الملحق الثقافي – حبيب الإبراهيم:
تُعتبر (رحلة السندباد البحري) والتي كانت ضمن منهاج اللغة العربيّة للصف السادس قبل نحو نصف قرن من أكثر القصص إثارة ً وجذباً وتشويقاً، حيث جمعت بين الإثارة والمغامرة، هي رحلة ممتعة، شيقة، تأخذ القارىء إلى عوالم السحر والجمال ،عوالم الأساطير والمجهول،هي انعكاس بين الصراع الأزلي بين الخير والشر..
(رحلة السندباد البحري ) كتاب رشيق وشيّق، يجمع بين الإثارة والخيال، بين المغامرة واقتحام المجهول بثقة مطلقة بحتمية انتصار الخير على الشر بإسلوب ممتع يجذب القارئ ويستهويه، فكيف إذا كان من الناشئة والتلاميذ والفتيان واليافعين؟.
هي رحلة تجمع بين المغامرة والأسطورة، بين المتعة والفائدة، يتنقّل خلالها السندباد قاطعاً الأفلاك والجزر، متنقّلاً بين الأمصار والبلدان ليتعرف من خلال هذه الرحلة على حياة الأمم والشعوب مبرزاً عاداتها وطرائق عيشها وثقافاتها المتنوعة، وتقاليدها في شتّى ميادين الحياة، في الزراعة والصناعة والتجارة، في العادات والتقاليد، في الحياة والزواج والموت، الخير والشر…
تستمدّ قصة السندباد البحري أحداثها وتفاصيلها من قصص ألف ليلة وليلة، ويكون فيها السندباد بحاراً عربياً يعشق المغامرات ويُحب الإبحار وركوب المخاطر والبحث عن كل ما هو جديد، ويخوض العديد منها ينجح في بعضها ويخفق في بعضها الآخر، ««وتأتي هذه القصة كسلسلة من الحكايات التي يقصها السندباد البحري على الهندباد -الحمّال- ليعرض له ما تحمّله من مشقة وعناء مرَّ بهما أثناء مغامراته حتى يجمع الثروة الطائلة التي ظنّ الهندباد أنها أتته بلا جهد أو تعب، وقد كتب هذه القصة الكاتب والأديب المصري كامل الكيلاني الذي توجّه في أدبه للأطفال وخاطبهم عبر الإذاعة، وأنشأ أول مكتبة للأطفال في مصر.
بدأت قصة السندباد عندما قرّر الإبحار مع عمه علي الذي أحضر له طائراً متكلماً اسمه (ياسمينة)، فتوالت المغامرات التي شهدها السندباد، حيث كان أولها هبوط البحارة بما فيهم السندباد وعمه على ظهر حوت ضخم ظنوا أنه جزيرة، فأشعلوا النار فوق ظهره، مما أدى إلى حركته وسقوط من عليه في البحر وغرقهم، إلا أنَّ السندباد استطاع النجاة بفعل قطعة خشبية قادته إلى جزيرة نائية مع عصفورته المتكلمة ياسمينة، والتي كانت في الأصل أميرة حوَّلها المشعوذون إلى طائر، وحوّلوا والديها إلى نسور بيضاء.».
لغة القص مدهشة جذابة فيها الكثير من الحكايات التي تجذب القارىء وتشدّه إلى مواطن الجمال، حيث تعكس جمالية اللغة وتشعباتها ومدلولاتها، هذا القص أكثر ما يستهوي الناشئة والأطفال حيث يسرحون بعيداً في خيالاتهم التي لا تحدها حدود….
( بدأ السندباد التجول على ظهر الجزيرة التي استقر عليها محاولاً العثور على مخرج، فالتقى برجال في سرداب هم في الأصل خدم لملك الهند (المهراجا)، فقصّ عليهم قصته التي أثارت عجبهم ودهشتهم، مما دفعهم إلى مساعدته ومصاحبته إلى الهند التي رأى بها الكثير من العجائب والغرائب، فتعرّف فيها على رجُلَين يشتركان معه في حب المغامرة هما علي بابا والرجل العجوز علاء الدين، ثم سار ثلاثتهم في رحلات واجهوا خلالها الكثير من المخاطر التي تمكّنوا من اجتيازها بذكاء السندباد، وحكمة علاء الدين، وإقدام علي بابا).
كانت متعة لا يجاريها متعة ونحن نجوب مع معلمّنا عوالم جديدة وأمصار متعددة ومتنوعة عبر رحلة السندباد البحري، اطّلعنا خلالها على بلدانٍ جديدة، عادات فريدة بكل ما تحتويه من غنىً وتنوع، اطلعنا على أدق التفاصيل الحياتية، من عادات وتقاليد لتلك الأمم والشعوب…
ونظراً لأهمية رحلة السندباد البحري فقد تحوّلت إلى مسلسلات إذاعية وتلفزيونية وقصصاً مصوّرة عبر مجلات وكتب موجهة للأطفال والناشئة …
على مقاعد الدراسة وقبل قرابة النصف قرن، كنا على موعد مع المتعة الحقيقية عندما يصحبنا المعلم في رحلة مع السندباد البحري، نحاول جاهدين الغوص في التفاصيل فنكثر من الأسئلة والاستفسارات، علّنا نجد إجابات وتفاسير لما يجول بذهننا ونحن في مرحلة هامة من طفولتنا ….معها سرح خيالنا، ومن خلالها طفنا في بلاد الله الواسعة، حفّزتنا على القراءة والبحث والاستكشاف وحبّ الاطلاع، لقد كانت تلك الكتب، القصص، المغامرات،الأساطير، بواباتنا المفتوحة إلى آفاق المعرفة والثقافة التي لا تنتهي.
العدد 1098 – التاريخ: 7 – 6 – 2022