الثورة – أحمد صلال – باريس:
يأخذنا المخرج علي الكلثمي في فيلمه”مندوب الليل” إلى مدينة الرياض، ويُظهر لنا أن الحياة ليست وردية في كل شيء، ففي حين أن هناك جانباً من المدينة تنبض فيه الحياة بالنشاط، هناك جانب آخر يصعب فيه العيش.
المملكة العربية السعودية مدينةٌ متعددة الأوجه، وحتى لو ظن المرء أن المال يتدفق بحريّة، فهو ليس كذلك، الرياض مدينةٌ متنوعةٌ للغاية، بطبقاتٍ اجتماعيةٍ مختلفة، ونرى أنه في الجزء الذي يسود فيه المال، لا يحرم الناس أنفسهم من أشياءٍ محظورةٍ عادةً، بل كل شيء يتم سراً، نرى في الفيلم كيف يعمل الناس في الشركات، ونكتشف حياة سائقي التوصيل، ومحبي الحفلات، الذين يرتادون الفنادق والمطاعم الفاخرة.
يعمل بطل الفيلم “فهد ناصر” نهاراً في مركز اتصالات، وليلاً سائق توصيل في الرياض، بعد حيلةٍ مذهلة، يُطرد من المركز، ويجد نفسه في وضعٍ حرج، إذ تُنفق جميع مدّخراته على علاج والده المريض، يائساً، يسرق فهد مخزوناً من الكحول من تاجر مخدرات، لكن إعادة بيع المنتجات تُصبح أكثر تعقيداً مما كان متوقعاً..
نادراً ما تُشاهد فيلماً روائياً من السعودية، تدور أحداثه في الرياض.
فيلم إثارة سريع الإيقاع، أثناء توجهه إلى مدينة ملاهي للقاء أخته وابنة أخته، يتلقى فهد اتصالاً هاتفياً أثناء وجوده في المدينة، فيُبيض وجهه، ويذهب إلى سيارته، يحدث أمراً ما، لكننا لن نعرف ماهيته إلا لاحقاً، في الواقع، نعود 15 يوماً إلى الوراء لفهم القصة.
يعيش فهد مع والده المُسنّ، وأخته المُطلّقة، وابنة أخته، لا يملكون ثروةً تُذكر، ويحاول مساعدة الجميع قدر استطاعته.
بعد طرده من وظيفته اليومية، يحاول إيجاد طريقةٍ مُريبةٍ لكسب المال لتوفير الرعاية التي يحتاجها والده، ولإعطاء المال لأخته التي تُحاول بدء مشروعها الخاص.
في الوقت نفسه، يُحبّ زميلةً سابقةً له سراً، لكنه يُدرك اختلاف الثقافات عندما يدعوها إلى العشاء.
فهد ليس شخصاً سيئاً ولا يقدم إجابات جيدة، وإذا تجرأ على ارتكاب الجرائم، فذلك من أجل مصلحة عائلته فقط.
شخصٌ منزعجٌ للغاية من أسلوب حياته، ولكن أيضاً مما يراه يومياً. قلقٌ شديد، رغبته الوحيدة هي كسب المال، ويرتكب أفعالًا لا يمكن إصلاحها.
يؤدي محمد الدوخي دوره بشكل رائع، يتبنى شخصيته بشكل كامل، ونراه يتغير، ولكن ليس بالضرورة للأفضل، وكان أداؤه جديراً بالثناء حقاً.
باختياره أن يغمرنا في مدينة الرياض، ونقود السيارة طوال الليل مع فهد، ونشاهده وهو يُقدّم عروضه، يُظهر لنا المخرج بوضوح خصائص المدينة المتنوعة ويغمرنا في جوهرها. تُضفي المشاهد الليلية، نظراً لعمل فهد ليلًا، مزيداً من الأجواء الكئيبة.
فيلم أصيل وآسر، مُصمّم بمهارة لضمان عدم الشعور بالملل، يُعدّ “مندوب الليل” مفاجأة رائعة لا تُفوّت، ويكون فيلماً استثنائياً يُقدّم هذا العام.