فعل مزاجي

الملحق الثقافي- لينا كيلاني:
يسألني محدثي عن كواليس الكتّاب، وميسرات الإبداع.. بمعنى طقوس الكتابة عند المبدعين.. مثلاً هل لهم طقوس محددة حتى يبدعوا؟ هل يكتبون ليلاً نهاراً، صباحاً، أو مساءً؟ نجيب محفوظ كان لا يكتب بعد ساعة محددة، فلان لا يكتب إلا إذا جلس في مقهى، وهكذا.. فأقول:
هناك مسافة بين القيد والحرية، وبين الهواية والمهنة.. ومَنْ اختار الكتابة كهواية له فمساحة الحرية لديه لممارستها هي بلا حدود، ولا هي مقيدة بمواقيت محددة، وإنما هو المزاج الذي يحكم رغبة الكتابة. أما مَنْ اختارها كمهنة له، وخاصة في مجال الصحافة الأدبية، فهو ذلك الذي يقيده الوقت بمواعيد محددة قد تضطره لأن يكتب ما عليه أن ينجزه، وقد يصبح الأمر عبئاً على صاحبه أحياناً.
أما الكاتب الذي أصبح محترفاً فهو يستطيع أن يستحضر الشرارة الأولى ولا ينتظر عبثية حضورها.. إلا أن طقوس الكتابة لها شأن آخر، إذ هي تتعلق إما بمزاجية الكاتب، أو بمدى احترافه.. فالكاتب المحترف والذي أنجز كماً من الأعمال حتى نال لقب (كاتب) فهو مستعد لأن يشهر قلمه، أو يحرك أصابعه فوق جهاز حاسوب في أي لحظة تباغته فيها فكرة ما، فيكتب سواء أكان في غرفة نومه، أو في المقهى وسط ضجيج المكان، ذلك لأنه لن يفرِّط في اقتناص الفكرة، والأفكار دفق يسيل مع الفكرة الأولى.. فهل لكاتب أن يضيع فرصته بألا يقبض على فراشته الحائرة التي تحوم حوله قبل أن تهرب منه؟
وأمثال (نجيب محفوظ) من الكتَّاب الكبار فلو التزموا بأوقات محددة للكتابة فهذا لا ينتقص من إمكاناتهم، أو براعتهم، وإنما يعود إلى نسيج شخصية منظمة تحبّ أن تفصل الأوقات عن بعضها بعضاً، ولا تفسح مجالاً لتداخلها، ذلك لأن فعل الكتابة من وجهة نظر هؤلاء إنما هي عمل مقدس له مساحة من الاحترام بمواعيد، ومواقيت لا يجوز اختراقها، أو كأنه التزام وظيفي يستدعي الحضور في ساعة معينة.
وذلك الذي يكتب وسط الضجيج فهو ربما يستلهم منه الحماسة، أو يتلمس نبض الحياة من حوله ليسكبه في سطوره، أو أنه يتحدى صدى الأصوات من حوله بمقدرته على فصل نفسه عنها وكأنه لا يسمعها.
على أي حال يظل لكلّ كاتب مزاجيته الخاصة التي تتوافق وشخصيته في الحياة.. فهذا كاتب هادئ في طباعه، وعباراته، وذاك متمرد، ثائر في نصوصه وفي سلوكه، والتعبير عن السلوك والطباع قد يظهر في الطقوس، وتتحدث عنه الأمكنة.
وأنت يا محدثي تذكرني بطقوس أمي الأديبة (قمر كيلاني) وأنا منذ طفولتي تعلمت ألا اخترق عزلتها لأي سبب كان، أنا وغيري لأنها تفصل نفسها تماماً عن العالم الخارجي ليلاً، أو نهاراً لا فرق، المهم أن هذه العزلة تستمر لساعات طوال في غرفة مكتبها لأنها تنجز عملاً روائياً، أو مجموعة قصصية، أو دراسة، أو بحثاً، على مدى أيام، أو أسابيع يتخللها بعض الانقطاع لفترة ما قبل العودة لإنجاز ما سبق إنجازه بشكل نهائي.. أما مقالها الأسبوعي في صحيفتكم فذلك له الأولوية في صباح كلّ ثلاثاء ليصدر في النسخة الورقية يوم الخميس. وطقس المقالة هذا يختلف عن غيره فهو له وقت محدد عند الصباح مع فنجان القهوة. إلا أن لديها من المرونة بحيث أنها ممكن أن تمسك بالورقة والقلم في أي وقت لتكتب ما يتقد في ذهنها. والطقس يبدأ عندها بإرهاصات ما قبله وعند اتخاذ قرار كتابة نص أدبي ما، لينشغل الذهن في صياغة الفكرة، ورسم الشخصيات، وبناء هيكل العمل الأدبي، أو عاموده الفقري الذي سيبنى عليه، والفكر يبقى في حالة من الانشغال بالمشروع الكتابي، ولا يتوقف التفكير فيه حتى إذا كانت صاحبته بين جموع من الناس.
ولو سألتني عن نفسي فسأقول لك إنني لا أتصيد اللحظة للكتابة، وإنما هي تأتي إليّ من تلقائها ربما مع حادثة تمر بي، أو كلمة أسمعها، أو عبارة تقع أمامي فتحرضني، أو أغنية تصل إلى سمعي، إلا أنني عندما أقرر كتابة رواية مثلاً فلابدّ أن ترافقني الموسيقا والصاخبة منها أحياناً كمحفز لي قبل أن أنفرد معها وراء أزرار (كمبيوتر) تحديداً لأنني لم أعد أستخدم القلم والورق، فتدفق الفكرة في ذهني لا تواكبها سرعتي في كتابة اليد بينما تفعل ذلك أزرار لوح أي جهاز ذكي يقع تحت يدي.. ولا يهم عندي المكان كثيراً سواء أكان في مكاني المفضل للكتابة في المنزل وهو السرير، أم في مقعد طائرة، أم في غرفة انتظار في عيادة طبيب، أم في رحلة في مركب بحري.
ومادامت الكتابة فعل مزاجي سواء في مواقيتها، أو في اختيار جنسها الأدبي، أو في أمكنة انبثاقها، فبالتأكيد تتنوع طقوسها بين سهل وجبل، وصخب وعزلة، ولا يمكن تحديد نمط موحد لها.. وأحياناً يكون لها من الخصوصية مما لا يحب الكاتب أن يفصح عنه.

العدد 1131 – 7-2-2023

آخر الأخبار
تضم بقايا عظام حوالي 20 ضحية اكتشاف مقبرة جماعية في قبو بمنطقة السبينة بريف دمشق الأوروبيون: ملتزمون بتعزيز أمن أوروبا وإحلال السلام الدائم في أوكرانيا مؤسسات تعليمية وتربوية واعية لبناء الدولة.. القاسم لـ"الثورة": خطى حثيثة للنهوض بواقع التعليم في حلب لماذا أعجبت النساء بالرئيس أحمد الشرع؟ مدارس درعا بلا مازوت..! حوار جامع ومتعدد أرباحه 400%.. الفطر المحاري زراعة بسيطة تؤسس لمشروع بتكاليف منخفضة المحاصيل المروية في القنيطرة تأثرت بسبب نقص المياه الجوفية الخبير محمد لـ"الثورة": قياس أثر القانون على المواطن أولاً قوات الآندوف تقدم خمس محولات كهربائية لآبار القنيطرة إحصاء أضرار المزروعات بطرطوس.. وبرنامج وصل الكهرباء للزراعات المحمية تنسيق بين "الزراعة والكهرباء" بطرطوس لوقاية الزراعة المحمية من الصقيع ٥٥ ألف مريض في مستشفى اللاذقية الدوريات الأوروبية الإنتر وبرشلونة في الصدارة.. وويستهام يقدم هدية لليفر روبليف يُحلّق في الدوحة .. وأندرييفا بطلة دبي مركز متأخر لمضربنا في التصفيات الآسيوية هند ظاظا بطلة مهرجان النصر لكرة الطاولة القطيفة بطل ودية النصر للكرة الطائرة مقترحات لأهالي درعا لمؤتمر الحوار الوطني السوري "أنتم معنا".. جدارية بدرعا للمغيبين قسراً في معتقلات النظام البائد