الوعي والانتماء للهوية القومية بوابة العبور لمستقبل آمن

الملحق الثقافي: نبيل فوزات نوفل:

ترافق ظهور الانتماء مع بداية ظهور الوجود الإنساني، فمنذ وجود الإنسان وجدت ظاهرة الانتماء، وتطورت عبر تاريخ المجتمعات البشرية، وشكلت بداية اجتماعية الإنسان وحبه للديمومة والبقاء.
ولقد تعرضت الشعوب والأمم الحية بشكل خاص لعمليات استهداف جذور الانتماء وقلعها أو طمسها وتشويهها،بهدف تضييع معالمه، ودفن مقوماته، من خلال خلق ظروف التجهيل، والجهالة، بهدف خلق نزوع معادٍ ومتناقض بين المنتمي وانتمائه نفسه، بهدف تحقيق فصل نهائي بين الانتماء والوعي ليفقد الانتماء جوهره الحقيقي الذي يصونه ويحميه تلازم الوعي والانتماء بصورة دائمة، والوعي المقصود تمليه ضرورات قومية وفكرية وسياسية، والانتماء لا يمكن إدراكه إلا بالوعي، لأن سلاح الوعي يحصن الانتماء وينميه ويحميه والانتماء كي يكون قومياً إنسانياً لا بد من إدراكه في الماضي والحاضر واستشراف مآله في المستقبل، وغياب الوعي يفقد الأمم شخصيتها القومية ويضعفها أمام الأعداء، لهذا نرى التلازم بين الوعي والانتماء، وأن أسبقية الوعي على الانتماء لا يعني إمكانية الاستغناء عنه فكلاهما ضروري للآخر وفي مقالنا سنوضح الرؤيا العصرية لوعي الهوية القومية، والعلاقة بين الوعي والانتماء والهوية، وأهميتهم في حياة الأمم وخاصة أمتنا العربية، ومقومات تحصين الهوية والانتماء.
ثانياً: رؤيا عصرية متقدمة لوعي الهوية القومية:
إن الوعي الصحيح للهوية القومية تجلى في الآتي:
1-»أن ننتمي لهوية لا يعني أن ننتمي لنظام سياسي»وهذا يعني أننا يمكننا الوقوف ضد النظام السياسي والتخلي عنه، إلا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال التخلي عن القومية العربية والوقوف ضدها، لأنها هويتنا، وبالتالي الهوية شيء والنظام السياسي شيء آخر، وهذا يحتم علينا تفعيل البعد الاجتماعي في المشروع القومي العربي ؟لأن «القومية ليست فكرة نظرية وممارسة فقط، بل هي انتماء اجتماعي وحضاري،ا لأمر الذي يتطلب إطلاق حوار بناء مع الأطراف الأخرى التي لا تتبنى النهج نفسه، والسعي لاسترداد أولئك الذين وضعوا أنفسهم في مكان مناقض لانتمائهم الطبيعي ولمصالح وطنهم».
2- العروبة مفهوم حضاري شامل لكل الأعراق والأديان والطوائف، وهي حالة حضارية ساهم فيها كل من تواجد في هذه المنطقة، وهي السمة المميزة والرابطة الحضارية لكل الذين عاشوا على الأرض العربية وتكلموا لغة واحدة، ووحدهم الوجود الواحد، والمصير المشترك والانتماء» والعقيدة الجامعة، كما الهوية هي العروبة، التي تتضمن مفاهيم الجنس والتجانس، والتاريخ المشترك، والعقد الاجتماعي والثقافي المتجدد، وروح المواكبة للعصر دون سلفية أو عصبية مقيتة أو تطرف أعمى.
3-»أن نقبل بأوطاننا بحدودها الحالية لا يعني أن نقبل بتقسيم الهوية».وأن نتخلى عن انتمائنا القومي الموحد، لأن الأمة العربية رغم تاريخيتها ظاهرة قديمة جداً، قدم الأمة ذاتها، وهويتنا الثقافية القومية لا تتوقف في وجودها على قيام هذه الدولة، ولكنها قطعاً،ستكون هوية أقوى، وأقدر على الفعل عالمياً في حال قيام الوحدة.
4-»غياب الانتماء لا مصلحة لأحدٍ فيه»،لأن ضرب هذا الانتماء يعني ضرب خط الدفاع الأول الذي نمتلكه كمجتمع في وجه أي محاولات لغزوٍ ثقافي أو فكري، يهدف إلى تحويلنا إلى مجرد آلات مسلوبة الإرادة» وعندما يغيب الانتماء الجامع يدفع بالبعض إلى البحث عن انتماءات تحميه ويرى فيها خلاصه.
6- «القومية هي إنتاج وتطبيق، وليست حالة عاطفية أو انتماءً رومانسياً».أي <نه لابد للنظرية القومية من سمتين أساسيتين؛السمة الأولى:أن تكون مفاهيمها ومقولاتها الأساسية ثابتة في إطارها العام، لكنها تسمح باستيعاب التطور الحاصل في الواقع، والسمة الثانية:أن تكون النظرية ذاتها مهيأة للتطورالذاتي،أي أن تكون بعيدة عن الجمود والتعصب والادعاء باحتكار الحقيقة دفعة واحدة. وهذا ما يجعلها بعيدة عن الرومانسية وقابلة للتطبيق العملي، وكما هو معلوم إن هوية الأمة، هي حقيقتها المميزة لها، تتشكل من عنصرين أساسيين هما:نمط العلاقة الرابطة بين الأفراد، والمنطلق الأيديولوجي، الذي أنتج ذلك النمط. فهذان العنصران هما اللذان يعطيان لكل أمة حقيقتها التي تتميز بها عن الأمم الأخرى، ويمكن تشخيصها واقعياً وإدراك سيرورتها التاريخية والرؤية الموضوعية هي التي ترى أن الهوية حالة ديناميكية، ونزوع نحو الهدف، فالعربي ليس وجوداً جامداً، ولا هو ماهية ثابتة جاهزة، إنه هوية تتشكل وتصير، ولذلك فإن يكون الإنسان عربياً، وليس فقط مغربياً أو مصرياً أو عراقياً .الخ هو أن يكون عروبياً،أي نزوعاً نحو تعزيز الوحدة الثقافية العربية، القائمة بوحدة اقتصادية،ونوع من الوحدة السياسية.
7-: لولا ضعف الانتماء القومي ولولا ضعف الشعور القومي لما تمكن هذا «الربيع» من الانطلاق في منطقتنا العربية،لأن جزءاً من شرائح أو شرائح من مجتمعاتنا العربية عبر الزمن، فقدت هذا الانتماء وكانت جاهزة للذهاب باتجاهات أخرى، فذهبت باتجاهين رئيسين في بدء الأحداث التي شهدها الوطن العربي عامة وسورية خاصة:إما الارتماء بأحضان الأجنبي، بغض النظر عن أي أجنبي كان أو الارتماء بأحضان التطرف الإسلامي باعتباره هوية بديلة عن الهوية، طبعاً هي مجرد هوية شاذة ومنحرفة لا علاقة لها بالإسلام ولا بأي دين سماوين.
8- «فكرة القومية هي فكرة رابطة لكل عناصر المجتمع»فبمضمونها الواقعي تعني وحدة مصير الأمة العربية وتوجيه جميع إمكانيات الأمة العربية من أجل مواجهة هذه التحديات.
ثالثاً: العلاقة بين الوعي والانتماء والهوية
لم تعد مسألة الهوية مجرد قضية وجدانية، وإنما تتعلق بالوعي، والنضال ينقل وجود الأمة، من وجود في ذاته إلى وجود لذاته،وهذا يوجب تحلي القومية والفكر القومي بالتطورية، وهي حركية لها مضمونان متلازمان:التقدم نحو الأمام والتطور والتجدد، وإيجاد مقولات أكثر اقتراباً من أرض الواقع، والمضمون الآخر هو الإرادة الإنسانية الخلاقة والحرة والمنظمة، كما يعدُّ الانتماء من أكثر المفاهيم ارتباطاً بالهوية على مختلف مستوياتها، وإذا تلاشت الهوية تلاشى الانتماء والعكس ليس صحيحاً، وهو يتكون قسرياً أو اختيارياً،ولا تكمن الخطورة في تعدد الانتماءات، بل في تنازع الولاءات على نحو يتعارض مع الانتماء المعلن، ولاسيما التعارض مع الانتماءات المعبرة عن الهوية، وهذا ما جعل تعدد الولاءات سبباً للتنازع داخل مجال الانتماء الواحد، والتنازع يغدو أكثر خطراً حين تتحالف القوى الحاكمة في بلد مع أعداء بلد آخر لتفتيته والتشكيك بعروبته، وحين تستقوي قوى محلية بالخارج، وكما نعلم فإن الانتماء أضيق في معناه من الولاء، فالفرد لا يحب وطنه ويضحي من أجله ويعمل لتقدمه إلا إذا كان مرتبطاً بهذا الوطن برباط مقدس هو الولاء.
رابعاً-العوامل التي تحصن الانتماء والولاء للهوية القومية
من أهم العوامل التي تساهم في تحصين وتنمية الانتماء والولاء:
1-توفر الوعي الصائب والخلق القويم، والإرادة القوية، فبالوعي الصائب يدرك المنتمي حقيقة ما ينتمي إليه، وبالخلق القويم ينحاز إليه، وبالإرادة الصلبة ينجز ما عليه تجاه الانتماء، فكلما ازداد الوعي كان الانتماء أكثر وضوحاً، فالعلاقة عضوية بين الولاء والانتماء والوعي، كل منهما يؤثر بالآخر ويتأثر به، ويتم ذلك من خلال:المناهج التربوية والتعليمية في المراحل المختلفة، والمؤسسات المعنية بالثقافة من خلال التركيز على جملة من الثوابت والقيم وفي مقدمها: حقيقة كون العرب أمة واحدة ذات رسالة حضارية خالدة،عمرها آلاف السنين، وتمسك شبابنا في إبراز الأصول الحضارية العربية، والإيمان أن العروبة ذات امتداد تاريخي وثقافي واسع وكبير قديماً وحديثاً، فغاية تربية مجتمع المعرفة التي أجمعت عليها الآراء وهي تعلم لتعرف،وتعلم لتعمل وتعلم لتكون، وتعلم لتشارك الآخرين.
2- إعادة إحياء أفكار العروبة كهوية وانتماء إرادي،والعمل على المثاقفة الوطنية والقومية وفق منهج تنموي متطور، يتخلص من التقليد والمحاكاة والتبعية، والقضاء على أي تفكير انفصالي،تحت أي مسمى كان عرقياً أم إقليمياً، أو طائفياً، واستدعاء مفهوم الأمة ليصبح عقيدتنا الجديدة، والمنارة التي نهتدي بها في تعاطينا مع قضايانا الوطنية والقومية.
3- تحمل المثقفون مسؤولية تاريخية من خلال تجسيد الفكر النقدي الذي يتصف بالعقلانية العلمية، والقدرة على الخلق، وأن يكون استراتيجياً، ويمتلك القدرة على التحليل والتركيب: والتحلي بالواقعية المبدئية ما يؤدي إلى تعرية قوى التوحش الامبريالي ومرتزقتهم، فيظهرون بذلك مجابهتهم لشبح الفوضى التي تقوم بنشرها هذه القوى، وقواها التكفيرية الظلامية المبتذلة التي تهدد بقاءنا في هذا العالم، وفهم طبيعة ما يراد للأمة، وقراءة المشهد طولاً وعرضاً بل عمقاً، وتحديد من هو العدو الأكبر مهما دلس ونافق وتلون، وما أدواته للنيل منا،وهذا يتطلب فهم هويتنا ووعيها، ومكانة أمتنا في التاريخ والمستقبل، ومدى تنمية هذه الهوية وعلاقتها بوعينا الدقيق.

التاريخ: الثلاثاء12-4-2022

آخر الأخبار
سورية وإندونيسيا.. شراكة رياضية تنطلق بثقة تعاون مع اليابان في مجالي الإنذار المبكر والرصد الزلزالي مهرجان التحرير الأول يضيء سماء طرطوس.. وعروض فنية ورياضية مبهرة  عودة أكثر من 120 أسرة إلى قرية ديمو بريف حماة الغربي ضوابط القيد والقبول في الصف الأول الثانوي للعام الدراسي القادم نضال الشعار  .. الوزير الذي ربط الجامعات بالوزارات؛ والناس بالاقتصاد   "عمال درعا".. يطالب بتثبيت العمال المؤقتين وإعادة المفصولين  عناية مميزة بقطاع الخيول في حلب الشيباني: العلاقة مع كرواتيا ستكون متعددة الجوانب.. غرليتش رادمان: ندعم استقرار سوريا "ساهم".. تعزيز ثقافة الحفاظ على البيئة في إعزاز  طرطوس تكرّم متفوقيها في الشهادتين  بنزين ومازوت سوريا.. ضعف العالمي وأغلى من دول الجوار  نائب أميركي: حكومة نتنياهو "خرجت عن السيطرة" بعد هجوم الدوحة السعودية:الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا انتهاك للقانون الدولي "أهلاً يا مدرستي".. تهيئة الأطفال للعام الدراسي مباحثات استثمارية بين سوريا وغرفة التجارة الأميركية "المعلم المبدع".. في درعا إدانات دولية متصاعدة للعدوان الإسرائيلي على قطر: تهديد للأمن الإقليمي "الشمول المالي الرقمي".. شراكة المصارف والتكنولوجيا من أجل اقتصاد واعد الشيباني يستقبل وزير الخارجية الكرواتي