الدراما السورية ..الخروج من عنق الزجاجة

الملحق الثقافي: فؤاد مسعد:

مرّت الدراما التلفزيونية السورية بالكثير من التحديات القاسية (ولاتزال) ، ولكنّها استمرت وقاومت مختلف العوامل التي اجتمعت لتفريغها من كلّ مقومات نجاحها ، بقيت لوحدها تصدّ أشدّ العواصف وأشرسها وتواجه مختلف أنواع المصاعب وأعنفها ، ورغم المراهنات على سحب البساط من تحت أقدامها خلال الحرب التي شنت على سورية إلا أنها استطاعت إثبات حضورها ولم تُسقِطها كلّ الهزات القوية التي تعرضت لها ، هذه الدراما التي انطلقت عجلة إنتاجها منذ ستينيات القرن الماضي مع انطلاق التلفزيون العربي السوري بجهد حقيقي من المبدعين الأوائل الذين عملوا بتفان وحبّ وإخلاص سعياً إلى إرساء أسس متينة تقوم عليها ، ورغم الصعوبات التي واجهتها خلال مسيرتها إلا أنها استمرت وتطوّرت وشُيّد بنيانها الشاهق حجرة فوق أخرى ، هذا الجهد والتعب الذي تمّ بذله على مرّالعديد من الأجيال شكّل أرضية صلبة لرحلة زاخرة بالعطاء ، وباتت بفعل التراكم تاريخ يضرب بجذوره عمق الأرض ، أنجز فيها منذ أيام الأسود والأبيض أعمال دخلت عمق الوجدان الجمعي ، وفيما بعد أعمال شكّلت مفاصل هامة عبر مسيرتها ، مثل هذه الدراما لا يمكن أن تفرمل مسيرتها صعاب مهما كانت قاسية ومؤلمة كما لا يمكن أن تصبح من الماضي فالمستقبل لها ، ولا تزيدها التحديات التي تواجهها إلا ألقاً لأنها كالذهب الخالص الذي لا يُمتحن إلا بالنار .
استطاعت الدراما السورية أن تضيء شمعة مُعلنة إصرارها على الحياة ليشع نورها على الشاشات ، وبالمقارنة مع ما تمّ إنجازه خلال السنوات الماضية استطاعت تحقيق خطوة نحو الأمام وتفاعل هام مع الجمهور ، وبالتالي إضافة إلى قدرتها على الاستمرار استطاعت هذه المرة أن تخرج من عنق الزجاجة التي حاولوا حصرها فيه . ففي الموسم الدرامي الأخير طغى حضور الأعمال الاجتماعية المعاصرة على الساحة الإنتاجية رغم أن عدد ما أنجز منها لم يكن كبيراً لكنها حققت تلوناً وحالة مختلفة من المُتابعة ، وإن كانت واحدة من سمات ما تمّ عرضه في شهر رمضان المبارك التنوع ما عزز من مكانة الدراما السورية في عدم تقوقعها ضمن إطار معين إلا أنه غاب عنها العمل التاريخي والفنتازي والخيالي وأعمال السيرة الذاتية وتلك الموجهة للأطفال واليافعة ، ولكن هذا لا يلغي السعي إلى التجديد وبدا ذلك واضحاً من خلال طرق باب الأعمال الشعبية الاستعراضية عبر مسلسل (جوقة عزيزة) إخراج تامر اسحاق وتأليق خلدون قتلان الذي تناقضت حوله الآراء والمواقف .
أبرز الأعمال الاجتماعية المعاصرة طرحت موضوع الفساد بأوجهه المتعددة ، بعضها لامس هذا المحور إلى جانب انتصاره لمحاور أخرى كحال مسلسل (على قيد الحب) إخراج باسم السلكا وتأليف فادي قوشقجي الذي قدم دراما اجتماعية عائلية تعيد الدفء للمسلسل الدرامي ، وبعضها غاص في موضوع الفساد وتناوله من أوجه عدة كما في مسلسل (مع وقف التنفيذ) إخراج سيف سبيعي وتأليف علي وجيه ويامن الحجلي ، وهناك من حملت تفاصيله قضايا اجتماعية مختلفة حيث طرح مسلسل (كسر عضم) إخراج رشا شربتجي وتأليف علي معين صالح العديد من القضايا . ويًضاف إلى ذلك كله عرض عمل بوليسي (لو بعد حين) إخراج عمار تميم وتأليف فهد مرعي ، وأعمال أخرى ذات حلقات قليلة .
وجاءت الكوميديا خجولة إلى أبعد حدّ وعلى الرغم من حضورها عبر ثلاثة أعمال وهو عدد مقبول من ناحية (الكم) إلا أنها لم تستطع أن تحفر لنفسها مكاناً متقدّماً على الخارطة يليق مع سمعة ومكانة ما سبق تقديمه عبرها في سنوات ماضية ، حتى أن (بقعة ضوء) بكلّ ما يحمل من تاريخ عبر أجزائه السابقة (وخاصة الأولى) لم يحقق الجزء الخامس عشر بإطاره العام ذلك الحضور المُنتظر فغابت عنه الدهشة وجاءت بعض الموضوعات فيه مكررة ، ولم تسعفه الدماء الجديدة من المخرجين الشباب الذين تولوا عملية إخراج لوحاته وإن كان هناك حالة من التمايز يمكن التقاطها بين نتاج كلّ مخرج على حدة ، وهناك مسلسلات كوميدية أخرى ربما لم تسعفها آلية وتوقيت عرضها لتحقق حالة متقدّمة من المُشاهدة كحال (الفرسان الثلاث) إخراج علي المؤذن وتأليف محمود الجعفوري ، ومن الأعمال الكوميدية أيضاً عرض (حوازيق) إخراج رشاد كوكش وتأليف زياد ساري .
أما فيما يتعلق بالمسلسلات التي تدور أحداثها ضمن البيئة الشامية فعادة ما يكون لها مكانة خاصة في شهر رمضان ، ولكن هذه المكانة أخذت في السنوات الأخيرة بالتراجع رويداً رويداً، ما انجر على الموسم الأخير أيضاً رغم أن أربعة أعمال قدّمت تحت عنوانها وكان هناك تفاوت واضح فيما بينها ، وهي : (حارة القبة) إخراج رشا شربتجي وتأليف الكاتب أسامة كوكش ، (الكندوش 2) إخراج سمير حسين وتأليف حسام تحسين بك ، (بروكار 2) إخراج محمد زهير رجب وتأليف سمير هزيم ، (باب الحارة 12) إخراج محمد زهير رجب وتأليف مروان قاووق . وبقيت أغلب الموضوعات المطروحة خلالها تدور ضمن إطار حكايات الجدات وسط أجواء تحمل خصوصيتها على صعيدي الشكل والمضمون ، وإن كان هناك من حاول التمايز من خلال ذكر مجموعة من الأحداث التاريخية المعروفة إلا أن ذلك لم يكن بمنقذ وبقي ضمن إطار المحاولات الخجولة للخروج من القمقم .
تراوحت الخيارات الإبداعية المقدّمة في الموسم الدرامي الأخير بين الجيد والأقل جودة وقلة منها جاء بلا أي أثر ، في حين استطاعت أعمال أن تُنافس بقوة مستقطبة اهتمام الجمهور وأن تكون قريبة من ألمه ووجعه وهمومه . ما يشي أن الدراما السورية الجيدة (بضاعة لا تكسد) فهي تمتلك عناصر قوة حقيقية تؤهلها لتعود وتحتل المراكز المتقدمة بين الأعمال الدرامية العربية ، فيليق بها أن تكون الرقم الصعب كعادتها في السابق ، ولكن لتحقيق ذلك هي بحاجة إلى انطلاقة جديدة تنفض عنها ما علق بها من شوائب لتعود كما كانت وأقوى ، متسلحة بإرادة وطاقات وامكانيات مؤمنة بقدرتها على النهوض من جديد .
التاريخ:الثلاثاء10-5-2022
رقم العدد :1094

آخر الأخبار
سرقة 5 محولات كهربائية تتسبب بقطع التيار عن أحياء في دير الزور "دا . عش" وضرب أمننا.. التوقيت والهدف الشرع يلتقي ميقاتي: سوريا ستكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين إعلاميو اللاذقية لـ"الثورة": نطمح لإعلام صادق وحر.. وأن نكون صوت المواطن من السعودية.. توزيع 700 حصة إغاثية في أم المياذن بدرعا "The Intercept": البحث في وثائق انتهاكات سجون نظام الأسد انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في القنيطرة "UN News": سوريا.. من الظلام إلى النور كي يلتقط اقتصادنا المحاصر أنفاسه.. هل ترفع العقوبات الغربية قريباً؟ إحباط محاولة داعش تفجير مقام السيدة زينب.. مزيد من اليقظة استمرار إزالة التعديات على الأملاك العامة في دمشق القائد الشرع والسيد الشيباني يستقبلان المبعوث الخاص لسلطان سلطنة عمان مهرجان لبراعم يد شعلة درعا مهلة لتسليم السلاح في قرى اللجاة المكتب القنصلي بدرعا يستأنف تصديق الوثائق  جفاف بحيرات وآلاف الآبار العشوائية في درعا.. وفساد النظام البائد السبب "عمّرها" تزين جسر الحرية بدمشق New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق