العلمانية إضاءة أخرى

لم يحدث مفهوم معرفي وفكري إشكالية معقدة في المجتمعات الإسلامية كما هو شأن مفهوم ومصطلح العلمانية حيث تشكلت صورة ووعي عند الكثيرين مؤداها أن العلمانية تعني الإلحاد ورفض التدين بل ومحاربته، واعتقد أن السبب الذي يقف وراء تلك الصورة أو التصور هو أن المصطلح جاءنا وافداً من مصدره الأوربي وهكذا تلقفه أو فهمه الكثيرون لجهة أنه كان نتيجة لمواجهة بين دعاة الدولة المدنية القائمة على فكرة المواطنة وسيادة القانون وأن الشعب هو مصدر السلطة وبين سلطة الكنيسة وحلفائها في المجتمعات الأوربية، والتي انتهت بانتصار دعاة الدولة المدنية على المتمسكين بالسلطة الكنسية بوصفها مصدر الشرعية والتشريع وأن سلطتها عابرة لحدود الدولة الوطنية إلى حيث يتواجد أتباع الكنيسة سواء كانت كاثوليكية أم بروتستانتية و غيرها.

وبالعودة للمصطلح يمكننا القول إن العلمانية تعني أن الحكم مدني من كل الوجوه فلا يقابل العلماني الديني أو المتدين وإنما الأصولي السياسي فالعلمانية موقف من الحكم والسلطة وليس الدين والحكم بهذا المعنى هو للبشر وليس للكنيسة.

والعلمانية في ترجمتها العربية الدقيقة تعني الدنيوية من الدنيا وأن الدولة هي للجميع لا فرق بينهم سواء الدين أو المذهب أو العرق، دولة المواطنين والحكم هو للقانون الذي يضعه البشر ولعل أشهر ثلاثة من العلمانيين المسلمين في عصر النهضة هم دينيون ومنهم الأفغاني وعلي عبد الرازق ومحمد عبده الذي كان مفتي الديار المصرية وله كتاب بين الدين والعلم ويقول فيه :

أن الناس متساوون في الدستور الذي يضعونه وهو أول من وضع دستوراً مدنياً لمصر فهل كان محمد عبده أو الأفغاني ملحداً ولعل كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق هو المؤسس للعلمانية يقول إن الخلافة كلها مدنية ويبرر مدنية الدولة وإن كل الدول الإسلامية لم تكن دينية ولا يعيبنا أن نستعير من دولة أخرى إذا كانت تلك الإعارة مناسبة.

العلمانية تتخذ موقفاً حيادياً تجاه كل الأديان وتحترم كل الأديان فهي لا تطلق الرصاص على الدين بل تطلقه على من يقول بالدولة الدينية غطاء لممارسة سياسية تسلطية واستبدادية بغطاء كنسي كما كان حاصلاً في الغرب طوال عشرة قرون أي حتى بداية عصر النهضة الأوربية، فالإلحاد ليس من أهداف ومقتضيات العلمانية مع أن ثمة علمانيون ملحدون في حين نجد أن المجتمعات الغربية وغالب أنظمتها علمانية هي مجتمعات متدينة وتزيد نسبة رواد الكنائس والمؤمنين عن 70 إلى 80 بالمائة من مواطنيها، فالدولة العلمانية هي دولة محايدة تجاه الأديان وتعتبر حرية التدين والاعتقاد من الحريات والحقوق الأساسية التي لا يحق للسلطة منعها أو الحد منها والذي يحد من الحقوق الأساسية والحرية الفردية وحرية التعبير والاعتقاد هي الأنظمة الديكتاتورية فهي بهذا المعنى ليست علمانية لأنها لا تساوي بين الناس ولا تحترم القوانين والحقوق لأن العلمانية في جوهرها تجسيد لفكرة المواطنة والعدالة والحرية وسيادة القانون وهنا يكون السؤال الجوهري ما الأسس التي تقوم عليها الدولة لنحكم عليها، هل هي دينية أم علمانية وتكون الإجابة هل هي دولة مواطنين وسيادة القانون ومواطنة أم لا ؟ فيمكن للمتدين أن يكون علمانياً يذهب إلى الجامع أو الكنيسة ويمارس طقوسه الخاصة ولكنه يؤمن بدولة القانون، الأوربيون كنا أشرنا متمسكون بالمسيحية ويذهبون للكنائس للصلاة وهم علمانيون، العلمانية هي ديمقراطية وعقلانية وثمة علمانيون ولكنهم مستبدون ؟.

المستبد ليس علمانياً لأنه لا يحترم القوانين والحريات الإنسانية والمساواة بين الناس الدولة الأيديولوجية ليست دولة علمانية لأنها لا تساوي بين الناس فالمواجهة حقيقة ليست بين علمانيين ومتدينين وإنما بين من يعمل على الحرية والديمقراطية وسيادة القانون وحرية التعبير والدين وبين من يريد أن يقيم دولة ذات لون واحد لا تحترم الاختلاف والتنوع وتقوم على الاستبداد السياسي أو الديني أو غيره فالعبرة لتطبيق ما ينص عليه القانون والدستور الذي يضعه الناس بخياراته الحرة وليس الدستور ( الديكور ) الذي لا تفعل نصوصه؟

كل دولة يجب أن تكون فيها سلطة ولكنها سلطة قانون وليس عصبيات طائفية وعرقية ودينية المشكلة في بلداننا العربية هي مشكلة الدولة عصبيات ضيقة تفرض على الناس عصبياتها المتخلفة، يمكن للمتدين أن يكون علمانياً عندما يستشهد بقول عمر ابن الخطاب متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا هذا أكبر عنوان للعلمانية لأن الاستعباد يتم من السلطة وليس من غيرها ففكرة الحرية يجب أن تعشعش في نفوسنا وأن نحترم الاختلاف ونقر به وأن تكون قلوبنا واسعة ولا نكره أو نحقد بسبب الاختلاف فهذا سلوك الحمقى وهذا يحتاج إلى زمن إلى تربية إلى أخلاق إلى قيم إلى معرفة ولعل الجهل هو المستبد الأكبر فثمة علاقة حميمية بين الجهل والاستبداد وهنا يمكننا العودة إلى الكواكبي وطبائع الاستبداد حيث يربط بين الجهل والاستبداد لنكتشف أن المستبدين يحاربون العقول النيرة ويحاربون التنوير، وأن ما تعانيه شعوب العالم من مشاكل سببه الاستبداد الذي يرتكز إلى الجهل الذي لا يعرف قيمة الحرية.. حرية التفكير والتعبير التي تطلق العنان للعقل البشري بوصفه قيمة كبرى وثروة ما بعدها ثروة من هنا يصبح تحرير العقول من استبداد الجهل والخوف هو الطريق إلى مستقبل مشرق واعد لكل شعوب العالم.

إضاءات- د. خلف المفتاح

 

 

 

آخر الأخبار
New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق The national interest: بعد سقوط الأسد.. إعادة نظر بالعقوبات على سوريا بلدية "ضاحية 8 آذار" تستمع لمطالب المواطنين "صحافة بلا قيود".. ندوة لإعداد صحفي المستقبل "الغارديان": بعد رحيل الديكتاتور.. السوريون المنفيون يأملون بمستقبل واعد باحث اقتصادي لـ"الثورة": إلغاء الجمرك ينشط حركة التجارة مساعدات إغاثية لأهالي دمشق من الهلال التركي.. السفير كوراوغلو: سندعم جارتنا سوريا خطوات في "العربية لصناعة الإسمنت" بحلب للعمل بكامل طاقته الإنتاجية الشرع والشيباني يستقبلان في قصر الشعب بدمشق وزير الخارجية البحريني عقاري حلب يباشر تقديم خدماته   ويشغل ١٢ صرافا آلياً في المدينة مسافرون من مطار دمشق الدولي لـ"الثورة": المعاملة جيدة والإجراءات ميسرة تحسن في الخدمات بحي الورود بدمشق.. و"النظافة" تكثف عمليات الترحيل الراضي للثورة: جاهزية فنية ولوجستية كاملة في مطار دمشق الدولي مدير أعلاف القنيطرة لـ"الثورة": دورة علفية إسعافية بمقنن مدعوم التكاتف للنهوض بالوطن.. في بيان لأبناء دير الزور بجديدة عرطوز وغرفة العمليات تثمِّن المبادرة مباركة الدكتور محمد راتب النابلسي والوفد المرافق له للقائد أحمد الشرع بمناسبة انتصار الثورة السورية معتقل محرر من سجون النظام البائد لـ"الثورة": متطوعو الهلال الأحمر في درعا قدموا لي كل الرعاية الصحية وفد من "إدارة العمليات" يلتقي وجهاء مدينة الشيخ مسكين بدرعا