كيف نحمي حرفة تعود إلى ٢٥٠٠ عام قبل الميلاد ? صناعة السفن في جزيرة أرواد مهدَّدة بالاندثار!

تحقيق – فادية مجد:

برع أهالي جزيرة أرواد في طرطوس بحرفة صناعة السفن البحرية والقوارب الخشبية، وتعود شهرتهم فيها إلى ٢٥٠٠ عام قبل الميلاد.

هذا الإرث الذي ورثوه عن أجدادهم الفينيقيين، كان مصدر فخر لهم على الدوام، لكن رغم ما سبق من أمجاد، فإن خطر اندثار هذه الصناعة بدأ يلوح في الأفق في ظل غياب الدعم لمن بقي من شيوخ الكار، وعدم تأمين التسهيلات المطلوبة لاستمرار هذه الصناعة العريقة أثناء عهد النظام البائد.

صلة الوصل بين الحضارات

للإضاءة على تاريخ هذه الصناعة ونشأتها ومعاناة صانعي السفن ومطالبهم تواصلت صحيفة الثورة مع عضو لجنة الحرفيين في طرطوس، والمهتم بالتراث، منذر رمضان، الذي قال: لجزيرة أرواد تاريخ يروي حكايات الأجداد وأمجادهم، فهي الجزيرة المأهولة منذ أقدم العصور حتى تاريخنا الحاضر، بمساحة لا تتجاوز /٢٠/ هكتاراً، وقد تمكنت من “غزو العالم” بالتجارة والصناعة على يد أجدادنا الفينيقيين صانعي السفينة الأولى ومراكب الصيد والنزهة.

وقد أثبت الباحثون أن أول سفينة عبرت البحار لأجدادنا الفينيقيين قد حملت اسم “قادس”، مبينٱ أنها صممت لتتحدى كل الظروف المناخية، فكانت تبحر مستثمرة طاقة الرياح بشراعها المتين، وأضيفت إليها فتحات للمجاذيف اليدوية، بسواعد رجال خبروا البحر وتحدوا غضب أمواجه.

وكانت تستخدم في الحرب إذا ما دعت الضرورة لذلك، وأيضا لنقل البضائع والتجارة بها إلى العالم ، ومن ثم تطورت هذه الصناعة حتى أصبحت السفن الفينيقية تجوب القارات برحلات تبادل تجاري بين الشعوب وأصبحت صلة الوصل بين الحضارات.

أسطورة صناعة السفن

ولفت رمضان إلى أن أحفاد الفينيقيين سكان جزيرة أرواد، حافظوا على هذه الصناعة على مر العصور ، من خلال إعادة الحياة للسفينة الفينيقية ذات الشراع الواحد كما صنعها الأجداد بدون استخدام أي مسمار معدني، بتحد لا يمكن أن ينفذه سوى ورثة وأحفاد الفينيقيين، أمثال الحرفي خالد حمود وإخوته من أبناء جزيرة أرواد، الذين بدؤوا بصناعة سفينة بهذه المواصفات (دون مسامير معدنية) عام ٢٠١٧ وانتهى العمل بها، وأنزلت إلى مياه البحر الأبيض المتوسط عام ٢٠١٨ بمشهد يثبت أن عبقرية الأجداد، يتوارثها الأبناء وأنها ما زالت حية وقادرة على الإبداع بورثتهم الواثقين بأنفسهم، المحافظين على إرثهم وتاريخهم.

وقد أبحرت من جزيرة أرواد وجابت عدة دول في العالم، مثل إسبانيا، بريطانيا، كاليفورنيا، بمسارات ذهاباً وإياباً، محافظة على قوتها ومتانتها دون عوائق، ومن ثم عادت إلى مهد صناعتها جزيرة أرواد قبل أن تغادرها وتستقر في أحد شواطئ العالم، وتصبح أسطورة التاريخ والحضارة وتثبت للعالم بأن هذه الأرض بأبنائها المبدعين أول من علّم العالم صناعة السفن، ولتأكيد المؤكد بأن الفينيقيين وأحفادهم كانوا وما زالوا ملوك البحار.

معاناة صانعي السفن

شكا رمضان أنه بعد كل هذه الحضارة توقف الزمن لدى صناع السفن، واكتفينا بصناعة مراكب الصيد والنزهة فقط لغياب دعم الحرفيين المتقنين لهذه الصناعة بالشكل المطلوب، وهذا الأمر ليس وليد وقتنا الحاضر، بل بدأ التراجع منذ ثلاثة أجيال خلت، ولم يبق من الجيل الثالث بتاريخنا المعاصر سوى ما يقارب عشرة حرفيين يعملون بهذه الصناعة وأغلبهم تجاوزوا عقدهم الخمسين، أضف إلى ذلك أنهم لم ينقلوا هذه الخبرات لأبنائهم لأسباب متعددة، منها معاناتهم في عهد النظام البائد من تفاصيل إدارية وضريبية ورسوم وتكاليف ملحوظة وغير ملحوظة، تسببت في اعتكاف العديد منهم عن الاستمرار بحرفتهم، وجعلتهم يشعرون بأنها تركة متعبة، ولهذا أبعدوا أبناءهم عما أتعبهم، واختاروا لهم طريقاً يؤمن لهم مستقبلاً خالياً من المنغصات التي عانى منها الآباء.

وأكد أنه الآن وبعد سقوط النظام أصبحت الأمور الإدارية مختلفة عما كانت عليه بشكل كبير، الأمر الذي جعل الحرفيين يشعرون بارتياح كبير بهذا التغيير الإيجابي، ولكن هذا الأمر لا يكفي، فحرفة صناعة السفن في أرواد أصبحت مهددة بالاندثار، ما لم يتم نقل هذه الخبرات إلى أجيال المستقبل من خلال استثمار خبرات آخر شيوخ الكار الأرواديين، ولتحقيق هذا الأمر علينا جميعاً أن ندرك أنه في حال اندثرت هذه الصناعة فإننا سنفقد معها جزءٱ مهماً من حضارتنا وتاريخنا وموروثنا العظيم.

أبرز المطالب

وطالب رمضان في ختام حديثه بتقديم كل التسهيلات المطلوبة لشيوخ الكار، منها تخفيض الضرائب إلى الحد الأدنى، أو إلغاؤها، مقابل تعليم أجيال المستقبل هذه الحرفة، مع إعفائهم من رسوم الإشغال أو تخفيضها للحد الأدنى، دون زيادات لعدة سنوات قادمة، والسماح لهم بتأهيل مساحات جغرافية لتصبح أحواضاً جافة تستوعب طاقة إنتاجية تؤدي الحاجة، إضافة لتفاصيل متعددة، نحن مستعدون لمناقشتها مع المعنيين في حال وافقوا على معالجتها وفق الأصول.

 

آخر الأخبار
من رماد الحروب ونور الأمل... سيدات "حكايا سوريا" يطلقن معرض "ظلال " تراخيص جديدة للمشاريع المتعثرة في حسياء الصناعية مصادرة دراجات محملة بالأحطاب بحمص  البروكار .. هويّة دمشق وتاريخها الأصيل بشار الأسد أمر بقتله.. تحقيق أميركي يكشف معلومات عن تصفية تايس  بحضور رسمي وشعبي  .. افتتاح مشفى "الأمين التخصصي" في أريحا بإدلب جلسة حوارية في إدلب: الإعلام ركيزة أساسية في مسار العدالة الانتقالية سقوط مسيّرة إيرانية بعد اعتراضها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي في  السويداء.. تصاعد إصابات المدنيين بريف إدلب تُسلط الضوء على خطر مستمر لمخلفات الحرب من الانغلاق إلى الفوضى الرقمية.. المحتوى التافه يهدد وعي الجيل السوري إزالة التعديات على خط الضخ في عين البيضة بريف القنيطرة  تحسين آليات الرقابة الداخلية بما يعزز جودة التعليم  قطر وفرنسا: الاستقرار في سوريا أمر بالغ الأهمية للمنطقة التراث السوري… ذاكرة حضارية مهددة وواجب إنساني عالمي الأمبيرات في اللاذقية: استثمار رائج يستنزف الجيوب التسويق الالكتروني مجال عمل يحتاج إلى تدريب فرصة للشباب هل يستغلونها؟ تأسيس "مجلس الأعمال الأمريكي السوري" لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دمشق وواشنطن تسهيل شراء القمح من الفلاحين في حلب وتدابيرفنية محكمة سوريا تلتزم الحياد الإقليمي وسط تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران مدينة طبية في إدلب..خطوة جديدة لتعزيز القطاع الصحي