الثورة – نيفين أحمد:
وصل الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة، ليل السبت، في زيارة رسمية تاريخية، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء السورية الرسمية، وذلك بعد يوم من شطب واشنطن اسمه من قائمة الإرهاب.
ومن المقرر أن يلتقي الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في “البيت الأبيض” يوم الاثنين، حيث تُعد هذه أول زيارة من نوعها لرئيس سوري منذ استقلال البلاد عام 1946.
تفتح زيارة الرئيس الشرع إلى الولايات المتحدة ولقائه بالرئيس الأميركي صفحة جديدة في مسار العلاقات السورية – الأميركية بعد سنوات من الفتور والقطيعة، لاسيما وأن المرحلة الماضية قد شهدت مؤشرات عديدة على استعداد واشنطن للتعاون مع دمشق كشريك محتمل في استقرار المنطقة، خصوصاً في ظل سياسة دمشق الواضحة والمطمئنة حيال الكثير من الملفات والقضايا، والتي شجعت الدوائر السياسية والأمنية في واشنطن على مقاربة أكثر إيجابية تجاه الدولة الجديدة ضمن رؤية أميركية أشمل تعيد ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط.
من القطيعة إلى الشراكة
يرى مراقبون أن هذا التحول لا يمكن فصله عن رغبة الرئيس ترامب بالانسحاب من سوريا وتقليص الوجود العسكري الأميركي في المنطقة وهي الرغبة التي اصطدمت سابقاً بمعارضة داخل المؤسسة العسكرية الأميركية عام 2019 بذريعة ضرورة القضاء الكامل على تنظيم “داعش” ومنع عودته. لكن اليوم ومع بروز شريك سوري شرعي يمتلك خبرة ميدانية واسعة في مكافحة الإرهاب وبدعم من قوى إقليمية تبدو الظروف أكثر ملاءمة لإعادة صياغة مقاربة واشنطن حيال دمشق.
وفي هذا السياق أكد الباحث في الشؤون السياسية في مركز “جسور” للدراسات، وائل علوان، لـ”الثورة”، أن العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة تتجه إلى طور جديد من الشراكة الإقليمية، الأمر الذي يفتح الباب أمام فرص حقيقية وكبيرة لاستقرار سوريا وتنميتها، مشيراً إلى أن دمشق باتت اليوم شريكاً محلياً فاعلاً في جهود مكافحة الإرهاب.
وأوضح علوان، أن سوريا “خرجت من تموضعها وتصنيفها السابق كدولة راعية للإرهاب أو معادية للمصالح الغربية، إلى حليفٍ منفتح على الغرب”، لافتاً إلى أن الانفتاح السياسي الكبير للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على الحكم الجديد في سوريا يعكس رغبة غربية في تعزيز هذا التوجه الجديد.
وأضاف أن هناك مصالح متقاطعة ومشتركة بين الجانبين، وأن من المستبعد انسحاب القوات الأميركية من سوريا في المرحلة الحالية، إذ يتجه الطرفان إلى شراكة أعمق تهدف إلى ضمان استقرار المنطقة وصون المصالح المتبادلة، مع احتمال أن يشكل التعاون العسكري تحت مظلة التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب عنوان المرحلة القادمة من العلاقات الثنائية.
الشرع وترامب
وفي موازاة ذلك تجدد الزيارة النقاش السائد أكاديمياً حول نهج التوازن الاستراتيجي الذي تتبعه سوريا في علاقاتها مع الأقطاب الدولية وتحديداً موسكو وواشنطن، فالرئيس الشرع يؤكد في مواقفه تمسكه بهذا النهج القائم على الموازنة الدقيقة بين مصالح الطرفين رغم ما يحمله من مخاطر في ظلّ تجاذبات دولية متزايدة.
ويشير بعض المحللين الأميركيين – خاصة بعد لقاء بوتين والشرع إلى قلق من “عودة روسية هادئة” إلى سوريا عبر الاقتصاد والطاقة والمرافئ في ظل المرونة التي يبديها ترامب تجاه موسكو بعد الحرب الأوكرانية وقدرة روسيا على العمل الميداني الفعّال في بلد مثل سوريا، كما ويرى مراقبون أن هذا البعد يرتبط أيضاً بموقع سوريا الاستراتيجي في البحر الأبيض المتوسط ما يجعل الأوروبيين جزءاً من معادلة الاهتمام.
وفي هذا الإطار، يذهب الباحث علوان إلى أن دمشق ستحرص على ضبط العلاقة مع موسكو ضمن المصلحة المشتركة ومبادئ متفق عليها، بعيداً عن طبيعة العلاقة السابقة التي كانت تتسم بدرجة عالية من التبعية، مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستشهد تنسيقاً محسوباً يراعي التوازن بين الشريكين الروسي والأميركي بما يخدم المصلحة الوطنية السورية.
لا تابع لأحد
دمشق اليوم تتمسك بموقف ثابت؛ مفاده أن سوريا ليست ساحة مقايضة أو مناكفة في الصراعات الدولية بل دولةٌ تسعى إلى بناء علاقات قائمة على المصالح المشتركة مع الجميع انطلاقاً من مبادئ الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب ومنع الهجرة غير الشرعية مع وضع المصلحة العليا للبلاد في صدارة الأولويات.
كما تراعي السياسة السورية طبيعة التجاذبات داخل الولايات المتحدة وتسعى إلى نقل العلاقات من مستوى التفاهمات الشخصية إلى مستوى مؤسساتي أكثر رسوخاً يضمن استمرارية التواصل مع المؤسسات الحكومية بغضّ النظر عن التبدلات السياسية مستفيدة من دروس تجارب عربية سابقة ربطت علاقاتها بأشخاص أو أحزاب محددة.
وبينما يترقب المراقبون ما ستسفر عنه زيارة الرئيس الشرع إلى الولايات المتحدة من نتائج عملية في ملفات التعاون الإقليمي والاقتصادي ومكافحة الإرهاب، يبدو أن دمشق تتقدم بخطوات محسوبة نحو إعادة تأسيس علاقاتها مع كل من موسكو وواشنطن على أسس المصلحة الوطنية بما يضمن استقرار البلاد ويعيد تموضعها كطرف فاعل ومتوازن في النظام الدولي الجديد.