الثورة – ترجمة ختام أحمد:
يستعد المزارعون في جنوب سوريا لموسم حصاد كارثي، حيث تعاني محافظات درعا والسويداء والقنيطرة من أسوأ موجة جفاف منذ 40 عاماً. ويعاني المزارعون في مختلف أنحاء المنطقة الجنوبية، المعروفة منذ العصور القديمة باسم “سلة الخبز” في سوريا، من الجفاف غير المسبوق، وارتفاع التكاليف، وتدهور البنية الأساسية، وانعدام الأمن المتزايد.
وقال خالد علي، وهو مزارع يبلغ من العمر 62 عاماً من ريف درعا: “هذه هي المرة الأولى منذ أربعين عاماً التي أرى فيها الأرض تتشقق من العطش”، كما هو الحال مع كثيرين في منطقة حوران، خسر علي محصوله من القمح بالكامل هذا الموسم- أكثر من 200 دونم- بسبب قلة الأمطار وارتفاع أسعار المدخلات الزراعية. انخفض معدل هطول الأمطار في درعا هذا العام إلى 113 ملم فقط، أي بنسبة 60% مقارنةً بالموسم الماضي، وهو أدنى مستوى له منذ عام 1985، وفقاً لمسؤول في مديرية الزراعة بالمحافظة.
كانت الآثار مدمرة: إذ أصبح 55% من الأراضي المروية سابقاً تعتمد على ندرة الأمطار، وأصبحت 38% من المساحات المزروعة قاحلة، وانخفض عدد أشجار الزيتون من 6 ملايين شجرة عام 2012 إلى 3.5 مليون شجرة اليوم، وكادت زراعة العنب أن تُباد.
ومما يزيد من تفاقم الأزمة توغل الاحتلال الإسرائيلي في عمق الأراضي الجنوبية منذ كانون الأول 2024، وقد أدى ذلك إلى نقص حاد في المياه حيث قامت إسرائيل بتخريب شبكات المياه والاستيلاء على مصادر المياه الحيوية.
ووصف أحد سكان قرية المعرية، محمد حفري، الوضع في القرية بأنه “لا يطاق”، حيث وصلت مصادر المياه الرئيسية مثل سدي سهم جولان وعابدين إلى مستويات منخفضة للغاية.
سد المنطرة، وهو الأكبر في القنيطرة، يغذي ثمانية سدود أخرى في جنوب غرب سوريا بالمياه، وبعد أن أصبح هذا السد الرئيسي تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، أفادت التقارير أن القوات الإسرائيلية تقوم الآن بمنع تدفق المياه إلى هذه السدود، التي توفر المياه للمدن والقرى الزراعية في محافظة درعا.
وفي مختلف أنحاء المنطقة، يحفر المزارعون آباراً عميقة، بعضها يصل عمقه إلى 40 متراً، لكن هذا لا يساعد في تحسين الوضع، حيث يقول محمد الصلخدي، مزارع زيتون في بلدة جاسم: “التربة هنا تموت… مع كل شجرة تموت، يخسر المزارع عقوداً من العمل الجاد والرعاية”، ويوضح أن المياه المستخرجة، الغنية بكربونات الكالسيوم، تحرق جذور الأشجار بدلاً من إنقاذها.
وفي السويداء، المعروفة ببساتين التفاح وكروم العنب، لا تقلّ الأزمة حدةً، يوضح عمر مفضي، الذي يملك نحو 200 شجرة فاكهة، أن شجرة التفاح الواحدة تحتاج إلى 120 ليتراً من الماء يومياً، ويقول: “تكلفة المياه وحدها تتجاوز الآن قيمة المحصول”، كما أشار إلى أن أسعار الأسمدة ارتفعت بشكل حاد من 15 ألف ليرة سورية عام 2020 إلى أكثر من 200 ألف ليرة سورية اليوم- حتى بالنسبة للمنتجات منخفضة الجودة، مما يجعل “معادلة مستحيلة” على المزارعين، وفي محاولة للتكيف مع ظروف الجفاف، تعمل المجتمعات المحلية في قرى مثل خباب على إحياء الآبار الرومانية والنبطية القديمة لحصاد مياه الأمطار الثمينة، ويتجه آخرون إلى الزراعة الظليلة، والتي تنطوي على زراعة أنواع معينة من الأعشاب والفطر في الكهوف والغرف المهجورة وتحت الأشجار، للحفاظ على المياه وتوليد الدخل.
ويقول المزارع فراس حرب، مسلطاً الضوء على قصة نجاح نادرة في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها اليوم: إن “هذه المحاصيل تستخدم 20% فقط من المياه اللازمة للخضراوات، ويتم بيعها للصيدليات لاستخدامها كعلاج عشبي”، وفي الوقت نفسه، يتبنى جيل جديد من المزارعين “الزراعة الأثيرية”، التي تنطوي على مشاريع مبتكرة صغيرة النطاق باستخدام حدائق الأسطح وأنظمة الأنابيب الرأسية، ويقول المهندس الزراعي عصام حمندي إن هذه الأساليب ليست عملية فحسب بل ضرورية أيضاً، مؤكداً أنها “مستقبل الزراعة في منطقتنا”- محذراً من أن 65 في المئة من الأراضي الزراعية في درعا والسويداء قد تختفي في غضون خمس سنوات إذا استمرت الاتجاهات الحالية.
ومع ذلك، وبينما تسعى المجتمعات الجنوبية في سوريا إلى التكيف، فإنها تواجه نقصاً هائلاً في الدعم الحكومي، كشف مصدر في مديرية زراعة السويداء أن ميزانية الحكومة للمساعدات الزراعية لم تتجاوز 2% من الاحتياجات الفعلية لسنوات طويلة، ولم يكن هناك أي دعم على الإطلاق هذا العام، والآن أصبح المزارعون الذين كانوا يحصلون في السابق على الأسمدة المدعومة والبذور المقاومة للجفاف مضطرين إلى الاعتماد على أنفسهم بالكامل.
المصدر – The NewArab