لا تشعر العديد من شرائح المجتمع بصعوبات في الحياة المعيشية – على ما نعتقد – لجهة قدرتهم على تأمين احتياجاتهم رغم الغلاء الفاحش الذي يضرب أطنابه في أربعة أركان البلاد، وبأوتادٍ من تضخّم مفرط فاق التوقعات كلها، لأن ثمة طُرق وأساليب كفيلة بمكافحة الغلاء وتحدياته مهما كانت عواصفه قوية وجامحة، وذلك عبر مسارين:
مسار أوتوماتيكي، من خلال المتابعة وخلق حالة من توازن الواردات التي يمكن بموجبها تغطية مختلف النفقات المحتملة في الحياة، دون أن تتأثر هذه الشريحة أو تلك بمضاعفات الغلاء والتضخم.
فمثلاً نرى شريحة الأطباء كيف تواجه الغلاء وتحافظ على مستوى معيّن ويكون مريحاً لها وضامناً لحياة معيشية رغيدة عندما تُرفع قيمة المعاينات للمرضى، ولا يهم العديد من الأطباء إن كان هذا المريض قادراً على دفع المبلغ المطلوب أو غير قادر، حتى أبقراط هنا يدعونه جانباً متجاهلين قسمه وتعليماته بأن تُراعى بعناية حال المريض المالية التي ذهب بها أبقراط بعيداً إلى حد أن على الطبيب تقديم خدماته من غير أجر، ولكن لا أبولو ولا أسكليبيوس يحضران هنا – في عيادات أطباء اليوم – ولا سواهما من الآلهة التي استهلّ بها أبقراط قسمه العظيم.
وكذلك شريحة التجار نراها كيف تلاحق التكاليف بأدق التفاصيل لتتوازن الأسعار عندهم بما يضمن تحصيل تلك التكاليف وتحقيق الأرباح التي تضمن لهم التصدي للأسعار وإحباط التضخم، فهو يبقى ولكن لا أثر له على حياتهم.
وشريحة الصيادلة أيضاً، فما أن يطل السعر الجديد برأسه حتى يبادر رواد هذه الشريحة سريعاً بالاستجابة له، فيشطبون السعر القديم تماشياً مع الجديد بكل احترام وتقديراً لتلك الإطلالة البهيّة، كي يحافظوا بذلك على مستوى معيشتهم.
المسار الثاني يكون مساراً عادياً – ونقصد بمفهوم العادي هنا أي غير الأوتوماتيكي الذي يستخدم عند الحديث عن الغسالات – فهو يحتاج إلى جهود أكبر، وإلى القيام بإجراءات عملية وإضافية من صاحب أو صاحبة الغسالة وصولاً إلى الهدف المشترك للغسالتين وهو التنظيف الجيد، والذي يعني هنا تحسين مستوى المعيشة.
هذا المسار تتولاه الحكومة بجهودها وإجراءاتها الإضافية التي تبذلها بكل صدق واهتمام من أجل تحسين مستوى معيشة البقية الباقية من شرائح المجتمع، من خلال قرارات تتصدى بكل قوة للغلاء والتضخم كي لا تتأثر تلك الشرائح حيث تقوم الحكومة بكل عناية بإصدار القرارات الكفيلة بتنظيفها من آثار الغلاء لتضمن لها عدم قدرة التضخم على تآكل دخلها.
فمثلاً منذ أيام صدر قرار عن رئاسة الحكومة تم بموجبه تغطية فروقات الأسعار للمتعهدين وتعويضهم عن ارتفاع أسعار المواد الداخلة في مكونات المشاريع التي ينفذونها، وجاء في القرار أن هذه الفروقات في الأسعار تُدفع للمتعهدين عند وجود أجزاء لم تنفذ وارتفعت أسعار تنفيذها عن الأسعار المحددة لها في العقد، وكانت الحكومة – للأمانة – دقيقة في هذا الأمر حيث أكدت أن كل مرة يطالب بها المتعهد بالتعويض عن الارتفاع في الأسعار تُحتسب بحيث لا يتقاضى أي تعويض عن فترة واحدة مرتين.. وهكذا كانت الحكومة داعمة للمتعهدين وضامنة لهم رغد العيش.
ولكن ومع هذا فهناك مشكلة في هذا الإطار بالنسبة لشريحة الدخل المحدود، الذين يتلقون الصدمات من كل حدب وصوب جراء ارتفاع الأسعار والتضخم المفرط الذي وصلنا إليه، فالحق علينا وليس على الحكومة التي ترى أن الوقائع أبلغ من الدستور الذي جاء في البند (2) من المادة 40 منه : ( لكل عامل أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده على أن لا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيرها ) فالمشكلة – على ما يبدو – هي أننا في هذه الشريحة لا نتقدم للحكومة بطلبات للتعويض عن فروقات الأسعار كما يفعل المتعهدون..!.
على الملأ- علي محمود جديد