الثورة- تحليل ريم صالح:
انتهى عصر الأحادية القطبية، وهذا ما نتلمسه على مسرح التطورات الدولية الراهنة اليوم، فلم تعد أمريكا كما كانت من قبل، أي المتحكم الأوحد بحياة الشعوب، والآمر الناهي في أدق تفاصيلها الحياتية، والقادرة على الإطاحة بهذا النظام المقاوم، أو ذاك المعارض لسياسات هيمنتها الاستعمارية.
ويكفينا أن نتابع ما تشهده الساحة الأوكرانية، والميدان السوري، لنرى كيف تقاوم الدول ذات السيادة الغطرسة الأميركية، ونرى أيضا تصاعد الدور الروسي البناء في المنطقة والعالم، وذلك على حساب تراجع أميركا، وكشف دورها التخريبي الفوضوي، وحشرها في خانة الإدانة الإنسانية، والأخلاقية، والقانونية.
تصدع وانهيار أركان الإمبراطورية الأمريكية، وظهور قوى عالمية فاعلة، ومؤثرة، ومنازعة للقوة الأميركية يمكن قراءته من خلال العديد من المؤشرات، ولعل أبرزها فشل أمريكا في كل الحروب المدمرة التي شنتها على سطح المعمورة، والخسائر البشرية والمادية الهائلة التي تكبدتها جراء مغامراتها العبثية الحمقاء، وعجزها عن إسقاط الأنظمة السيادية المعارضة لسياساتها العدوانية، الأمر الذي تجلى في أكثر من دولة، ولعل سورية هي خير شاهد وبرهان على هذا السقوط والخذلان الأمريكي المدوي، وأيضاً من خلال تسارع وتيرة التقدم والتفوق الروسي، والصيني، والكوري الديمقراطي، والإيراني، سواء العسكري، أو العلمي، أو التكنولوجي، أو الاقتصادي، الأمر الذي تلمسناه هو الآخر على مختلف الصعد، وفي أكثر من مكان.
العجز والإفلاس الأمريكي لا تؤكده المؤشرات والإحداثيات الدراماتيكية فحسب، وإنما أقر به العديد من جنرالات الحرب والساسة والمحللين الأمريكيين والغربيين على العموم.
رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارك ميلي اعترف بعظمة لسانه إن أمريكا لم تعد القوة العالمية التي ليس لها منازع، مضيفاً أنه يتم اختبارها في أوروبا من خلال العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفي آسيا من خلال النمو الاقتصادي والعسكري الهائل للصين، وكذلك التطورات النووية والصاروخية لكوريا الديمقراطية، وفي الشرق الأوسط وإفريقيا من خلال عدم الاستقرار.
وأكد ميلي أن السنوات الـ25 المقبلة لن تكون مثل سابقاتها بل سيكون العالم أكثر اضطراباً، مع وجود قوى عظمى عازمة على تغيير النظام العالمي.
الكاتب الأمريكي كريستوفر لاش هو الآخر وفي مقدمة كتابه (ثقافة النرجسية) الصادر سنة 1979م، كتب يقول: بعد أكثر من ربع قرن بقليل من إعلان هنري لوس القرن الأمريكي، هبطت الثقة الأمريكية بشدة، فالذين كانوا يحلمون بالسلطة العالمية، يائسون الآن من حكم مدينة نيويورك، الهزيمة في فيتنام، الكساد الاقتصادي، النضوب الوشيك للموارد الطبيعية، كلها عوامل أدت إلى إحداث حالة من التشاؤم في الدوائر العليا، تنتشر الآن في أرجاء المجتمع، حيث فقد الناس الثقة في قيادتهم كما تحكم أزمة الثقة هذه قبضتها على الدول الرأسمالية الأخرى.
أما الكاتب الكندي المختص بقضايا الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وروسيا الدكتور إريك والبيرغ أكد أن الوقت قد حان للحديث عن عالم ما بعد أمريكا، واعترف بأن أمريكا ما زالت في حالة أفول، ولا توجد إمبراطورية تترك المشهد من تلقاء نفسها أو بسرعة، مضيفاً أن الولايات المتحدة تذهب إلى الأفول بشكل أسرع الآن، لأن بعض القوى ثارت على تجاوزاتها المروعة للتكنولوجيا وتدمير العالم والبيئة، وأوضح أننا سنعيش في عالم مختلف تمامًا بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين حيث الصين ستتصدر المشهد العالمي وستتفوق على الولايات المتحدة قريبًا.
إيمانويل تود، مؤلف كتاب: “ما بعد الامبراطورية”، تناول هو الآخر ظاهرة بروز الامبراطورية الأمريكية وتحولها الحتمي إلى مرحلة التحلل والتفكك.
أما مانويل فارلشتاین، الباحث في جامعة بيل، ومؤلف كتاب “نهاية العالم كما نعرفه: السلام الأمريكي انتهى”، فأوضح في مقال له في مجلة فورن بوليسي الصادرة في تموز – آب 2002: “إنَّ توجهات الصقور المحافظين الأمريكيين الراهنة لفرض الهيمنة الأمريكية بالقوة، ستفشل لأسباب عسكرية واقتصادية وأيديولوجية، فأمريكا لن تستطيع تحمل الخسائر البشرية والمادية الباهظة لأدوارها العسكرية”.
وأضاف أن السؤال الآن هو: “هل تخبو الولايات المتحدة بهدوء، أم سيقاوم المحافظون الأمريكيون ذلك، ويحاولون الانحدار التدريجي إلى سقوط خطر وسريع؟”.
