الثورة – فؤاد الوادي:
وافق مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الفائت على رفع اسم الرئيس أحمد الشرع من قائمة العقوبات الدولية بعد تصويته لصالح مشروع قرار تقدّمت به الولايات المتحدة، وحصل مشروع القرار على موافقة 14 عضواً من أعضاء المجلس الـ 15، بينما امتنعت الصين عن التصويت. إلا أن البعض يجهل كواليس تسريع وكيفية صدور هذا القرار الذي كان الإصرار الأميركي على صدوره قبيل زيارة الرئيس الشرع إلى الولايات المتحدة، في الوقت الذي يستغرق فيه أي مشروع أو قرار في مجلس الأمن ما بين الأسبوعين إلى الشهر حتى يصل إلى مرحلة التصويت.
آلية “المسودة المسبقة”
حول كواليس صدور هذا القرار، لجهة السرعة القياسية التي طرح فيها للتصويت، أكد الباحث والأكاديمي المتخصص في الشؤون الاستراتيجية، وائل ميرزا، لصحيفة “الثورة”، أن هناك أموراً تقنية وجهوداً دبلوماسية حثيثة حصلت خلال الايام القليلة الماضية التي سبقت صدور القرار والتي تتعلق بكيفية تسريع الولايات المتحدة لصدوره، من خلال استخدامها لألية “المسودة المسبقة” (Pre-Drafted Resolution). فمن من المعتاد أن تستغرق مشاريع قرارات مجلس الأمن بين أسبوعين وشهر قبل الوصول للتصويت، نظراً للمفاوضات حول الصياغات، ولكن في هذا القرار، كانت الولايات المتحدة قد أعدّت مسودته مسبقاً داخل وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي قبل أكثر من ثلاثة أسابيع، ضمن خطة مترابطة مع زيارة الرئيس الشرع.
وقال ميرزا: إن “المسودة خضعت لثلاث مراجعات داخلية في مكتب شؤون الأمم المتحدة التابع لمستشار الشؤون القانونية في وزارة الخارجية (L/UNA)، وذلك قبل إرسالها بصيغتين، الأولى مختصرة قابلة للتصويت السريع (Fast-track Resolution)، والصيغة الثانية موسّعة تتضمّن ملاحق تفسيرية لتُقدَّم لاحقاً بعد الزيارة”.
محادثات سرية
محادثات سرّية محدودة أُجريت بين نائب المندوبة الأميركية الدائمة والمندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا منتصف الأسبوع الماضي في نيويورك، أفضت إلى تفاهم دقيق تصوت روسيا من خلاله بـ”نعم” دون طلب أي تعديل. وفي المقابل، تُدرِج الولايات المتحدة فقرة تذكيرية بسيطة حول “أهمية الالتزام بالسيادة السورية”، لتمكين موسكو من تبرير تصويتها أمام الإعلام المحلي دون إظهار أنها تراجعت، وهذا ما سمح بتفادي “المداولات التقنية” التي كانت قد تُبطئ القرار أسبوعين على الأقل.
كما قامت الولايات المتحدة بتجاوز لجنة العقوبات عبر “آلية المادة 25” نظرياً، والتي تتيح لمجلس الأمن اتخاذ قرارات تنفيذية مباشرة تتجاوز توصيات اللجان، وهذه الخطوة استخدمتها واشنطن سابقاً فقط في حالتين نادرتين (ليبيا 2011، وإيران 2016)، واللجوء إليها هنا يعني أن “القرار سياسي بالكامل، ويُراد له أن يُعلَن لا أن يُناقَش”.
حسابات العامل الزمني والسياسي
“البيت الأبيض” أراد أن يدخل الرئيس الشرع إلى واشنطن وقد رُفعت عنه القيود الأممية رسمياً كي لا يُضطر لتبرير استقباله قانونياً أمام الكونغرس أو الإعلام، لذلك أُعطي توجيه واضح من مستشار الأمن القومي بالوكالة، والذي هو الآن نفسه وزير الخارجية ماركو روبيو، إلى بعثة أميركا في الأمم المتحدة، “لدينا نافذة بين الخميس والسبت لإتمام التصويت، وإلا فلن نكسب أثر الإعلان في توقيته”، وفق حديث ميرزا.
هذا التنسيق جعل كل الوكالات: الخارجية، الخزانة، مجلس الأمن القومي، بعثة نيويورك، تعمل على مدار 72 ساعة متواصلة بصيغة “Inter-Agency Emergency Coordination”.
كما تم بالتوازي، تنبيه وسائل الإعلام الكبرى (واشنطن بوست، رويترز، بوليتيكو) قبل التصويت بـ24 ساعة تحت بند “Embargoed background briefing”، ما سمح بنشر الخبر فور صدور البيان الرسمي، ليكون الحدث المفاجئ.
ولتجنّب أي اعتراض محتمل من نواب متشدّدين، أرسل “البيت الأبيض” في الليلة السابقة للتصويت مذكرة توضيحية سرّية (Classified Note) إلى لجنتي العلاقات الخارجية في مجلسي الشيوخ والنواب، موضحاً أن: “الرفع لا يشمل الأسد أو المتورطين السابقين، وأن الهدف هو تأمين بيئة قانونية للتعاون الأمني والاقتصادي مع حكومة جديدة منتخبة في دمشق”، وبهذه الخطوة، تم تحييد أي مقاومة داخل “الكونغرس” قبل أن تبدأ.
تحديث فوري للقاعدة الرقمية للأمم المتحدة
ووفقاً للباحث السياسي، فقد تم تحديث فوري للقاعدة الرقمية للأمم المتحدة، ذلك أن إدراج الأسماء أو حذفها من “Consolidated List” يستغرق من 24 إلى 72 ساعة بعد التصويت. ولكن في هذه الحالة، تدخّل موظفون من “الأمانة التنفيذية للجنة العقوبات 1267/1989” مباشرةً فور صدور القرار لتفعيل التحديث خلال ساعتين فقط، بأوامر من مكتب الأمين العام، وبطلب أميركي مباشر، وهذا ما سمح لوسائل الإعلام أن تنشر اللائحة الجديدة في اليوم نفسه، وهو أمر نادر جداً.
وأشار ميرزا أنه فور الحذف من قائمة العقوبات، تم إرسال إشعارات آلية إلى شبكة “SWIFT Compliance” و”Interpol Red Notices” لتحديث الأنظمة الخاصة بحظر السفر والتحويلات، وبهذه الخطوة، أصبح بإمكان الرئيس الشرع ووزير الداخلية خطّاب السفر رسمياً، دون أي اعتراض لأي نظام مصرفي أو مطار، قبل زيارته المرتقبة بـ48 ساعة فقط، كما تم تفعيل “المسار الصامت” (Silent Procedure) لتسريع التصويت، فعّلت واشنطن آلية نادرة تُعرف باسم “Silent Procedure”: أي أن المسودة تُعتبر مُعتمدةً ما لم يعترض أي عضو خلال 24 ساعة، وحيث أنه لم يعترض أحد، فقد اعتُمد القرار تلقائياً قبل أن يُرفع رسمياً للتصويت العلني الرمزي، وهو ما اختصر أسبوعين من الإجراءات.