الثورة – جاك وهبه:
في ظلّ الظروف الاقتصادية التي يمرّ بها المواطن السوري، أصبح التوجه نحو تغيير العادات الاستهلاكية أمراً حتمياً، ولم يعد بإمكان الكثيرين تحمل التكاليف المتزايدة لمختلف احتياجاتهم الأساسية، وخاصة فاتورة الكهرباء التي تمثّل عبئاً كبيراً على ميزانياتهم الشهرية.
هذه الزيادة الحادة في أسعار الكهرباء فرضت واقعاً جديداً على السوريين، ما جعل الحاجة إلى تغيير العادات الاستهلاكية أمراً حتمياً، فقد أصبح من الصعب تجاهل تأثير هذه الزيادة على القدرة الشرائية للأسر التي كانت- قبل الأزمة الاقتصادية- تعتمد على استهلاك ثابت نسبياً للكهرباء.
إن الارتفاع الأخير في أسعار الكهرباء دفع الكثير من المواطنين والتجار على حدّ سواء إلى البحث عن حلول تساعدهم في تقليل فاتورة الكهرباء، سواء عبر تقنيات أكثر كفاءة أو من خلال تعديل نمط الحياة بشكل عام، وبدأت الأسر السورية في البحث عن أجهزة كهربائية أكثر توفيراً للطاقة أو حتى التفكير في إعادة تنظيم ساعات استخدام الكهرباء بما يتناسب مع تغير الأسعار، وبالتزامن مع ذلك، بدأ التجار أيضاً في تعديل عروضهم بما يتلاءم مع متطلبات السوق الجديد التي تفرض على الجميع اتخاذ خطوات لتقليل النفقات.
وفي هذا السياق، لم تعد التحديات الاقتصادية مقتصرة على محدودية الدخل فقط بل توسعت لتشمل إعادة التكيف مع أسلوب استهلاك مختلف في محاولة للحدّ من تأثير زيادة تكاليف الطاقة، فهل ستتمكن الأسر السورية من التكيف بشكل فعّال مع هذا الوضع الجديد؟وكيف سيتأثر السوق المحلي من هذه التغييرات في عادات الاستهلاك؟
تحول كبير
أحمد الحسن من دمشق، قال لـ الثورة: “الزيادة في أسعار الكهرباء ستؤثر بشكل كبير على ميزانيتي الشهرية، كنت أدفع فاتورة كهرباء لا تتجاوز الـ 20 آلاف ليرة، لكن الآن ستتضاعف الفاتورة عدة أضعاف، لذلك قررت استبدال بعض الأجهزة القديمة بأخرى توفر في استهلاك الطاقة، حتى لو كانت تكلفتها أعلى في البداية، لكنني متأكد أنني سأوفر في النهاية”.
من جانبها، عبرت إلهام حنا- موظفة، عن قلقها من الوضع الحالي، قائلةً: “أشعر أن الفاتورة ستكون عبئاً أكبر على عائلتي، الآن أصبحنا نبحث عن كلّ وسيلة لتقليل استهلاك الكهرباء، سواء عبر استخدام أجهزة موفرة للطاقة أو تغيير بعض عاداتنا في المنزل، مثل تقليل استخدام الإنارة والتكييف”.
أما أيهم لطفي، قال: “فاتورة الكهرباء الآن أصبحت أكثر من نصف دخلنا الشهري، بدأت أبحث عن حلول بديلة مثل تركيب مصابيح LED واستخدام أجهزة كهربائية أكثر كفاءة، لكن المشكلة أن الكثير من هذه الأجهزة أسعارها مرتفعة”.
من جهة أخرى، تحدث سامر- م أحد تجار الأجهزة الكهربائية في دمشق، قائلاً: “إن الأسواق شهدت تحوّلاً كبيراً في الطلب، حيث أصبح الإقبال على الأجهزة الموفرة للطاقة أكبر من أي وقت مضى، ومع ذلك، فإن الأسعار لا تزال مرتفعة مقارنة بالأجهزة القديمة، نحن نحاول تقديم خيارات متعددة للزبائن، لكن يجب أن نجد طريقة لتخفيض الأسعار حتى يستطيع الجميع شراء هذه الأجهزة”.
وقال مصطفى-ع، تاجر آخر: “لاحظنا زيادة في الطلب على الأجهزة الكهربائية ذات الكفاءة العالية فبعد الزيادة الأخيرة في أسعار الكهرباء، اصبح الكثير من الزبائن يسألون عن الأجهزة الموفرة للطاقة، وعلى الرغم من أن الأسعار أغلى، إلا أن الجميع أصبحوا يدركون أهمية توفير الكهرباء في ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب”.
في هذا السياق، بين نائب رئيس غرفة تجارة دمشق السابق محمد الحلاق، في حديثه مع صحيفة الثورة أن سوق التجهيزات الكهربائية يتنوع بين الأجهزة القديمة ذات الاستهلاك المرتفع للطاقة والأخرى الحديثة التي تتمتع بكفاءة أعلى في استهلاك الطاقة.

وقال الحلاق: “في الوقت الحالي هناك العديد من الأجهزة الكهربائية القديمة التي تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء، على سبيل المثال، إذا كان هناك جهاز براد قديم فإنه يستهلك طاقة كبيرة وبالتالي يصبح من الضروري استبداله بجهاز أكثر كفاءة في استهلاك الكهرباء”.
وأكد الحلاق أن هذا التغيير في سلوك المستهلكين سيؤدي إلى نشاط في سوق الأجهزة الكهربائية ولكن هذا النشاط لن يكون شاملاً بل سيقتصر على فئات معينة من المستهلكين القادرين على تحمل تكلفة الاستبدال، وأضاف، أنه في بعض الحالات لا يمكن للمستهلكين استبدال بعض الأجهزة التي تستهلك الكثير من الطاقة بأجهزة أكثر كفاءة مثل أجهزة التدفئة الكهربائية التي يعد استبدالها أمراً صعباً في ظل الظروف الحالية، وبالتالي، من المتوقع أن يشهد هذا القطاع تراجعاً في الاستهلاك وخصوصاً مع ارتفاع تكلفة الكهرباء.
الأجهزة الموفرة
وأشار إلى أن من المتوقع أن يتجه المستهلكون بشكل أكبر نحو شراء الأجهزة الموفرة للطاقة في ظل ارتفاع أسعار الكهرباء، وقال: “إن الأجهزة التي توفر الطاقة ستشهد زيادة في الطلب بينما الأجهزة ذات الاستهلاك المرتفع للطاقة قد تواجه تراجعاً في مبيعاتها”، لكنه أضاف أيضاً أن المستهلكين في سوريا وبسبب الضغوط الاقتصادية قد يضطرون أحياناً إلى شراء الأجهزة الأقل جودة أو التي تفتقر إلى الضمانات وذلك بسبب انخفاض قدرتهم الشرائية.
وتابع الحلاق قائلاً: “من الضروري أن يكون المستهلك على دراية بكافة الخيارات المتاحة له عند شراء الأجهزة الكهربائية سواء من حيث استهلاك الطاقة أو من حيث الجودة والضمانات، فعلى سبيل المثال قد يجد المستهلك نفسه أمام خيارين: شراء جهاز كهربائي منخفض السعر بدون ضمان أو شراء جهاز آخر بسعر أعلى لكنه يأتي مع ضمان لفترة أطول، وهنا يلعب الوعي الاستهلاكي دوراً كبيراً في اتخاذ القرار المناسب”.
القروض المدعومة
وأكد نائب رئيس غرفة تجارة دمشق السابق أن الزيادة الكبيرة في فاتورة الكهرباء ستكون عبئاً إضافياً على المستهلكين خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وأضاف: “المستهلك السوري أصبح مرهقاً للغاية بسبب الارتفاع المتوقع في فاتورة الكهرباء والعديد من الأسر ستضطر لتقليص استهلاكها للأجهزة الكهربائية بل قد تقوم باستبدال الأجهزة الأساسية بأخرى أكثر توفيراً للطاقة”.
وأوصى الحلاق بتوفير قروض مدعومة من قبل الحكومة لتمكين المستهلكين من شراء الأجهزة الكهربائية الموفرة للطاقة، وأوضح قائلاً: “إذا تم توفير قروض ميسرة للمستهلكين لشراء أجهزة موفرة للطاقة أو حتى منظومات طاقة شمسية، يمكن أن يكون لذلك دور كبير في تخفيف عبء الفاتورة الكهربائية على المستهلكين، خاصة في الأعمال التجارية التي تتطلب استهلاكاً كبيراً للطاقة مثل المطاعم”، وأضاف أن هذا النوع من القروض قد يساعد أيضاً في دعم القطاع المصرفي الذي يعاني من حالة ركود في الوقت الحالي.
الصناعة المحلية
كما أشار الحلاق إلى أن الزيادة في أسعار الكهرباء قد تؤدي إلى انخفاض الطلب على بعض الأجهزة الكهربائية غير الأساسية التي كانت تستخدم في الماضي للرفاهية، مثل جلايات الأطباق أو أجهزة تحميص القهوة، وأوضح قائلاً: “هذه الأجهزة ستشهد انخفاضاً في الطلب نتيجة لزيادة تكلفة الكهرباء، وهو ما سيؤثر بدوره على الصناعات المحلية التي كانت تنتج هذه الأجهزة”.
وتابع قائلاً: “في حال استمر التوجه نحو تقليل استهلاك الأجهزة ذات الاستهلاك المرتفع للطاقة، فإن بعض الشركات المحلية قد تواجه تحديات كبيرة، فالشركات التي تعتمد على إنتاج أجهزة كهربائية تستهلك طاقة كبيرة ستكون بحاجة إلى تعديل خطوط إنتاجها لتلبية الطلب المتزايد على الأجهزة الموفرة للطاقة، وإذا لم تتمكن هذه الشركات من التكيف مع التغيرات في السوق، فقد تجد نفسها خارج السوق”.
الحلول المستقبلية
وأشار الحلاق إلى أن الحلول المستقبلية تعتمد بشكل رئيسي على تدخل الحكومة من خلال توفير آليات دعم للمستهلكين والقطاع الصناعي، ولفت إلى ضرورة توفير قروض ميسرة لشراء الأجهزة الكهربائية الموفرة للطاقة أو حتى أنظمة الطاقة الشمسية، مشيراً إلى أن هذا النوع من الدعم قد يحل جزءاً كبيراً من المشكلة، وقال: “في حال تم توفير قروض مدعومة، فإن ذلك سيساهم بشكل كبير في تقليل العبء على المستهلكين ويساعدهم في الاستفادة من الأجهزة التي تستهلك طاقة أقل”.
وأوصى بضرورة أن تتوجه الصناعات المحلية نحو إنتاج الأجهزة الكهربائية التي تتمتع بكفاءة عالية في استهلاك الطاقة، وهو ما سيسهم في تلبية احتياجات السوق في المستقبل، خاصة في ظل الزيادة المستمرة في أسعار الكهرباء.
