الثورة – منهل إبراهيم:
وسط مأساة غزة الكبيرة يبرز سؤال كبير وخطير يخرق جدار الصمت، ويردده الإعلام الغربي بإلحاح، “لماذا قُتل هذا العدد الهائل من الفلسطينيين في القطاع”؟، و”لماذا سياسة الأرض المحروقة الإسرائيلية التي تجلت في القطاع بأبشع صورها”؟.
وقد وصفت صحيفة “لوموند” الفرنسية قطاع غزة بأنه منطقة أشباح، فارغة من سكانها، تمتد فيها مشاهد الخراب حتى البحر الأبيض المتوسط، ولم يبق فيها شيء تقريباً على حاله، فالمنازل مدمرة، والأبنية منهارة، والمدارس مهدومة، والمساجد مسواة بالأرض.
بموازاة ذلك جاء عنوان صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، “على “إسرائيل” أن تُحاسب نفسها على ما اقترفته في غزة”، لافتاً إلى أنه كيف لمن قام بالإبادة الجماعية بحق شعب عن سابق إصرار أن يحاسب نفسه على تلك الجريمة الإنسانية الجماعية؟.
واستهلت “نيويورك تايمز ” بالتذكير بمقولة للرئيس الأميركي دونالد ترامب في المفاوضات التي سبقت اتفاق وقف إطلاق النار بين “حماس” و”إسرائيل”، في محاولة لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالموافقة: “سيُذكَر اسمك بسبب هذا (أي إنهاء الحرب في غزة) أكثر بكثير مما لو واصلتها، قتالاً وقتلاً بلا توقف”.
وتضيف الصحيفة الأميركية أن “تعبير ‘قتل، قتل، قتل’ الذي استخدمه ترامب يعكس حجم المأساة البشرية الناتجة عن عامين من الحرب، فمنذ أيام العهد القديم، لم يقتل اليهود هذا العدد الكبير من الأشخاص كما حدث في غزة، إنه عدد مذهل، وقد يصل إلى مئة ألف بين مدنيين ومقاتلين بعد رفع الأنقاض، هذه ليست تهمة، بل حقيقة مؤلمة”، بحسب ما أوردته “نيويورك تايمز”.
وتعتقد الصحيفة الأميركية أنه يتعين على الإسرائيليين الذين دعموا هذه الحرب أو عارضوها سواء في الداخل أو الخارج، أن يبدؤوا بمواجهة الحقائق لتجاوز الحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر-تشرين الأول.
ووفق “نيويورك تايمز” فإن الخطوة الأولى، تكمن في مواجهة الحقيقة وعدم الأخذ بالتبريرات والحقائق الجزئية، وتستند في مقالها إلى نظرية “الحرب العادلة بموجب القانون الدولي” التي تقول: إن “القتل في الحرب يكون مشروعاً عندما يكون هو الوسيلة الوحيدة لإضعاف القدرات العسكرية ودرء الخطر، وتنتهي هذه المشروعية عند تحقيق الهدف”.
وتطرح الصحيفة الأميركية عدة أسئلة بشأن المدة التي انتهت فيها مهمة إضعاف القدرات العسكرية لحماس، ثم تخلص إلى السؤال التالي: “لماذا قُتل هذا العدد الهائل من الفلسطينيين؟”.
وتابعت “نيويورك تايمز” بتهكم: “كم عدد المدنيين الذين شاركوا فعلاً في الحرب؟ ما أدوارهم؟ وهل كان بينهم أطفال أو مسنون؟ معرفة ذلك أساسية لتقييم سلوك إسرائيل”.
وتطرقت الصحيفة الأميركية إلى تبرير “إسرائيل” للقتل باستخدام حماس لـ “دروع بشرية”، وهو ما تنفيه الحركة الفلسطينية، ثم استخدام “إسرائيل” لأنظمة الذكاء الاصطناعي في تحديد الأهداف في غزة، وتقول “نيويورك تايمز”: إن “الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب حواراً يضم سياسيين وصحفيين ومعلمين وعامة، والسماح بلجنة تحقيق رسمية ونشر نتائج تحقيقات الجيش الإسرائيلي”.
وتؤكد “نيويورك تايمز” بالقول “(القتل، القتل، القتل) ليس نتيجة حتمية للحرب، مع استمرار وقف إطلاق النار الهش، يتطلع كثيرون إلى سلام بعيد المدى بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وليس مصادفة أن تُسمى هذه العملية (الحقيقة والسلام)، إن مواجهة الحقيقة من بين الخطوات الضرورية التالية إذا كنا نريد أن نُدرك حقيقة هذه الحرب المروعة ونُحقق السلام”.
وقد أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن نسبة الدمار في غزة بلغت نحو 90بالمئة، بعد عامين على الحرب التي يشنها الاحتلال، واصفاً ما حدث بأنه “إبادة جماعية مستمرة” تستهدف البشر والحجر.
ووفق الإحصائية الصادرة عن المكتب بمناسبة مرور عامين على الحرب، فقد دمر أو تعطل 38 مستشفى في أنحاء القطاع، وسيطر جيش الاحتلال على نحو 80بالمئة من مساحة القطاع عبر الاجتياح والتهجير والقصف المتواصل.
وبحسب الأرقام التي أعلنها المكتب، فقد ألقى جيش الاحتلال أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات على غزة منذ بدء الحرب، وقد تضررت 95بالمئة من مدارس القطاع بشكل جزئي أو كلي نتيجة القصف.
وأشار التقرير إلى أن عدد الشهداء والمفقودين بلغ أكثر من 76 ألفاً و639 شخصاً بينهم 9500 مفقود لا يزال مصيرهم مجهولًا، ويبلغ عدد المصابين 169 ألفاً و583 شخصاً من بينهم 4800 حالة بتر و1200 حالة شلل.
وبحسب الأمم المتحدة فإن، 78بالمئة من المباني، و88 بالمئة من المؤسسات التجارية، و77 بالمئة من الطرق دمرت أو تضررت خلال عامين من الحرب، كما أن حجم الأنقاض يقدر بأكثر من 61 مليون طن، 15بالمئة منها ملوثة بمواد سامة.
وتعد هذه الأرقام بحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية دليلاً على سياسة الأرض المحروقة التي تنتهجها “إسرائيل” في حملتها العسكرية، التي شاركت فيها الجرافات العسكرية إلى جانب القصف الجوي والمدفعي في إزالة أحياء كاملة من الخريطة.