الثورة – عبد الحليم سعود:
لعله من المبكر جداً الحكم على نتائج العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا إذ لم يمض عليها سوى بضعة أشهر، إذ مايزال بيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الكثير من أوراق القوة التي يستطيع الدفع بها إلى مسرح العمليات بعيداً عن موضوع الغاز الذي بدأ يشل الحياة الاقتصادية في أوروبا، والذي يبدو أنه من أكبر الهواجس والمخاطر التي يحسب لها الأوروبيون ألف حساب، وبالتالي لا قيمة لكل التصريحات والاستنتاجات الأميركية بشأن الفشل الروسي المزعوم، وقد تكون الولايات المتحدة الأمريكية آخر من يحق له الحديث عن الفشل والنجاح وتقييم مشاريع الآخرين، إذا ما أخذنا في الاعتبار حربيها الفاشلتين في كل من أفغانستان والعراق. على الأقل لم تعد أوكرانيا صالحة كي تكون جزءاً له أي قيمة من حلف الناتو أو مهيأة من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فكل فصول وتفاصيل الحرب القاسية تجري على أراضيها وفي مدنها، في حين يدفع الأوكرانيون أثماناً باهظة للخيار الأرعن الذي انتهجه نظامهم البائس بالابتعاد عن الجارة التوءم روسيا، واللجوء إلى أميركا والغرب، وقد استطاعت القوات الروسية السيطرة على معظم إقليم دونباس الذي وضعته موسكو هدفاً لعمليتها العسكرية إلى جانب أقاليم ومناطق أخرى استراتيجية، في حين عادت جزيرة القرم جزءاً لا يتجزأ من روسيا الأم، فهل يمكن النظر إلى هذه المعطيات على أنها تشكل إنجازاً أم فشلاً روسياً…؟! لنعد سنة واحدة فقط للوراء ولننظر ماذا حققت الولايات المتحدة الأميركية في أطول حرب خاضتها في أفغانستان، فالوقائع جميعها تؤكد الفشل الأميركي الذريع، حيث عادت حركة طالبان إلى الحكم مجدداً، مع وجود جماعات إرهابية متطرفة في هذا البلد أشد وطأة وإجراماً من تنظيم القاعدة الذي وضعته واشنطن هدفاً لحربها ضد ما يسمى الإرهاب باعتراف البيت الأبيض نفسه، فهل كانت واشنطن تريد إقامة نظام جديد تابع لها في أفغانستان أم ترسيخ حكم طالبان وإنتاج منظمات إرهابية جديدة، حتى الانسحاب الأميركي السريع وغير المنظم من أفغانستان كان فضيحة بكل المقاييس دفع حلفاء واشنطن في هذه الحرب لتوجيه لوم كبير للقيادة الأميركية لأنها لم تخطرهم بموعد وتوقيت الانسحاب، في حين فرّ النظام المرتزق الذي صنعته واشنطن على مدى عشرين عاماً بين ليلة وضحاها ولم يبق له أي أثر وهو ما سبّب صدمة للسياسة الأميركية قارنه بعض المراقبين بصدمة حرب فيتنام. أما الحرب الأميركية على العراق فلم تكن أقل فشلاً من الحرب على أفغانستان، حيث تجرعت فيها القوات الأميركية مرارة الهزيمة، ولم تستطع إدارة الحاكم العسكري بريمر ومن جاء بعده إقامة دولة بديلة عن الدولة التي كانت قائمة في العراق قبل الحرب، وقد اعترف الأميركيون أنفسهم بفشل الحرب من بابها إلى محرابها وسقوط كل مبرراتها وذرائعها ولم يعد هناك حاجة لتذكير العالم باعترافات كولن باول قبل وفاته، ولا باعترافات هيلاري كلينتون التي أوضحت من هو الراعي الحصري لتنظيم داعش الإرهابي، حيث كانت هذه الاعترافات أكبر معطى لدى دونالد ترامب الذي كان ينافس كلينتون على كرسي البيت الأبيض في حملته الانتخابية للنيل منها. الأمثلة التي تؤكد فشل السياسة الأميركية في منطقتنا والعالم أكثر من أن تحصى، ولن تضيف الحرب في أوكرانيا سوى فشل جديد لهذه السياسة، ولاسيما إذا ما نجحت روسيا – وهذا أمر مرجح – بتحييد أوكرانيا سياسياً عسكرياً واقتصادياً عن كل ما يمت لحلف الناتو بصلة، ولا يوجد داع للتذكير بأن الحرب مازالت في عامها الأول، وما حدث في خاركيف لا يستدعي كل هذه البروباغاندا الفارغة حول الفشل الروسي المزعوم.