الثورة – عامر ياغي:

جديد محصول الحمضيات قديم، وقديمه دخل عالم التحنيط من أوسع أبوابه نتيجة تقاذفه من تحت دلف التسويف تارة إلى تحت مزراب المماطلة، تارات أخرى.
ناهيك عن بيع الوعود الخلبية “الباهتة لا البراقة” التي أتت على هذا المحصول الذي لم يتمكن “رغم كل ما سبق” من دخول نادي المحاصيل الاستراتيجية على الرغم من كل الوعود والتأكيدات والتطمينات التي ذهبت جميعها أدراج الرياح كالهباء المنثور.
تماماً كما ذهب مروجوها الذين لم يرف جفن واحد منهم على نقطة عرق واحدة نزلت من جبين الفلاح الذي كان ومازال “الأمل كل الأمل” أن لا يبقى أو يستمر في موقع الحلقة الأضعف في المعادلة الإنتاجية الزراعة “النباتية”، أو في ذيل قائمة اهتمامات وأولويات القائمين على القطاع الزراعي.
محصول الحمضيات
بحسب رئيس اتحاد غرف الزراعة محمد كشتو كان ومازال ومنذ عقود مضت يبحث بالسراج والفتيل عن طوق نجاة يخرج الفلاح من عنق زجاجة الإهمال وتقاذف التهم والمسؤوليات، إلى فضاء الاهتمام والمتابعة لكل شاردة وواردة.
كشتو وفي حديثه لصحيفة الثورة أكد أن مع بداية كل موسم زراعي جديد تتعالى أصوات مزارعو الحمضيات ونداءات استغاثتهم وطلبات نجدتهم للبحث والمساعدة في إيجاد قنوات تصريفية حقيقية لمنتجهم، وأسعار مشجعة لغلتهم، وهوامش ربحية مجزية لكدهم وتعبهم، وفرض عمولات منطقية لا استغلالية لتلك التي يتقاضاها العاملون في السلسلة والحلقات التسويقية وتجار محصول الحمضيات الذي تم وضع حجر أساسه الخلبي ـ الاستعراضي ـ التخديري لمعمل عصائره الفائضة قبل 10 سنوات من الآن بالتمام والكمال.
بدوره أشار الخبير الزراعي المهندس عبد الرحمن قرنفلة أن محصول الحمضيات تحول نتيجة تقصير وإهمال الحكومات السابقة إلى مسلسل درامي حزين طالت ساعات حلقاته وأجزائه كثيراً، دون أن يتمكن الفلاح من تنفس الصعداء بانتظار وصول هذا المسلسل إلى خواتيمه التي ستثلج قلبه وصدره على الرغم من جملة الندوات التي عقدت، وقائمة الزيارات التي نفذت، وباقات التوصيات والقرارات والبلاغات التي أقرت وأفهمت علناً، والتقارير الصحيفة التي أعدت وروجت وسوقت وجملت حراك أصحاب الشأن والقرار، الذي كان جل اهتمامهم وتفكيرهم منصب وبشكل أساسي ومباشر باتجاه الظهور الإعلامي فقط لا غير، بعيداً كل البعد عن الفلاح الذي بقى وحيداً في الميدان.. في الحقول والبيادر.. في أسواق الخضار والفواكه.. في مشاغل الفرز والتوضيب والتعبئة والتغليف.. تحضيراً للتصدير في حال نجحت مساعيهم الفردية لتصدير كميات خجولة ومتواضعة.. لا تغن ولا تسمن من جوعه.
الجفاف يضيق الخناق
من هنا وبعيداً عن تخبط أصحاب القرار وأهل الربط لا الحل، أوضح قرنفلة أن محصول الحمضيات بأصنافه المتنوعة يحتاج الى برنامج ري حديث، وتوفير كميات محددة من المياه للحفاظ على حياة الأشجار وتأمين متطلبات الثمار، وفي هذا العام ونتيجة الجفاف وانخفاض مخازين السدود لم يتمكن كثير من مزارعي الحمضيات من توفير احتياجات بساتينهم من المياه، الأمر الذي انعكس انخفاضاً على إنتاجهم كماً ونوعاً، والحيلولة دون جني محصوله والخروج بغلة مجزية اقتصادياً، باستثناء البعض لا الكل “قلة قليلة” ممن يملكون ملاءة مالية جيدة مكنتهم من سقاية بساتينهم وأشجارهم عن طريق شراء المياه ونقلها بالصهاريج بأجور وتكاليف مرتفعة جداً الأمر الذي ساهم بارتفاع قيمة أهم بند من بنود مستلزمات العملية الإنتاجية “النباتية” الزراعية.
أسعار محبطة

وأشار قرنفلة إلى أن محصول الحمضيات يحتاج إلى حزمة من مدخلات الإنتاج والعمليات الزراعية المختلفة، أهمها الأسمدة الكيميائية، أما المفارقة التي لم تكن يومياً ضمن حسابات الفلاح هي أسعار الأسمدة التي سجلت داخل أسوار المصرف الزراعي التعاوني أرقاماً تفوق بأضعاف أسعارها في السوق السوداء، ما يعني بلغة الفلاح نفسه أن المصرف الزراعي الذي كان في يوم من الأيام طوق نجاة لمنتجي الحمضيات من خلال توفير الأسمدة بأسعار أقل من نظيرتها في السوق السوداء، لم يعد “المصرف” كذلك، وهذا الأمر يحتاج الى توضيح من إدارة المصرف لبيان أسباب هذا التباين غير المسبوق.
وبين قرنفلة أن أسعار المبيدات الزراعية الخاصة بمكافحة آفات محصول الحمضيات تثقل كاهل الفلاح وتشكل عبئاً إضافياً عليه يرهق كاهله ويفرغ جيبه، هذا بالنسبة للمبيدات الجيدة أما ما يتم تناقله حالياً في الأوساط الزراعية الفلاحية عن وجود مبيدات ذات فاعلية منخفضة وأخرى مهربة وثالثة مجهولة المصدر، فإن ذلك يعني زيادة في التكاليف وخطر على الإنتاج.
أما بالنسبة للأسواق التصريفية الخارجية، فإن هناك أزمة تسويقية حقيقية للحمضيات بأصنافها المختلفة، إذ لا تتجاوز الكميات التي تتمكن سنوياً من اجتياز الحدود إلى الموائد والأسواق الخارجية نسبة تتراوح ما بين 5 إلى 10 بالمئة من إجمالي التقديرات الأولية والنهائية الصادرة عن المديريات المختصة في وزارة الزراعة نتيجة عوامل بشرية معقدة، تبدأ من اختيار الأصناف والأنواع المزروعة مروراً بالخدمات الزراعية بما فيها مواعيد القطاف ومواصفات الثمار، وانتهاءً بمشاغل الفرز والتوضيب التي تفتقر إلى الأجهزة الحديثة القادرة على تحديد وانتقاء الثمار المطابقة لمتطلبات الأسواق الخارجية والمواصفات القياسية المطلوبة، فضلاً عن غياب قرى تصديرية متخصصة وشركات تقييم مطابقة لمنح شهادات الجودة المعتمدة أصولاً.
عمولات لا تسرّ الخاطر
ونوه قرنفلة بأن معزوفة العمولات، معزوفة منفردة ومكشوفة لا بل وباتت مفضوحة إلى حد كبير، وهي تشكل تحدياً حقيقياً يواجه تنمية إنتاج محصول الحمضيات، إذ تشهد أسواقنا فوضى، وغياب التنظيم، وفقدان آليات ووسائل الرصد والتنبؤ “التقديري والنهائي” بالإنتاج، وتحديد حاجة السوق المحلية وحصة الفرد والأسواق الخارجية ـ التصديرية، كما يغيب عنها قواعد الزراعة التعاقدية وشركات التسويق الاحترافية.
مبيناً أن هذه الأسباب مجتمعة كانت السبب الرئيس في ظهور حالة من المزاجية غير المبررة واللامقبولة في علاقة المنتج بتاجر سوق الهال، وعليه فإن الفلاح يشتكي من ارتفاع تسعيرة عمولة التسويق التي يتقاضاها تجار سوق الهال، بينما يتألف التاجر من تحمله مخاطر التسويق بما فيها تقلبات الأسعار، وتلف المادة وارتفاع تكاليف تسويقها ونقلها، وبين مفردات هذه المعزوفة والأخذ والرد والقيل والقال تستمر حالات الشكوى وفقدان الثقة بين الطرفين.
أما الملف الأهم “الملف يلي لا معلق ولا مطلق” فما زال يراوح في مكانه منذ عشر سنوات مضت، فقد سبق وأن تم تخصيص أرض في مشتل الهنادي في محافظة اللاذقية التابع لوزارة الزراعة لإشادة مصنع لعصير الحمضيات عن طريق مؤسسات وزارة الصناعة والاحتفال آنذاك بوضع حجر الأساس للمصنع المزعوم، وانتهى الأمر هنا، لماذا الجواب في كواليس وزارة الصناعة؟.
وقال قرنفلة: إن وجود مصنع “واحد يتيم” يستجر كميات غير هينة من فوائض الإنتاج الصالحة للعصير وتصنيع المكثفات والمشروبات الطبيعية من حمضياتنا، يعتبر أيضاً طوق نجاة لهذا المحصول الهام الذي بدأ بالانحسار لصالح زراعات تصديرية ليس لها سوق محلية، فهل نخسر زراعة الحمضيات؟، وهل نتحول الى مستوردين لليمون والبرتقال والغريب فروت والكرمنتينا ؟. منوهاً إلى أن الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الزراعة تشير إلى أن الفائض عن حاجة السوق المحلية من الحمضيات بكل أصنافها تزيد عن نصف الكمية المنتجة أي ما يعادل حوالي النصف مليون طن.
أما الأصناف الأكثر إنتاجاً في سوريا من الحمضيات، هو صنف البرتقال أبوصرة وهو يشكل حوالي 21،9 بالمئة من إجمالي إنتاج الحمضيات، يليه صنف البرتقال اليافاوي بما يعادل 18،11بالمئة، ثم صنف البرتقال الفالنسيا ونسبة تصل إلى 13،4 بالمئة، موضحاً أن جميع هذه الأصناف تنتمي إلى مجموعة البرتقال، والتي تسهم بحوالي 61،34 بالمئة من إجمالي إنتاج الحمضيات في سوريا.
أما المنطقة الساحلية فتعتبر المنطقة الزراعية الأكثر استقراراً على المدى البعيد للحمضيات لجهة الدخل والإنتاج على حد سواء نظراً لملائمة الظروف الجوية والبيئية والجهود الفنية المبذولة لتطوير هذه الزراعة التي تتركز وبشكل أساسي في المنطقة الساحلية 98 (75 بالمئة اللاذقية ـ 23 بالمئة طرطوس)، إضافة إلى حمص وإدلب ودرعا ودير الزور وحماة والغاب ولكن بكميات قليلة، في حين تشكل مناطق زراعة الحمضيات التي تمتاز بأنها ثنائية الغرض (مائدة ـ عصيرية) حوالي 53 بالمئة من الزراعات المروية في طرطوس (9265 هكتاراً) وحوالي 91 بالمئة من الزراعات المروية في اللاذقية (33190 هكتاراً).
فضلاً عن وجود حوالي 50 ألف أسرة تعمل في زراعة الحمضيات، يضاف إليهم عشرات الآلاف ممن يساعدونهم في عمليات الخدمة المختلفة من قطاف ونقل وتسويق وغيرها، يضاف إلى ذلك شهادة مخابر ومراكز أبحاث عالمية التي تؤكد خلوها من الأثر المتبقي من المبيدات، وذلك نتيجة اعتماد برنامج المكافحة المتكاملة في السيطرة على آفات الحمضيات منذ عام 1997، والتي توزيع مجاناً على المزارعين (المبيدات المنتجة في مخابر وزارة الزراعة)، وتوفر عليهم حالياً عشرة مليارات ليرة.
كما أن الحمضيات السورية تحتل من حيث الإنتاج المركز الثالث عربياً والسابع متوسطياً والثامن عشر عالمياً، في حين يبلغ متوسط إنتاج الشجرة من ثمار الحمضيات يبلغ 95 كيلوغراماً ومتوسط إنتاج الهكتار 34 طناً.
وأضاف قرنفلة أن محصول الحمضيات يحتاج وبالسرعة القصوى إلى قرارات وخطوات وإجراءات استثنائية لإنقاذ هذا المحصول الاستثنائي، وأن العنوان العريض لأي تحرك مستقبلي “دعم ـ تصدير ـ تصنيع” يجب أن يهدف بالمقام الأول إلى تأمين ريعية اقتصادية مجزية للفلاح بالشكل الذي يساهم وبساعد في توفر المنتج الزراعي في السوق المحلية بسعر مقبول، وإيجاد قناة تسويقية ـ تصريفية دائمة، والوقوف جنباً إلى جنب مع الفلاح لمساعدته في تصريف إنتاجه داخلياً وخارجياً، واستجرار الكميات المطلوبة للمصانع والمعامل والتعريف بأهمية الاستهلاك الطازج لا المكثفات المستوردة من الخارج للحمضيات من خلال حملات التوعية.
واعتبر أن إقامة معمل لإنتاج العصائر يعد بحد ذاته قناة تسويقية جيدة “طال زمن انتظارها” ومهمة جداً لتصريف من ما يقارب عشر الإنتاج سنوياً لا أكثر.