الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
ما بين الشاشة والورقة، زمنان تغيرعبرهما كل شيء، إلا مزاج الكتابة، تلك العادات الروتينية التي تتملك كل من اعتنق الكتابة بتفردها وهواجسها.
حتى يمتلئ البياض بأفكار إبداعية يتمكن الروائي أو الشاعر من بثها عبر تموجات روحه، لتصل إلى القراء بنفس اللهفة التي صيغت بها، هناك عادات روتينية، مزاج كتابي، طقوس أياً كانت التسمية، المهم أنها تحرض وتلهم الكاتب لتصبح أوراقه البيضاء معجونة بماء الذهب.
ذرات الذهب تلك ترشح إلينا ومضات ما إن نقترب منها، حتى نشعر أن لا مفر من تلك الحكايا التي تنتمي إلى آخرين ولكننا نتماهى معها حد الخذلان إن عانوا… وقد نتبدل بعدها كلياً.
تلك المزاجية ماهي إلا ممر لعبور كلمات المبدع إلينا، قد لا نهتم بطقسه إلا حين يتمكن الكاتب من إقناعنا، حينها نرغب في معرفة كيف أتقن الوصول إلينا…؟
حين قرأت هاروكي موراكامي بعوالمه الغرائبية، تمنيت لو أعرف كيف يفكر…؟
كيف يكتب صاحب هذا الوجه الهادئ، بنظراته الذكية العميقة…؟
حين علمت أنه يهوى الركض، فهمت لماذا نمارس معه هوايته عبر اللهاث خلف أحداث رواياته الغرائبية حيث ندخل معه في حياة شخصيات، لا نصدق بعد انتهاء الرواية أننا خرجنا منها، وتتدفق أفكار وخيالات لا نتمكن من التخلص منها، إلا حين نبدأ قراءة عمل جديد لكاتب آخر تقودنا إبداعاته نحو فهم طقوسه.
لعلنا حين قرأنا رواية الكاتب أرنست همنغواي (العجوز والبحر) والتي نال بسببها جائزة نوبل، بدا واضحاً إتقانه للصيد، فكل هذا التعمق في محاكاة العلاقة مع البحر تحتاج لصياد ماهر…
الطقوس تقود الكتاب إلى لحظات إلهام يكتبون بعدها باندفاع وحرارة، إلى أن تتسرب خلاصة أفكارهم، إلى تلك الأوراق البيضاء، وحين تمتلئ إبداعاً، لا ندري هل تتوقف طقوسهم، أم أنها تصبح عادة متأصلة في ذواتهم أبداً.
العدد 1131 – 7-2-2023