الثورة – راغب العطية:
افتتح لقاء الرئيس أحمد الشرع بممثلي المنظمات السورية الأميركية في واشنطن، أول النشاطات المجدولة على برنامج زيارته التي وصفها المراقبون بالتاريخية، وذلك لأهمية مساهماتهم في تعزيز الوعي بالقضايا السورية، ودورهم في ترسيخ الحضور السوري الفاعل ضمن المجتمع الأميركي وتعميق الروابط مع وطنهم الأم سوريا.
ووصل الرئيس الشرع إلى الولايات المتحدة اليوم الأحد، في زيارة رسمية يلتقي خلالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب غداً الاثنين في “البيت الأبيض”، وفقاً لما ذكرته وكالة “سانا” ووسائل إعلام أميركية.
وشهدت العلاقات السورية الأميركية تغيرات جذرية منذ سقوط نظام الأسد أواخر العام الماضي، وتكللت بانفتاح أميركي لافت بقرار الرئيس ترامب رفع العقوبات المفروضة على البلاد منذ عقود، وذلك من الرياض في أيار/مايو الماضي.

مصالح مشتركة
وفي سياق الحديث عن العلاقات السورية الأميركية وزيارة الرئيس الشرع لواشنطن، يقول أستاذ الإعلام السياسي في كلية العلوم السياسية بجامعة دمشق والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية، الدكتور أيمن عبد العزيز: “قبل كل شيء لا بد من الإحاطة بواقع التحديات التي تواجه سورية بعد التحرير، فالدمار هائل في البنية التحتية نتيجة حرب طويلة استمرت أكثر من 15 سنة، إضافة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على البلاد، ولا سيما قانون قيصر، وكذلك الوضع المتوتر غير المستقر في مناطق الشمال الشرقي، حيث تسيطر قسد على تلك المنطقة الغنية بالثروات ومصادر الطاقة، مروراً بالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، مع محاولات إسرائيلية تركز على التدخل في الشأن السوري الداخلي، من خلال دعم جماعات انفصالية في محافظة السويداء، بالإضافة لمحاولات فلول النظام البائد المستمرة في عدة مناطق سورية لخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في الداخل السوري”.
وأضاف عبد العزيز في تصريحات لـ”الثورة”، أن ما يخص المصالح الأميركية من إقامة علاقة تعاون استراتيجي مع الدولة السورية، فهي تتركز بشكل أساسي على محاربة الإرهاب ممثلاً بتنظيم “داعش”، وضمان استثمارات أميركية في المنطقة، والعمل على دعم حكومة سورية شرعية، للحيلولة دون نشوء أي فراغ أمني قد تستغله من جديد إيران أو فصائلها المسلحة، ما يعني عودة المنطقة إلى حالة من عدم الاستقرار.
وبالتالي، فالمصلحة الأميركية تتطلب رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، ولا سيما قانون “قيصر”، تمهيداً لدخول الشركات الأميركية للاستثمار، خصوصاً في قطاع النفط، وهذا الدخول الأميركي يعد خطوة إيجابية تشجع الدول الأوروبية أيضاً على الاستثمار في سورية وتطوير علاقاتها معها.
اتصال مباشر بين المؤسسات
وتأتي زيارة الرئيس الشرع إلى الولايات المتحدة، لتدشن مرحلة جديدة قائمة على الاتصال المباشر بين الدولة السورية والدولة الأميركية، كمؤسسات لا أشخاص.
ومن المقرر أن تناقش خلال هذه الزيارة عدة قضايا مهمة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، حيث من المتوقع أن يقدم الرئيس ترامب دعماً كاملاً للرئيس الشرع، في مواجهة ما تعانيه الدولة السورية من أزمات، من أبرزها، الإعلان عن خارطة طريق، هدفها إتمام تفاهم بين سوريا وإسرائيل لضبط الأمن على الحدود المشتركة، وبناء عليه سيكون هناك دور أميركي ضامن لهذا الاتفاق.
أيضا تأكيد الجانب الأميركي على ضرورة التزام “قسد” باتفاق مارس/آذار، والإسراع في تسليم المناطق إلى الدولة السورية، تمهيداً للعمل على صيغة مناسبة لدمج القوات العسكرية مع الحفاظ على المصالح المشتركة للطرفين، وكذلك حل مشكلة السويداء بالطرق السلمية، بما يضمن سيادة الدولة السورية ومحاسبة المتورطين في سفك الدم السوري.
إضافة لذلك، إطلاق حزمة مساعدات اقتصادية تعمل على تشجيع الاستثمارات في سوريا، مع التأكيد الأميركي على الرفع الكامل والنهائي لجميع العقوبات المفروضة عليها، ما يدفع عجلة الاستثمار وتدفق الأموال نحو سوريا بعد هذه التأكيدات والضمانات.
إذن، الغاية الأساسية من هذه الزيارة تأكيد الدور الأميركي في عملية إعادة الإعمار في سوريا، وبالتالي إعادة تنظيم العلاقات الأميركية السورية، فالشراكة الدفاعية المزمع الإعلان عنها ستجعل الولايات المتحدة الدولة الأقرب إلى سوريا.
لكن لا بد هنا من توضيح الرغبة الأميركية في عدم إنشاء قواعد عسكرية بالقرب من العاصمة دمشق، إذ يقتصر الهدف على تنظيم الوجود العسكري الأميركي في مناطق الشمال الشرقي (الحسكة ومثلث الحدود السورية الأردنية العراقية)، أي في قاعدة التنف.
لبنان والعراق في قلب الحدث
إن تطوير العلاقة بين سوريا والولايات المتحدة سيكون له أيضاً آثار إيجابية بالنسبة للبنان والعراق، إذ ستعمل الجهود المشتركة للبلدين على الحد من نشاط أذرع إيران في تلك الدول، ومن جهة أخرى سيتم التأكيد على أن على إيران إتباع سياسة واقعية مرتكزها الأساسي عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، مقابل إتاحة الفرصة أمامها للانخراط في تفاهمات أو اتفاقيات اقتصادية تخدم مصالحها.
إذن، الولايات المتحدة تريد من خلال علاقات استراتيجية وتنسيق كامل مع دمشق الضغط على إيران لوقف برنامجها النووي المرفوض من جميع دول المنطقة، وبالتالي أن تتعامل إيران مع دول الإقليم بعيداً عن سياسة التهديد، مع إمكانية حصولها على دعم وتشجيع أميركي.
أستاذ الإعلام السياسي، لفت إلى أن حكمة القيادة السورية في التعامل مع الإدارة الأميريكية لتحقيق الأهداف الوطنية، إذ يمكن القول إن الزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس الشرع إلى روسيا من جهة، وتصريحه بأن العلاقة مع إيران لا تعتبر قطيعة نهائية من جهة أخرى، ساهمتا في تسريع بناء الاتصالات والعلاقات المباشرة بين دمشق وواشنطن.
وعليه، يصبح من الضروري على الجانب الأميركي أن يدرك أن مصالح الدولة السورية هي في المقدمة، وأن دمشق لا تقيم علاقات مع أي دولة إلا انطلاقاً من مصالحها الوطنية، وفي هذا إشارة واضحة من جانب سوريا إلى أن على الولايات المتحدة التحرك سريعاً لتقديم كل أشكال الدعم المطلوبة لتحقيق الأمن والاستقرار، وإطلاق عملية التنمية وإعادة البناء في البلاد.
تجدر الإشارة إلى أن العلاقات الأميركية السورية، ومنذ استقلال سوريا، شابها التوتر والقطيعة في معظم المراحل، لكن بعد انطلاق الثورة السورية في مارس/آذار 2011، حظي الملف السوري بنوع من الاهتمام والدعم من واشنطن، لتبدأ بعد عملية تحرير سوريا وإسقاط نظام الأسد البائد، انعطافة أميركية جديدة باتجاه بناء شراكة كاملة بين دمشق وواشنطن.