تدمير 1.5 مليون شجرة زيتون في إدلب.. جريمة صامتة تهدد الأمن البيئي والغذائي

الثورة ـ لينا شلهوب:

في كارثة تعد أكبر منذ اندلاع الحرب في سوريا، شهد ريف إدلب الجنوبي اقتلاع وتدمير ما يقدر بمليون ونصف شجرة زيتون وتين، وفق تقديرات منظمات محلية وتقارير زراعية، ولا تبدو هذه الأرقام مجرد بيانات جامدة، بل هي انعكاس مباشر لانهيار بيئي وزراعي واقتصادي، أصاب قلب المنطقة التي لطالما عرفت بإنتاجها الوفير من الزيتون، وارتباط آلاف العائلات بهذه الأشجار كمورد رئيسي للدخل والغذاء.

أثر يتجاوز الخسارة

أكد مدير الزراعة في إدلب المهندس مصطفى موحد في تصريح لصحيفة الثورة، أنه بعد التحرير قامت مديرية الزراعة بإجراء مسح أولي للمناطق المحررة من قبل الفنيين المختصين، وتبين أن الضرر الحاصل لم يشمل البشر والحجر فقط، وإنما شمل الشجر بالحرق والقطع والقلع، حيث قدرت المساحة المتضررة بما يقارب الـ 47 ألف هكتار، وتبلغ نسبة الضرر فيها ما بين الـ 40 – 50 بالمئة، إذ بلغ عدد الأشجار المتضررة 1.5 مليون شجرة زيتون، و350 ألف شجرة فستق حلبي، و100 ألف شجرة تين، بالإضافة لتأثّر الأشجار المتبقية نتيجة نزوح أصحابها وقلة الخدمة للإصابة بالحشرات، ومنها حشرة الكابنودس، وكذلك حفار الساق ذو القرون الطويلة، وحشرة التين الشمعية على التين، وقد قدر مبلغ /75/ دولاراً أمريكياً للشجرة الواحدة من الزراعة للإنتاج، وإجمالي الضرر 147 مليون دولار أمريكي، وهي تحتاج إلى عشرة أعوام تقريباً للإنتاج الكامل، مشيراً إلى أن هذا الضرر تم من قبل عناصر النظام البائد، وعناصر مأجورة من قبله خلال فترة وجودهم ضمن هذه المناطق، ولفت المهندس الموحد إلى أن أبرز تحديات غياب الغطاء النباتي ضمن هذه المناطق، ليس الأشجار المثمرة فقط، ولكن الأشجار الحراجية أيضاً، حيث تسهم في زيادة حدة التغيرات المناخية في المنطقة من ارتفاع في درجات الحرارة وقلة الأمطار وبالتالي الجفاف، منوهاً بأن جميع اللقاءات وورشات العمل التي تنفذ من قبل المديرية مع كل الجهات إن كانت حكومية أو منظمات عاملة بالقطاع الزراعي، تصب في جهة دعم القطاع الزراعي ضمن هذه المناطق المتضررة من مشاريع تشجير أو توزيع غراس مجاناً، أو تأمين غراس بسعر مدعوم، أو تعويض المزارعين المتضررين ولو جزئياً، بالإضافة لإطلاق حملات تشجير في الحراج، مضيفاً أن المديرية تعمل على تسليط الضوء على واقع هذه المناطق عبر كل أشكال وسائل التواصل الاجتماعي، وفي كل المناسبات والاجتماعات واللقاءات، لأن تكلفة إعادة المنطقة إلى سابق عهدها مكلف جداً، وبحاجة إلى تضافر كل الجهور حتى المبادرات المجتمعية للمساهمة في البناء.

إنهاء دورة حياة كاملة

وأضاف مدير الزراعة أن تدمير هذا العدد الضخم من الأشجار يعني عملياً القضاء على دورة إنتاج استغرقت عقوداً من العمل والاستثمار، فشجرة الزيتون لا تنتج محاصيلها الاقتصادية المهمة إلا بعد سنوات طويلة من الاهتمام، ما يجعل خسارتها صدمة تمتد آثارها لعشر سنوات مقبلة على الأقل، مبيناً أن مجمل التقديرات الأولية تؤكد أن حجم الخسائر الاقتصادية تجاوز عشرات ملايين الدولارات، بينما لا يزال المزارعون يعيشون حالة من اليأس بسبب فقدان مصدر رزقهم الأساسي، ويؤكد خبراء محليون أن الأمر لا يتوقف عند الإنتاج الزراعي، بل يمتد إلى تدهور منظومات التربة والمياه والمناخ المحلي.

حكايات الفقد والنجاة

عبد الكريم الصالح، مزارع من منطقة معرة النعمان، قضى 25 عاماً في زراعة الزيتون ورعايته، يقول: ليست مجرد شجرة، هي كأنها واحد منا، زرعناها وكبرنا معها، اليوم أشعر أن حياتي اقتلعت معها.

قصة عبد الكريم ليست منفردة، فهناك آلاف المزارعين خسروا حقولهم بالكامل، ولم تتبقَّ لديهم أي وسيلة لمتابعة إنتاج موسم الزيتون الذي كان يمثل العمود الفقري لاقتصاد المنطقة، فيما الكثيرون اضطروا للبحث عن عمل بديل أو الاعتماد على المساعدات الإنسانية.

فيما يشرح خبراء البيئة أن الزيتون والتين ليسا مجرد أشجار مثمرة، بل يشكلان جزءاً أساسياً من الغطاء النباتي الذي يحافظ على تماسك التربة ويمنع التصحر والانجراف، ومع اختفاء هذا الغطاء، ارتفعت نسبة تآكل التربة، وتضاعف خطر السيول والعواصف الترابية، كما انخفضت نسبة الرطوبة في التربة، وتراجعت قدرة الأرض على العودة إلى الإنتاج دون إعادة تأهيل واسعة.

ويضيف مختصون في التغير المناخي، أن الغطاء الشجري كان يلعب دوراً مهماً في تخفيف درجات الحرارة المحلية، وتحسين التنوع الحيوي، وامتصاص الكربون، وفقدان مليون ونصف شجرة يعني فجوة بيئية قد تمتد آثارها لعقود.

اقتصاد منهار ومجتمع فقد أعمدته الإنتاجية

بحسب تقديرات خبراء الاقتصاد الزراعي، ومنهم الخبير سامي الأسعد، إذ يقول: كانت هذه الأشجار تنتج ما يقارب 30 – 40 ألف طن من الزيت والزيتون سنوياً، هذا الإنتاج لا يمثل مجرد سلعة غذائية، بل هو مصدر دخل رئيسي لآلاف العائلات، وأساس لعمل المعاصر المحلية، بالإضافة إلى أنه خط إنتاج يرتبط به النقل والتجارة والعمالة الموسمية، فالخسارة لا تتوقف عند الحقول، بل تمتد للمحال التجارية، الأسواق، واليد العاملة، علاوة على ذلك فإن دراسات ميدانية تشير إلى أن نسبة البطالة في المناطق المتضررة ارتفعت بعد تدمير الحقول بما يزيد على 40 بالمئة، بينما فقدت عشرات الأسر القدرة على تأمين احتياجاتها الأساسية.

توثيق علمي.. والصمت خطير

رغم فداحة التدمير، ما زالت المنطقة تفتقر إلى توثيق رسمي شامل، ويطالب خبراء الزراعة والمنظمات المدنية بإنشاء سجل موثّق يتضمن: صور قبل وبعد، شهادات المزارعين، مع وجود خرائط للأراضي المتضررة، وكذلك تقارير هندسية وبيئية، فالتوثيق ليس مجرد أرشفة، بل خطوة أساسية لمطالبة الجهات الدولية بمحاسبة المتسببين وتقديم التعويضات، إلا أنه ورغم الصدمة، بدأت بعض المبادرات المجتمعية بالتحرك لتقليل الخسائر، منها: حملات تطوعية لزراعة شتلات زيتون جديدة، ومبادرات لتوزيع شتلات مجانية على المتضررين، إضافة إلى ورش توعية حول حماية التربة من الانجراف، ومناشدات للمنظمات الغذائية والمانحين لدعم مشاريع التشجير، حيث تؤكد هذه المبادرات أن المجتمع المحلي لا يزال يمتلك الإرادة، لكنه يحتاج إلى دعم فعلي من الجهات المانحة والحكومية.

كيف يمكن البدء من جديد؟

يشير الخبير في التنمية الزراعية المهندس مصطفى الحمود إلى أن تعافي القطاع يحتاج خطة طويلة الأمد تتضمن: دعم مادي مباشر للمزارعين المتضررين، وتعويضات مالية عاجلة تمكنهم من سداد ديونهم والعودة للعمل، فضلاً عن إقامة حملة تشجير واسعة ومنظمة، وكذلك توفير شتلات زيتون وتين ذات إنتاج سريع وتتحمل ظروف المناخ، مع إعادة تأهيل التربة، من خلال استخدام الأسمدة العضوية، ومنع الانجراف، والاستفادة من الخبرة الزراعية المحلية، ناهيك عن تقديم دعم لمعاصر الزيت المحلية، لتشجيع بقايا الإنتاج على الاستمرار وضمان سلاسل التسويق، أيضاً لابد من تحرك دولي لحماية الأراضي الزراعية المتبقية باعتبارها جزءاً من الأمن الغذائي للسكان.

رسالة مقاومة

تدمير مليون ونصف مليون شجرة في إدلب ليس مجرد مشهد من الحرب، بل جرح عميق في مستقبل المنطقة، إنه اقتلاع اقتصادي واجتماعي وبيئي، سيحتاج سنوات طويلة لإعادة بنائه، لكن هذه الأرض، التي شهدت حروباً وزلازل وخراباً، تعرف معنى الحياة من جديد، فكل شتلة تزرع اليوم، هي رسالة مقاومة وبداية جديدة لعائلات تنتظر موسماً أفضل.

آخر الأخبار
وزيرا سياحة سوريا والسعودية يبحثان آفاقاً جديدة للتعاون كواليس إصدار القرار "2799".. أميركا قادت حملة دبلوماسية سريعة قبيل زيارة الرئيس الشرع الشرع أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض بشكل غير متوقع إنشودة الوفاء من مدينة الأنوار إلى دمشق الشآم سوريا تشارك في الجلسة الافتتاحية لمجموعة 77 + الصين في البرازيل إغلاق باب التقسيم: كيف تترجم زيارة الشرع لانتصار مشروع الدولة على الميليشيات؟ الأطباء البيطريون باللاذقية يطالبون بزيادة طبيعة العمل ودعم المربين ملتقى "سيربترو 2025".. الثلاثاء القادم صفحة جديدة في واشنطن: كيف تحوّلت سوريا من "دولة منبوذة" إلى "شريك إقليمي"؟ مكافحة الترهل الإداري على طاولة التنمية في ريف دمشق من "البيت الأبيض": أبرز مكاسب زيارة الشرع ضمن لعبة التوازن السورية ترميم مستشفى درعا الوطني متواصل.. وإحداث قسم للقسطرة القلبية تبادل الفرص الاستثمارية بين سوريا والإمارات الشرع في واشنطن.. وغداً يلتقي ترامب في البيت الأبيض بين غلاء الكهرباء و الظلام..ماذا ينتظر السوريون في الأيام القادمة؟ توقيع سوريا لاتفاقيات الامتياز خطوة أساسية في إعادة بناء البنية التحتية للطاقة تدمير 1.5 مليون شجرة زيتون في إدلب.. جريمة صامتة تهدد الأمن البيئي والغذائي التعنيف النفسي في المدارس بحلب... ظاهرة بحاجة للعلاج ماذا بعد مرحلة تبادل الرهائن في خطة ترامب للسلام في غزة؟ القطط السوداء تقف بوجه المدفعجية