الثورة – وعد ديب:
“بواحد دولار!” أو بالأحرى بـ “One Dollar” عبارة باتت مألوفة لكل من يتجول في الأسواق السورية.
لكن الحقيقة التي يصطدم بها كثيرون، من لا يملك دولاراً… لا يستطيع الشراء، ومع أن الليرة السورية هي العملة الرسمية والوحيدة المسموح التعامل بها بموجب القوانين، إلا أن المشهد في الأسواق يعكس واقعاً مختلفاً، حيث تُسعّر السلع بالدولار، ويُرفض البيع بالليرة، أو يُحتسب بسعر صرف السوق السوداء، مما يزيد الضغط على المواطن.
التطبيق غائب
بحسب مراقبين قانونيين، لا تزال المراسيم القانونية الصادرة سابقاً -والتي تُجرّم التسعير أو التعامل بغير الليرة- سارية، لكنها غير مفعّلة، وبما أن البلاد تمر بمرحلة اقتصادية دقيقة، فإن هذه القوانين رغم وجودها لم تعد كافية لضبط السوق.
المفارقة اليوم أن العملة السورية، التي يُفترض أن تُستخدم حصرياً، أصبحت غير مُعترف بها عملياً في قطاعات كثيرة، خصوصاً العقارات والإلكترونيات والسيارات وحتى الملابس، وسط غياب فعّال للرقابة التموينية والمالية.
ضمن هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور فراس شعبو لـ”الثورة”:”نعم، هناك قوانين تمنع التعامل بغير الليرة، لكنها اليوم غير مفعّلة بسبب ضعف قدرة الدولة على ضبط الأسواق، والتعامل بالدولار ليس ترفاً، بل هو نتيجة طبيعية لفقدان الثقة بالليرة.
مضيفاً عندما يفقد التاجر ثقته بالليرة نتيجة تقلبات سعر الصرف الحادة، يُفضل التسعير بالدولار حفاظاً على رأس المال، والمسألة ليست مجرد مخالفة قانونية بل أزمة عميقة في النظام النقدي.
وبرأي، الخبير المصرفي، أن الحل ليس فقط في فرض العقوبات، بل في توفير الدولار عبر قنوات رسمية بأسعار معقولة، وضمان استقرار العملة، لأن “السوق لا يعيش بالقرارات وحدها، بل بالثقة”.
وبين من يرفض البيع بالدولار ومن لا يبيع إلا به، ومن الأمثلة على أرض الواقع التي انتشرت مؤخراً حادثة في محل بوظة شهير في منطقة الحمرا بدمشق، فقد رفض موظف بيع منتج بالدولار وأصر على الدفع بالليرة السورية ما تسبب بمشادّة كلامية مع الزبون الذي اعتاد على الشراء والتعامل بالدولار.
المشهد أثار جدلاً واسعاً على وسائل التواصل، وعبّر كثيرون عن استغرابهم من مفارقة أن رفض الدولار أصبح سبباً للمشاكل!.
السيدة هدى عويص موظفة، قالت: “ذهبت لشراء حذاء لطفلي، قيل لي 4 دولارات، ولما عرضت الدفع بالليرة، قوبلت بالرفض القاطع. لم يكن لدي خيار سوى تحويل جزء من راتبي إلى دولار، لأتمكن من الشراء. وكأن الليرة لم تعد عملة معترفاً بها”.
أما سالم عابورة، متقاعد قال أيضا “دخلت محل أدوات منزلية، الأسعار كلها بالدولار، وسألت: كم بالليرة؟ قالوا لي: نحسب حسب السوق، وطلبت احتسابها على السعر الرسمي، فابتسم الموظف وقال: إذا بدك بالسعر الرسمي، ما بتشتري شي!”.
أما ليلى خريجة جامعية، قالت : “رأيت إعلاناً لبلوزة (بواحد دولار)، فتحت المحل، وسألت، واكتشفت أن قيمتها بالليرة تعادل 75 ألفاً، وهي لا تستحق نصف هذا السعر، لكن كلمة ‘دولار’ أصبحت أداة جذب حتى لو كانت وهمية”.
مكاسب المقتدرين
البعض لا يعاني من هذا الواقع، بل يرى فيه استقراراً، فمثلاً جلال القادري الذي يعمل في شركة دولية يقول: “أتقاضى بالدولار، لذلك لا أجد مشكلة في الشراء أو الدفع. الأسعار بالدولار تحمينا من تقلبات الليرة، أما سامر تاجر إلكترونيات يقول: “أنا مضطر للبيع بالدولار، لأني أستورد بالدولار، وإذا بعت بالليرة فسأخسر فوراً بسبب تقلبات السعر”.
بالعودة إلى الدكتور شعبو، فإنه يرى أن المستفيدين هم من يملكون الدولار، سواء من التحويلات أو من السوق أو من دخل خارجي، أما المواطن العادي، الذي يتقاضى بالليرة، فهو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة.
لكن كيف نعيد لليرة مكانتها، وفقاً للخبير المالي والمصرفي، استعادة التوازن في السوق يتطلب استقرار سعر صرف الليرة، وتقليص الفجوة بين السعر الرسمي والموازي، وكذلك توفير الدولار عبر قنوات رسمية بأسعار مقبولة، وتفعيل الرقابة الحقيقية على الأسواق، إضافةً إلى تحفيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
ويؤكد الخبير المالي والمصرفي، أن منع التعامل بالدولار بقرار إداري فقط، لن يعالج المشكلة إذا لم تعالج الأسباب الاقتصادية العميقة.
وفي نهاية المطاف التاجر يريد الأمان، والمواطن يريد أن يشتري، والمراقب لحركة السوق وبحسب اختصاصيين، فإن اليوم من لا يملك دولاراً، يعيش واقعاً أقرب إلى الانعزال عن السوق. والتاجر في المقابل، لا يثق بالليرة ويخشى الخسارة، وبينهما دولة تحاول أن تستعيد السيطرة على مشهد يتقلب بسرعة.
ليست القضية في من يُخطئ، البائع الذي يطلب الدولار، أم المشتري الذي لا يملكه، بل في واقعٍ باتت فيه الليرة السورية غريبة في أسواقها، والدولار هو مفتاح البيع والشراء.
ويبقى السؤال معلقاً.. متى يستعيد المواطن شعوره بأن ما في جيبه من ليرات يكفيه ليعيش، لا ليعتذر؟.