الملحق الثقافي – سلام الفاضل:
لم يكن أدب الخيال العلمي في يوم من الأيام إلا جنساً أدبياً يمور بالغرائب والعجائب والأشياء فوق الواقعية التي تستشرف في أحيان مستقبلاً لم يأت بعد، أو تلج عمق غوامض وقف العلم عاجزاً عن تفسيرها، فتفند عبر سطور روائية أو قصصية نظريات علمية طالت هذه الظاهرة، أو تلك.. ولعل مثلث برمودا، وسكان العوالم الأخرى، وغوامض بواطن الأرض من الأشياء التي ألهبت خيال روائيي أدب الخيال العلمي فكتبوا عنها الكثير، وألّفوا في غوامضها كتباً حيكت حبكتها واستندت على ما يموج في صلب هذه الظواهر من رؤى مدهشة، وحالات غرائبية لم يقوَ العلم بعد على إعطاء تفسير جامع مانع لها، أو عجز العقل البشري عن إدراك كنهها.. وقد عُرّف أدب الخيال العلمي استناداً إلى ما سبق، بأنه نوع أدبيّ، أو سينمائيّ تكون فيه القصَّة الخياليّة مبنيَّة على الاكتشافات العلميَّة التأمليَّة والتغيّرات البيئيّة وارتياد الفضاء، والحياة على الكواكب الأخرى، حيث يخلق المؤلف عالماً خيالياً، أو كوناً ذا طبيعة جديدة بالاستعانة بتقنيات أدبية متضمنة فرضيات، أو استخدام نظريات علمية فيزيائية، أو بيولوجية، أو تقنية، أو حتى فلسفية.. ومن الممكن أن يتخيل المؤلف نتائج هذه الظواهر أو النظريات محاولاً اكتشاف ما ستؤول إليه الحياة، ومتطرقاً لمواضيع فلسفية أحياناً.. وقد تتناول موضوع القيم في عالم جديد مختلف، ولكن ما يميز هذا النوع من الأدب أنه يحاول أن يبقى متسقاً مع النظريات العلمية والقوانين الطبيعية دون الاستعانة بقوى سحرية، أو غير طبيعية مما يميزه عن الفانتازيا، وغالباً ما يكون الإطار الزماني لرواية الخيال العلمي في المستقبل القريب أو البعيد.. أمّا الإطار المكاني لها فقد يكون على سطح الأرض، أو على سطح إحدى الكواكب السيّارة، أو في أي بقعة من الكون، أو حتى في أماكن خيالية كالأبعاد المتوازية، وسوى ذلك.. وتعتبر قصة رحلات غوليفر المنشورة في عام (1726) للكاتب الإنكليزي جوناثان سويفت واحدة من أوائل أعمال أدب الخيال العلمي، بجانب قصة ميكروميجاس (1752) للكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير، وقصة صومنيوم التي كتبها يوهانس كيبلر بين عامي (1620 – 1630).. وفي سورية اشتهر كثير من الروائيين الذين خاضوا مجال هذا الصنف الأدبي، وكتبوا فيه.
ريادة
ولعل أكثرهم شهرة الدكتور طالب عمران الذي يعد أحد روّاد هذا الأدب، ومن المخلصين له. ولد د. طالب عمران في مدينة طرطوس عام 1948، ودرس الهندسة المدنية في جامعة دمشق، ثم حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة التفاضلية والفلك من جامعة عليكرة – الهند، وله في أدب الخيال العلمي كثير من المؤلفات التي تصل إلى أكثر من ١١٠ مُؤلَّف، إضافة إلى العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تختص بهذا المجال، ومنها برنامج (ظواهر مدهشة).. ويرى عمران في الحوار الذي أجراه مع صحيفة (العرب) بأن الخيال العلمي: «هو الانتقال عبر آفاق الزمن على أجنحة الحلم المطعم بالمكتسبات العلمية وغالباً ما يطرق كتّابه أبواب المستقبل بتنبؤاتهم دون زمن محدد، فهو نظرة واسعة إلى العالم يدخل فيها العلم فيخرج بحقائقه مع خيال الكاتب ليرسم أحداثاً تنقلك إلى المستقبل، أو الماضي السحيق فتثيرك وتذهلك.. والرابطة بين العلم والخيال رابطة مؤطرة متماسكة، ومن يكتب في هذا النوع من الأدب لن ينجح دون ثقافة علمية ممتازة، يستخدمها في نسج أحداث قصصه ورواياته». ويردف، في الحوار ذاته، مبيّناًً رأيه في هذا الصنف الأدبي الذي اختلفت الآراء حوله، والذي يندرج تحت مسمى (أدب الخيال العلمي)، بالقول: «اختلفت الآراء حول أدب الخيال العلمي؛ البعض وصف القصة العلمية بأنها تترجم المكتشفات والاختراعات والتطورات التقنية التي ظهرت، أو التي يمكن أن تظهر في المستقبل، إلى مشاكل إنسانية ومغامرات درامية.. وبعضهم وصف الخيال العلمي بأنه اصطلاح يطلق على ذلك النوع من الأدب الروائي الذي يعالج بكيفية خيالية مدروسة استجابة الإنسان لكافة ما يحيطه من تقدم علمي وتطور، سواءً في المستقبل القريب أو البعيد.. وبعضهم الآخر وصف القصة العلمية بأنها ليست مجرد مغامرات مثيرة تعالج الفضاء وعوالمه القصصية، أو الوحوش جاحظة العيون، أو الأكوان السحرية، أو رؤى المستقبل ومفاجآته، فبالإضافة إلى ذلك كله تتمتع القصة العلمية بميزة تتعلق بالأفكار والتساؤلات حول ما يحيط بنا من ألغاز لنعرف شيئاً عن تفسيرها».. ويختتم عمران إجابته في السياق ذاته قائلاً: «إذاً أدب الخيال العلمي هو أدب المستقبل، يحلم باللحظة التي ينتصر فيها الإنسان على عوامل ضعفه في الكون المحيط به، يحلم بالانتصار على الشيخوخة والمرض والتعب ويكتشف الأعماق المجهولة في المحيطات ويلتقي مع كائنات العوالم الأخرى، ويهبط على الكواكب البعيدة، ويحذر الإنسان من الانجراف نحو عدم الاكتراث بسلبيات استخدام العلم لمنفعته الذاتية، وما تخلقه تلك السلبيات من دمار لحضارته الحديثة، كالتلوث بكافة أشكاله والنفايات والاحتراق الصناعي وطبقة الأوزون المخربة وتكديس السلاح المدمر… إنه يحاول أن يفسر حياة الإنسان والألغاز المحيطة به، ويقدم حلولاً لمشاكله المستعصية، وهذا أدب الخيال العلمي الجاد، وهذا ما أحاول التعبير عنه في كتاباتي». إذا وفي ختام ما قيل يمكن أن ندرك أن أدب الخيال العلمي ما هو إلا أدب قد يصنع لقارئه رؤى استشرافية تستحث خياله ليلج عوالم المستقبل، أو يغوص في عمق ظواهر ماضية ليبحث في غوامضها، ويعبر إلى كنهها مفسراً ألغازاً حياتية، وإنسانية، ومقدماً الحلول لإشكالات قد تبدو مستعصية.
العدد 1109 – 30- 8-2022