الملحق الثقافي: فاتن أحمد دعبول :
تعددت عناوين ما قدم في الموسم الرمضاني الحالي بين الاجتماعي والكوميدي والتاريخي وأعمال البيئة الشامية، وكعادتهم يحاول صناع الدراما أن يمارسوا طقوس الماراتون الدرامي في الموسم الرمضاني وكأنه، بات قانوناً شرعياً يجب أن يلتزموا فيه في كل عام، مع تجاهل الشهور الأحد عشر من العام، رغم صيحات الكثير من النقاد ومناشدتهم المعنيين بالشأن الدرامي أن تتوزع الأعمال على مدار السنة كاملة، ليتسنى للجمهور المشاهد متابعة الأعمال بهدوء دون التشتت في أكثر من عمل، وخصوصاً أن الممثل السوري نجده يتربع على عرش البطولة في أكثر من عمل، حتى لتكاد تضيع بوصلة المشاهد وتختلط عليه الأمور.
واليوم وبعد انتهاء موسم رمضان للعام 2022 نجول مع المشاهد عبر تقييم مرحلي لما قدم من أعمال حاولت أن تكون لسان حال المجتمع في كثير من نصوصها، كما حاولت طرح الكثير من القضايا وفي الآن نفسه نجد أن عنصر الجريمة في المسلسلات قد ارتفع، ولا أدري هل يحاول صناع الدراما تمثل الأفلام الهوليودية ظناً منهم أن قد تثير المشاهد، وتكون عامل جذب للمشاهد، متناسين أن هذا المشاهد ليس بحاجة إلى المزيد من العنف بعد تجربته القاسية والمريرة في ظل حرب كادت تودي بما تبقى من روحه المطمئنة، وقد أتخمت مشاهد العنف والجريمة والقتل تفاصيل حياته جميعها، فهل نفقأ جراحه التي لما تندمل بعد بمزيد من مشاهد العنف والقتل والدم، أم نذهب به إلى بر الأمان.
وبتوقيت الكهرباء ومنصات» نتفليكس» استطاع المشاهد متابعة بعض الأعمال التي كانت حاضرة على مواقع التواصل الاجتماعي عبر تعليقات التشجيع والتحفيز تارة، ونشر بعض المقاطع المشوقة تارة أخرى، لتحتل لديه الأولوية في المشاهدة على مبدأ العدوى بالمشاهدة» ومن هنا تبدأ عملية وضع النقاط على الحروف، وكل يدلو بدلوه وكأنه الناقد الحصيف المتخصص في شؤون الدراما وعلومها.
ونحن هنا يمكن أن نعطي المشاهد الحق في إبداء رأيه لأنه هو المعني أولاً وأخيراً بالعروض، ولكن هل حقاً يضعه صناع الدراما في مكانته الصحيحة عندما يحضرون لموائدهم الرمضانية، أم إن رأس المال هو سيد الموقف وهو من يتحرك وفق قضية العرض والطلب والربح، وليس ما يطلبه الجمهور؟
وفي عودة إلى موسمنا الدرامي الحالي وعبر استطلاع العديد من آراء المشاهدين مما تسنى لهم متابعة بعض الأعمال، نجد تفاوت الآراء وربما تناقضها، فمنهم من أبدى إعجابه بجرأة الطرح.
وتوقف البعض عند المبالغة في رفاهية البيوت واللباس والسيارات التي تؤكد حجم الفساد الذي يسود البلاد، ما يشكل اتساعاً آخر للفارق الطبقي بين أبناء الشعب الواحد، رغم اعترافنا أن الفوارق لاشك هي سنة الحياة، ولكن في مرحلة صعبة كالتي نعيشها يتردد السؤال البدهي» من أين لك هذا».
ولا يمكن تجاهل تلك الصور المشوهة وهذه الأشكال المحنطة للعديد من الممثلات التي تركت عمليات التجميل وقعها السلبي على ملامحهم التي بدت وكأنها وجوه من شمع، لا حياة فيها ولا تعبيرات حقيقية، فكيف تكون قريبة من المشاهد وهي لا تملك القدرة على التعبير عن المشاعر، لا لشيء إلا لأن مبضع الجراح استطاع أن يمحو معالمها لتصبح صورة مستنسخة لوجه آخر لا يمت لنا بصلة.
وبالطبع نحن وقبل كل شيء نثمن عاليا الجهود التي تبذل من أجل إعلاء شأن الدراما السورية ونهوضها ضمن المتاح من الإمكانات والتقنيات المتواضعة، ومحاولة وضعها على سلم المنافسة مع الدراما العربية، وخصوصاً أننا نملك أهم المقومات لصناعة الدراما وهو الممثل الضليع والمتمكن والاحترافي بجدارة، بشهادة الكثير من النقاد والمنابر الثقافية والمهرجانات التي كانت شاهداً حياً على تفوقه وحصوله على أهم الجوائز في غير مهرجان ومنصة عربية وعالمية.
وهذا التميز يضع الممثل على أعتاب المسؤولية ليكون لسان حال أبناء جلدته، يعبر عن قضاياهم، آمالهم، آلامهم، ويعكس ما يدور في المجتمع من سلبيات ويكرس القيم والإيجابيات، فلطالما كانت الدراما من أهم المنابر التوعوية والثقافية، لأنها في متناول اليد، وتحل ضيفاً محبباً على البيوت جميعها.
ولا يمكن هنا تجاهل بعض الأعمال التي استطاعت أن تعيد للأسرة هيبتها وتماسكها، من خلال تعزيز مفهوم دور الأب الموجه والداعم الدائم لأبنائه، ودور الأم في أن تكون سيدة الموقف، وليست المرأة المهمشة المغلوبة على أمرها، بل هي القادرة على لم شمل العائلة في غير ظرف عائلي، سواء وجد الأب أم في غيابه، ما يؤكد أهمية أن نعيد إحياء هذه القيم التي حاولت بعض أعمال البيئة الشامية تهميشها وصورتها امرأة لا كيان لها ولا شأن ولا دور يسجل لها.
ولكن ما أثار حفيظة البعض أحد الأعمال الذي تحدث عن مرحلة تاريخية، مرحلة الاحتلال الفرنسي من خلال راقصة حاولت أن تبني علاقات كثيرة مع بعض المتنفذين في تلك المرحلة، وكانت تدعي لنفسها دوراً إيجابياً في محاولة منها لمحاربة الاستعمار الفرنسي، وأن تجعل لهذا الفن» الرقص» قيمته الفنية ومكانته في المجتمع، فقد أنكر المشاهد تسفيه وتشويه عمل الثوار الحقيقيين الذي ما بخلوا في تضحياتهم من أجل دحر المستعمر وطرده من سورية بقوة السلاح والبطولة والإيمان بحق الشعب بالحرية، وليس بمواقف المجون والاستهتار على يد نساء يبحثن عن الشهرة والمال وكسب قلوب الرجال.
ومهما قيل عن الدراما، ما لها وما عليها، فقد استطاعت أن تفسح لها مكانة مرموقة في الساحة العربية، وتنافس على المراكز الأولى، واستطاعت أيضاً أن تكون مرآة للمجتمع بكل ما يحمله من تناقضات الحب والكره، القوة والضعف، الغنى والفقر، الفساد والنقاء، فهي تشكل وقبل كل شيء نمطاً حياتياً يحاكي الواقع تارة، وبعض شطحات الخيال تارة أخرى، وفي أحيان كثيرة دموع وابتسامات وآمال بأن القادم هو الأفضل.
وكل موسم درامي والفن السوري بخير وبلدنا بألف خير.
التاريخ:الثلاثاء10-5-2022
رقم العدد :1094