الثورة- عبد الحميد غانم
ما يسمى “المنطقة الآمنة” التي يسعى النظام التركي لإقامتها في شمال سورية، هي استكمال للمخطط العدواني التقسيمي الذي يستهدف سورية والمنطقة عموما، وهي ليست هدفا تركياً مستجدا بل هي هدف قديم يواصل نظام اردوغان جهده لتحقيقه مستغلا الحرب الظالمة التي يواصل شنها تحالف الإرهاب بزعامة أمريكا على سورية بصور وأشكال متعددة ومختلفة من احتلال وعدوان وإرهاب وحصار وإجراءات قسرية أحادية الجانب.
لكن طرح أردوغان لما يسمى “المنطقة الآمنة” من جديد الغاية منه تحقيق أهداف سياسية داخلية وخارجية، فمن جهة يريد تلميع صورة نظامه المشوهة نتيجة سياساته وممارساته الإرهابية والعدوانية التي أدخلت تركيا في أزمات سياسية واقتصادية داخلية وخارجية، ما أجج في وجهه معارضة تركية قوية وتسبب بهزائم ومشكلات كبيرة لحزبه ومناصريه في الانتخابات المحلية سنة 2019 وقبلها في 2018 .
ومع اقتراب انتخابات 2023 الحاسمة تبدو حاجة أردوغان لكسب الرأي العام التركي ومواجهة تصاعد معارضيه أكثر من ضرورية، لذلك جاء إطلاق مشروع “المنطقة الآمنة” وهي نفسها ما سميت بالحزام الأمني والمنطقة الإنسانية وغيرها من المسميات التي جاءت تحت عناوين إنسانية مضللة، لكن غاياتها كانت عدوانية توسعية تعكس أطماعا جذورها عثمانية، بهدف تكريس الاحتلال التركي في الشمال السوري وبسط هيمنته على بعض الأجزاء المحتلة من الأراضي السورية، ظنا منه أن ذلك قد يضفي شرعية قانونية على احتلاله ويساعده على ضم بعض الأراضي السورية لكيانه المحتل، كما جرى في مناطق أخرى من الأراضي السورية ككيليكيا ولواء اسكندرون وأضنة وغيرها.
يحاول أردوغان من وراء هذا الطرح اليوم حرف الرأي العام التركي والعالمي عن ممارساته وسياساته الداخلية التي عمقت الشرخ بين الأتراك وخلقت أزمات سياسية واقتصادية وأرهقت اقتصاد تركيا، الأمر الذي استغلته المعارضة التركية في سعيها للإطاحة به.
أما خارجياً فقد أدخلت سياسات أردوغان تركيا في أزمات سياسية في المنطقة، فاحتلال نظامه أجزاء جديدة من الأراضي السورية تحت مسميات مخادعة أظهر نظامه كنظام عدواني لا يمكن الوثوق به وإقامة علاقات حسن جوار معه، بعد أن دعم الإرهاب بشكل علني وتسبب بفوضى أمنية، بسبب النزاعات البينية بين الجماعات الإرهابية المسلحة التي يدعمها، والتي تشكل مصدر قلق لكل جيران تركيا، ومعلوم أن نظام أردوغان هو الذي أدخل المنطقة في حالة من العداوة والصدام بسبب رعايته للإرهابيين وتصديره للمرتزقة إلى مناطق نزاع كثيرة مثل ليبيا وأوكرانيا وغيرها.
وعليه فإن المنطقة التي يطالب بها أردوغان خلافاً للقانون الدولي لن تكون آمنة كما يدعي، ولن يكون هدفها حماية الحدود أو تأمين السكان، وإنما أساسها الحقيقي استعماري يريد النيل من سيادة سورية ووحدة أراضيها وشعبها وجيشها الباسل ومواقفها الثابتة.
الغايات الدنيئة لنظام أردوغان تلتقي وتتقاطع مع المشروع الصهيو- أميركي الذي يواصل عدوانه واحتلاله وفرض الحصار والإجراءات القسرية الأحادية الجانب على الشعب السوري، وهي تنسجم تماما مع طموحات كل منهما لتقسيم سورية وتفتيتها وتحويلها إلى كانتونات صغيرة.
لقد وضع اللص أردوغان نظامه الإرهابي في خدمة المشروع الصهيو- أميركي، وقد كان ولايزال جزءا من هذا المشروع بالرغم من أكاذيبه وادعاءاته الباطلة بالحرص على سورية وشعبها ووحدة وسلامة أراضيها، وغايته جعل ما يسمى بالمنطقة الآمنة بؤرة متفجرة تضمن استمرار احتلاله للأرض السورية وتمكنه من مؤازرة الإرهابيين التابعين له كي يواصلوا دورهم التخريبي في سورية والمنطقة خدمة للمشروع الطوراني العثماني الذي يمثله نظام أردوغان.
لكن مشروع أردوغان سيسقط وخططه ستفشل كما فشلت كل المشاريع العدوانية السابقة، لأن شعبنا سيتصدى لها بكل قوة وهي لن تمر دون محاسبة، وهاهي سورية تطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته إزاء الأطماع التركية غير المشروعة في سورية، إلى جانب مطالبتها بوقف سرقة نهب ثرواتها النفطية والاقتصادية من قبل الاحتلال الأميركي ومليشياته العميلة، ولن تدخر جهدا في مقاومة الاحتلالين، إلى حين زوال كل الاحتلالات البغيضة عن الأرض السورية وتحقيق الأمن والسلام لجميع السوريين دون استثناء.
