الثورة- تحليل لميس عودة
عندما عمدت واشنطن إلى تسعير الأحداث في أوكرانيا كانت تسعى لوضع أوروبا على صفيح ساخن من أزمات ونقص إمدادات حبوب ونفط وغاز وشح موارد طاقة وفي مقدمتها اليورانيوم المخصب الذي تعتمده الكثير من الدول الأوروبية لإنتاج طاقة كهربائية من المحطات النووية، وتستند عليه أميركا لتشغيل عديد من مصانعها, فروسيا من أهم موردي اليورانيوم وخدمات التخصيب للمرافق الأمريكية، لذلك فقط تجاهلت أميركا حتى الآن اتخاذ قرارات بفرض عقوبات على استيراد اليورانيوم الروسي الذي يشكل أكثر من 16.5% من مصادر الطاقة لنحو 96 محطة لإنتاج الطاقة النووية الأمريكية.
ففاتورة الحرب في أوكرانيا التي أرادت واشنطن للقارة العجوز فقط دفع تكاليفها وأثمانها بعوز شديد لمصادر الطاقة ونقص حاد بمستلزماتها، لن تكون واشنطن بمنأى عن ارتداداتها, فاليورانيوم الروسي ركن أساسي في هيكلية إنتاج الطاقة البديلة الأميركية كما في غيرها من الدول الأوروبية التي بدأت تدرك أنها دخلت دهاليز العوز نتيجة انسياقها وراء مقامرات العبث التخريبي الأميركية، ومحاولات تطويق روسيا بزنار عقوبات هزلية ويائسة في آن معاً, فبالرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من أشهر سيف العقوبات المغرضة ضد روسيا في محاولة لعزلها والتأثير عليها اقتصادياً إلا أنها لم تستطع إدراج اليورانيوم الروسي في لائحة هذه العقوبات، إذ تعتبر روسيا مورداً مهماً لليورانيوم وخدمات التخصيب للمرافق الأمريكية وأي تهور من هذا القبيل سيضع أمريكا في أزمة كبرى.
وحسب ستاندرد آند بورز مسؤول الطاقة النووية بوزارة الطاقة الأمريكية فإن استبدال اليورانيوم الروسي وخدمات الوقود النووي ذات الصلة إذا تم حظرها سيتطلب إنفاقًا أميركيا مقداره مليار دولار أو أكثر لإيجاد بدائل لها غير متوفرة في الوقت الحالي.
هذا الأمر نوهت اليه قناة “N-TV” الألمانية معتبرة أن استثناء اليورانيوم الروسي من العقوبات المفروضة كونه عصب صناعات إنتاج الطاقة الكهربائية في أميركا وأوروبا هو إقرار بأن روسيا رقم يصعب كسره، فمواردها من النفط والغاز واليورانيوم تدخل صلب الإنتاج الأميركي والأوروبي على حد سواء، وترمم النقص الحاد الذي يوشح قطاع الطاقة فيهما, لذلك يحذر الخبراء من أن إغلاق “صنبور اليورانيوم” من روسيا، يهدد بتقويض إمدادات الطاقة الكهربائية في دول بأكملها.
ولفتت القناة إلى أن اعتماد الاتحاد الأوروبي على اليورانيوم المخصب الروسي كبير، لأنه وفقا لبعض المعطيات يشتري حوالي 40٪ من اليورانيوم المخصب الضروري لتشغيل محطات الطاقة النووية من روسيا وكازاخستان ذات العلاقة الوطيدة مع موسكو, مشددة أنه على أوروبا أن تخشى وقف روسيا “صنبور اليورانيوم” أكثر من أنبوب الغاز .
بالإضافة إلى ذلك هناك 18 دولة بالاتحاد الأوروبي توجد بها مفاعلات نووية روسية، بما في ذلك اثنان في بلغاريا، وستة في التشيك، و 2 في فنلندا، و 4 في هنغاريا ونفس العدد في سلوفاكيا حسب القناة الألمانية, وتؤكد الرابطة الأوروبية للطاقة الذرية أن أوروبا في هذا المجال تعتمد بشدة على روسيا، لأنه يجب بشكل دوري استبدال مفاعلات الماء المضغوط، وهي تعمل فقط بقطع غيار روسية الصنع.
وتشكل صادرات روسيا من اليورانيوم المخصب نحو 35% من الصادرات العالمية، وإنتاجها من اليورانيوم الطبيعي قبل التخصيب نحو 2846 طناً سنوياً، وهي الدولة الأولى عالمياً في تخصيب اليورانيوم، كما تحتل المرتبة الأولى في تصدير اليورانيوم المخصب المطلوب لتشغيل المفاعلات النووية السلمية, كل ذلك يشكل هاجس فزع أميركي وأوروبي من إغلاق صنبور اليورانيوم الروسي كونه ضرورة قصوى لم ولن تدخلها أميركا حيز العقوبات.
