانطلاق، بل أثبتت قدرتها على الاستمرار.
شفافية وآليات واضحة
ومن جانب آخر، تم التأكيد أن الثقة هي رأس المال الحقيقي، لذلك جرى تشكيل لجنة خاصة لتوزيع التبرعات على المناطق والقرى المهدمة وفق آليات واضحة وشفافة، مع فتح الباب أمام أي متبرع للاطلاع على تفاصيل الإنفاق، فيما ستنشر اللجنة تباعاً أعمال الترميم والإصلاح وإعادة البناء التي ستموَّل من هذه الأموال.
كما أشار مدير علاقات الحملة إلى أن الخطة لا تقف عند حدود الدعم الطارئ، بل هناك توجه لتوسيع الحملة باتجاه مشاريع تنموية وخدمية، ويذكّر أن تقرير الأمم المتحدة الأخير قدّر حاجة إدلب وأريافها بـ3 مليارات دولار لإصلاح بنيتها التحتية الأساسية، ما يعني أن ما جُمع حتى الآن لا يغطي كامل الاحتياج، لكنه خطوة كبيرة على الطريق.
تصنع الفارق
وفي الوقت نفسه، لم يُخفِ العكل امتنانه لدور رجال الأعمال السوريين في الداخل والخارج الذين صنعوا فارقاً واضحاً، كما أكد أن المبالغ الصغيرة لم تقل أهمية عن المساهمات الضخمة، فالطفلة التي تبرعت بأقراطها، والطالب الذي قدم حصالة مصروفه، والطالبة الجامعية التي تبرعت بخاتمها الذهبي، والأروع ذلك اليتيم الذي منح كفالته الشهرية، كلهم جسّدوا روح المشاركة والوفاء.
مشيراً إلى أن التبرعات لم تقتصر على محافظة بعينها، فقد جاءت من درعا وحلب وطرطوس والسويداء وعفرين، لتؤكد وحدة السوريين .
وفي ختام حديثه أكد مدير علاقات الحملة على أن أبواب التبرع ستبقى مفتوحة، فهي مستمرة، والرسالة الأوضح التي وجهها هي أن الشعب السوري قادر على البناء بيديه، ولن ينتظر الهبات من أحد، وما حدث في “الوفاء لإدلب” لم يكن مجرد حملة، بل تجلٍّ نادر للتعاضد الوطني، ورسالة تقول إن السوريين اختاروا الأمل رغم الركام.