لماذا أعجبت النساء بالرئيس أحمد الشرع؟

تحقيق- نسرين طرابلسي:

معجزة أو نيزك:
الثورةُ بحدِ ذاتِها فكرةٌ عاطفيةْ، منبعُها القلبُ والأحلام. وبيئتُها خصبةٌ لازدهارِ المشاعرْ، ومنذُ أن انطلقتْ شرارتُها الأولى ارتفع سقف التوقعات، مشحوناً بمنطق الحقّ والعدالة، لكنّ ظلم النّظام استعجلَ بقنصِ شبابِنا، وتباعاً قضى زهرتُهم في الحرب وتحتَ التعذيبِ، شهيداً جميلاً تلو الآخرِ حتى عم القبح. وتسرّب البقيةُ في رحلات الموت إلى دول اللجوء والاغتراب.
بدا وكأنّ الشرّ والعنفَ بلا نهايةْ. ومع استطالةِ أمدِ الحربِ وازديادِ تعقيدِ المشهدِ السوريّ، انتشرتْ عباراتٌ كالإحساسِ العامِ والفرديِ بالعجزِ والهزيمةْ، وضاقتْ فسحةُ الأملِ وكثُرت حالاتُ الانتحار في مدن ومناطق الداخلِ وبلدانِ اللجوءِ، وحلتِ التفاهةُ محلَ الفكرِ، وصارعَ الشعبُ في كلِ مكانٍ ليتشبّثَ بما بقي لهُ من حياةٍ، بما أتيحَ لهُ من الممكنِ، متشظياً بين النحنُ والأنتمْ، والداخلِ والخارجِ، والمحررِ والمحتلْ.
كانَ لا بدَّ من معجزةٍ للخلاصْ.. حرفياً كان الناسُ يدعونَ:  يا اللهُ أظهرْ عجائبَ قدرتكْ. والبعضُ منهم كانَ ينتظرُ أن يضغطَ مجنونٌ ما زرَ السلاحِ النووي ليفنى هذا العالمُ الظالمْ.. والبعضُ كان ينتظرُ نيزكاً يضعُ حداً للعذابْ.

التحرير والظاهرة:
حتى اللحظة، يعجز كثيرٌ من السوريين عن وصفِ ماحدث. يتفقونَ على أنهم لم يستطيعوا النومَ، وأنهم بكَوا كثيراً، وأن ما حدثَ لا يصدقْ. ثم يعودونَ للجدلِ والخلافْ. لقد دفعوا أثماناً باهظةً كيلا يقبلوا بما فُرضَ عليهمْ.
في الداخلِ، كان الصمتُ فعلَ ترقبٍ وانتظارٍ، لأي شيءٍ قد يكونُ أفضلَ مما هم فيهْ.. قطعتهُ الصيحاتُ والزغاريدُ في صبيحةِ الثامنِ من كانونَ الأول. كانت قيامةً حقيقيةْ.. رصاصٌ وسلامٌ وزغاريدٌ، وإعجابٌ منقطعُ النظيرِ بالمحرِّرْ. وكأنهم يقولونَ لقد انتظرناكَ طويلاً.
دخلَ المنتصرُ المظفرُ مصحوباً برجالهِ الوسيمينَ الأشداءَ الملثمينْ.. فتدفقت أحاديثُ الناسِ بسيلِ الإعجابِ والمديحِ لشخصيةِ (أحمد الشرع) وساهمتْ لقاءاتُ المؤثرينِ ومقابلاتِ الصحافةِ في تقريبِ هذه الشخصيةِ من عقلِ الجمهورِ وقلبهْ. لكنَّ ردودَ الأفعالِ والآراءِ تطرفتْ إلى الإعجابِ والحبِ والغزلْ. ونشر الصور والفيديوهات بكثافة. ما شكلَّ ظاهرةً تستحقُ البحثَ والدراسةْ. لأنَّ عينَ المحبِ عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ، ولا بدَّ من آراءٍ تشرحُ وتحللُ وتحافظُ على توازنِ الرأي العامْ.

لماذا أعجبت النساء بالسيد أحمد الشرع؟
معظمُ الإجاباتِ عن هذا السؤالِ جاءت متشابهةً تقريباً، الكاريزما والحضورُ والهدوءُ والاتزانُ والذكاء وجمالُ الشكلِ وسماحةُ الملامحِ والتعابيرُ والصدقْ.. باختصار، وُضِعتْ كلُّ صفاتِ الرجولةِ مجتمعةً بأبهى صورةٍ في أجملِ إطارْ. تخوفتُ من أن يكونَ وقعُ حالةِ الانبهارِ الممزوجةِ بسعادةِ التحريرِ الغامرة هو السببُ في هذه الآراءْ.

الهالة الدينيّة:
السيدة (إيمان جانسيز) المتخصصةُ في صعوباتِ التعلمْ، لفتتْ نظري إلى أننا شعبٌ اعتادَ منذُ الصغرِ على التوجيهِ السياسي الذي انتهجَهُ النظامُ البائد. ولطالما أجبَرَنا على الاحتفالِ بالهزائِم على أنّها انتصاراتْ.. فمن الطبيعيِِّ جداً أن تختلطَ مشاعرُ فرحِنا بالاعجابِ، في أولِ انتصارٍ حقيقيٍ كليّ.
وأشارت السيدة إيمان إلى الهالةِ الدينية التي تَسِمُ تصرفاتِ الرئيسِ أحمد الشرع وقالت: على الصعيدِ الشخصيِ، أشعر بالتشاركيةِ والشبهِ بينهُ وبين بيئتِي ومجتمعي في حيّ بابا عمروْ، والمجتمعِ الذي أعيشُ وأعملُ فيهِ في دولةِ الكويتْ. كما أرى أن تاريخَهُ النضاليَ في العراقِ الذي يلتّبسُ على البعضْ، ماهوَ إلا فزعةَ الأخوةِ والعروبةِ والدينِ لشابٍ ينفّذُ ولا يكتفي بالقولْ. تجاوزَ الانتماءاتِ المحدودةْ. ضحّى بمستقبلِه كطبيبٍ في مجتمعِنا، واختارَ الكفاحِ المسلحْ، ما أعطاهُ ثقلاً كثائرٍ يتبعُ أحلامَه الكبرى حتى تتحققْ.

كاريزما المنتصر:
الصحفية السورية (سعاد جرّوس) عبّرت عن رأيها قائلة:
إنها كاريزما المنتصرْ، فللانتصارِ ألقٌ وجمالٌ يكلّلُ الشخصيةَ وكلامَها. وهذهِ الكاريزما لا تتعلقُ بالشخصِ بحدِ ذاتِه، فأيُ شخصٍ وُجدَ في هذا الموقعْ، وأنجزَ تحريرَ سوريا بالطريقةِ السريعةِ الدراماتيكيةِ ذاتِها كان سيحظى بذاتِ الشعبيةْ.
وأردفتْ جروس: الشرعُ مدرَّبٌ بشكلٍ ممتازْ، ودرسَ بدقةٍ ولفترةٍ طويلةٍ ما يتطلبُه منهُ التحريرْ، وكيفَ سيُجيبُ عن الأسئلةِ المحرجةِ التي تتعلقُ بماضيهِ الجهادي وتحولاتِ نضالِه.
ولو نظرنا إلى السيد أحمد الشرع سنرى أنهُ إنسانُ عاديٌّ، يجرُ وراءَه إرثاً غير عادي. ولفترةٍ طويلةٍ لم تعرفهُ الناسُ إلا باسمِ (أبو محمد الجولاني)، ولم يكونوا يعتقدونَ ولا في أحلامِهم أن هذا الشخصَ تحديداً، بكلِ ما اكتنفَ شخصيتَهُ وماضيهِ من غموضٍ، هو الذي سيكونُ قائداً لتحقيقِ هذهِ الأحلامْ.

ولكن عندما تحدثَ الشرعُ بلغتِه المتسامحةِ وظهرتْ ثقافتُه الواسعةُ، ملأَ الرؤوسَ واستمالَ المنطقَ، وبالتالي حظيَ بالقَبولْ.

يشبهنا ولكن..:
السيدة سعاد علقتْ على ما يتردّدُ بينَ الناسِ بأنّ أحمد الشرعْ، والسيدةُ حرمُه يشبهوننا، فقالتْ: قد لا يشبهوننا كلنا، ولكنّ ظهورَهم في الساحةِ السوريةِ بعد أن لفظَ البلدُ الرئيسَ الهاربَ، الذي كانت سياستُه وإجرامُه هو وزوجتُه وأفرادُ عائلتِه بحقِ أبناءِ شعبنا أقربَ لسياسةِ عدو. ذاك الذي خسِرَ بأسلوبِهِ في الخطابِ آذانَ وأفئدةَ الشعبِ، وأصبحَ مثاراً للسخريةِ والتهكمْ.. فحتماً بالمقارنةِ تفوزُ كاريزما المنتصرِ، ويرى فيها الناسُ مرآةً لهم.
ولا نستطيعُ بسهولةِ إخراجَ شعبٍ، لم يعرفْ حكّاماً طيلةَ ما يزيدُ على خمسينَ عاماً غيرَ الأسدِ الأبِ والابنْ، من حالةِ المقارنةْ.
وللاستدلالِ بالبرهانِ على رأيِها قالتْ سعاد جرّوس:
راقبوا وسائلَ التواصلِ الاجتماعيْ، معظمُ الفيديوهاتِ المصممةِ لمديحِ الرئيسِ أحمد الشرع تضعُ في مقابِله الرئيسَ الهاربْ. الناسُ وبشكلٍ عفويٍ تعقدُ هذهِ المقارناتِ لتشرحَ إحساسَها بالتحولِ الكبيرْ.
وتضيفُ الصحفيةُ جروس مفارقةً من تجربتِها الشخصيةِ كمراسلةٍ لصحيفةِ الشرقِ الأوسطْ في لندن:
أعدتُ مشاهدةَ خطابِ الرئيسِ أحمد الشرع الموجهِ للشعبِ عدة مراتٍ وتساءلتْ، هل من المعقولِ أن الخطابَ المنتظرَ موجزٌ إلى هذا الحد! ووصلَ إلينا مستغرِقاً خمسَ دقائقَ فقط! نحنُ الذينَ تعودنا على الإطالةِ والفلسفةِ والتعريفاتِ والكلماتِ الملغومةِ والخيبةِ المستمرةْ؟!
لقد كانَ مطلوباً منا كصحفيينَ دوماً تلخيصَ خطاباتِ الرئيسِ المخلوعِ الذي كانَ يخطبُ ساعةْ، ثم يستغرقُ تلخيصُ خطابِه خمسَ ساعاتٍ، من دونِ أن نخرجَ من كلِ اللفِ والدورانِ بجملةٍ مفيدةْ.

مخافة الاتهام بالتطبيل:
وضعتِ الصحفية السوريةُ (س. ي) عدمَ ذكرِ إسمِها شرطاً للمشاركةِ في هذا التحقيقْ، مؤكدةً أنها تريدُ الكلامَ بحريةٍ عن هذا الموضوعْ من دونِ أن تُتهم ( بالتطبيل ) للرئيسِ الجديد.
وبدأت ( س. ي) كلامها بالقول:
أولُ ما يخطرُ لي ببساطةٍ أن أحمدَ الشرع شابٌ جميلْ. والرسائلُ التي أرسلَها في أحاديثهِ المتعددةِ منذُ بدءِ معركةِ (ردعِ العدوان) أدهشتْنا جميعاً، رجالاً ونساءً، وما أن وصلَ إلى دمشق، كانَ مريحاً أنه كانَ صادقاً، بخطابٍ لم نعتدْ عليه.
كما اقترنَ خطابُه للسوريينَ بالفعلْ، فحقنَ الدماءَ وانتهجَ المسامحةَ والرحمةْ، فلم نستوعبْ، كانَ أمراً أشبهُ بالخيالْ. ماجعلَ العديدَ من الأشخاصِ يتهمونَه بأنه يوجِهُ خطابَه المتسامح َالمنمقَ لاسترضاءِ الخارجِ، بينما وجدتُ أنه من اليومِ الأولِ كانَ يوجهُ رسائِله للداخل.
وعلى الرغمِ من أن رأيي يميلُ إلى عدمِ أسلمةِ المجتمعِ السوري المتنوعِ، وضرورةِ عدمِ طليهِ بصبغةٍ واحدةْ، لكنهُ عندما خرجَ بفيديو قصيرٍ جداً طالباً من الناسِ الاحتفالَ وعدمَ إطلاقِ النار، استمالَ حتى المعارضينَ له، المأخوذينَ بذكائِه. حتى الإعلاميينَ والسياسيينَ الأجانبْ، لم يُخفوا إعجابَهم ودهشتَهم.
وأنا لا أوافقُ سعاد، تقولُ (س. ي)،  بأنَ أي شخصٍ في مكانِه كان ليتألقَ بكاريزما المنتصرْ. لكنَّ أحمد الشرعِ خدمتْه الظروفُ، فاستغلّها واستثمَرها بذكاءٍ متجاوزاً كلَّ التوقعات.
وتابعت (س. ي): لقد استلمَ بلداً بمصائبَ عمرها أربعةٌ وخمسونَ عاماً، وهو حِمل ثقيلٌ ومهمةٌ صعبةٌ جداً، فبدا متقدماً بالتفكيرِ، وقد حسبَ حسابَ كل شيء.. يظهرُ ذلك جلياً في أصعبِ المهماتِ وهي احتواؤُه للفصائِل العسكريةِ المتناحرةِ وللمختلفينَ معهُ الأكثرَ تشدداً في دائرتِه القريبة.

ثوار العالم:
وتؤكّد (س. ي) أنَّ أحمد الشرع شخصيةٌ تذكّرنا بثوار العالم. فقد وُصِمَ ياسر عرفات وتشي غيفارا بتهمةِ الإرهاب، ثم حصلَ ياسر عرفات على نوبل للسلام وأصبحَ تشي غيفارا رمزا لثوار الأرض. كما أن الشخصية المتطورة والمتغيرة بنهجِها وأقوالِها وأفعالِها مع التحولاتِ والمتغيرات تدلُّ على لاعبٍ سياسيٍّ ممتاز.
لم نكن نتوقع أن تتحررَ سوريا من عائلة الأسد بلا حمامِ دم. وكنّا نرتعُ في خيبةٍ وفراغٍ في أوساطِ المعارضة، فلم يقل لنا أحدٌ منهم ماذا بعد المطالبة بسقوط النظام. ومع أنني أشاركُ في جميع الوقفاتِ والتظاهراتِ لتوجيه أنظارِ الحكومةِ والشعب إلى نواقصَ معينة، إلا أنني أرى الفرصةَ كبيرةً لتحقيقِ كلِّ المطالبِ والوصول للغايات. فنحن الذين نصنعُ الأملَ وليس العكس.

تماهي الضعيف مع القوي: 
وبالعودة لمسألة الإعجاب بشخص الرئيس ختمت (س. ي) بقولها: حالةُ التماهي مع القويّ ظاهرةٌ تستحقُّ الدراسةَ والتحليلَ من علم النفس. فلا شك بعد كل هذه السنوات من الديكتاتورية والحرب خرجنا كلنا ضعفاء، كما أنَّ كلَّ ذاتٍ جمعية لم تتحقق؛ تبحث عن قويٍّ للتماهي معه، إلى أن نتعافي جميعاً، ونستطيعَ النهوضَ بمفردنا.

الرئيسُ المؤقَّت الذي يتمتَّع بسويةٍ فكريةٍ هائلة يفهمُ هذه الحالة، خاصةً وأنَّه خرجَ من بيتٍ قِوامُهُ الثقافةَ والسياسة، رئيسٌ صرّح بأنه لا ينام، يجلس على كرسيِّ الرئاسةِ ويملؤه.

آراء الرجال، نموذج مختلف:
يتّهم الرجالُ النساءَ بالمبالغة، ويَبدون بدورِهم أكثر حيرةً في تحليلاتهم للشخصية. يكتنف آراءَهم بعضُ الحذر والانتظار لمراقبةِ الأداء. على أمل أن يكونَ مرورُ الوقت كاشفاً ومحدداً أكثر لبناءِ موقف.
استأذنت الدكتور (محمّد الزغول)، الباحث والمتابع للشؤون الإقليمية في أبوظبي، للاستعانةِ بمقتطفاتٍ مما كتبَه حولَ شخصيةِ الرئيس أحمد الشرع على فيسبوك.
الدكتور محمد محللٌ سياسي، راقبَ على مدى رُبعِ قرنٍ رجالَ السياسةِ في المنطقة، متابعاً مواقفَهم، وتصريحاتِهم، وزلاتِ ألسِنَتهم ولغةَ أجسادهم، وانتصاراتِهم، وإخفاقاتِهم.. بشكلٍ مستمرٍ ومنهجي.
هذه المراقبة جعلتهُ خبيراً في توقُّع مفرداتِهم وتخريجاتِهم، ويقول في منشوره:
(بالطبع هناك تصنيفات أو تنميطات معينة أضع فيها هذه الشخصيات القيادية، كل بحسب ما يغلب على سلوكه وخطابه، وذلك في محاولة لفهم رؤية القيادة لديه والتعرف إلى مجموعة العوامل النفسية والأيديولوجية والاجتماعية المؤثرة في صناعة القرار عنده، وتقييم حدود استجابته وردود أفعاله).
ويقول الدكتور في المنشور بتاريخ ٢٤-١٢-٢٠٢٤ :
خلال الأيام الماضية كغيري من الناس انهمكت بمتابعة، ومراقبة، وتحليل كل ما يتسرب من لقاءات وحوارات وتصريحات للسيد أحمد الشرع. ولم يكن الشرع غائباً عن اهتماماتي قبل ذلك، إنما كان المتاح عنه من بيانات  نادراً وقليلاً.
واليوم، أستطيع القول، بكل ثقة، إن الشرع نموذج مختلف تماما عما عهدناه في المنطقة من القيادات والزعامات السياسية. ولا يعني هذا مدحاً أو ذماً، إنما هو حالة جديدة كلياً، لا يوجد لدي نمط أو قالب جاهز لاستيعابه.
ويختم الدكتور الزغول منشوره، سيتعين علي مراقبته طويلاً حتى أتمكن من تنميطه، وطبعا لا يمكن للمحلل السياسي أن يحلل بدقة من دون تنميط شخصية القياد).

لا يمكن لنا أن نعرف!
يحاولُ السّيد( محمود محمود)، وهو طبيبٌ من الجولانِ المحتل، في منشوره في ١٤-١-٢٠٢٥ طرحَ أسئلةٍ للتغلُّبِ على الحيرة، فيبدأ قائلاً بأنّه من الصعبِ تجاهلُ الجانبِ الصّادق الفطريِ في شخصيةِ أحمد الشرع، فالرجلُ يتمتع بعفوية غير متصنّعة تجعلُه قريباً من القلب بطريقةٍ لافتة. تعبيرُه عن أفكاره ومشاعرِه بلا جهدٍ أو تكلف، تشبهنا تماماً. بيد أن الأمورَ لا تقاس بذلك، ونخطئ إن بنينا موقفنا منه على هذا الأساس.
السيد محمود يرى أن المشهد شديد التعقيد لا يترك مجالاً لمحاكمة الأمور عاطفياً، وموقع الرجل السياسي يحتم كلاماً وترجمةً سياسيةً أولاً وأخيراً.
وبينما يشير الدكتور محمود إلى أنّ هذا الارتباك ما بين شخصيةِ السيد أحمد الشرع في الماضي والحاضر تجعلنا نتمهلُ لاتخاذِ موقفٍ كاملٍ ونهائي. ويضيف:
يمكنُ للشَّاب السوريِّ المندفع الذي خرج نُصرةً لمظلومي العراق ضدّ الغزاة المحتلّين أن يكون صادقاً وثورياً، أو أن يكون صنيعةً لأجهزةِ مخابرات محترفة. ولا يمكن بحال الوثوق بالاحتمال الأول تماماً، كما لا يمكن – في الوقت ذاته – إدانة الثاني وأبلسته تماماً. لا نعرف.. لا يمكن أن نعرف.. أقله الآن.
لا يوجدُ جهةٌ محلية أو اقليمية أو دولية إلا وتريد شيئاً من أحمد الشرع. أجندات الجميع تنتظر التنفيذ. ومصالح الجميع تتنافس لإحراز مبتغاها.
ويختم الدكتور محمود محمود مقالَهُ بطرحِ السؤالِ المُعضِلة:
كيف لهذا الشّاب السوريّ الأربعينيّ أن يسايرَ الجميعَ وأن يقاومَ الجميع؟ هل سيكون وطنياً؟ كيف سيصمد؟ أو كيف سيساوم؟ إن كان وطنياً فخلاصُه موجودٌ بالداخل السوري؛ أما إن كان غير ذلك فستكون ثورةً ضدّ الجولاني لا محالة.

 حكايةٌ قبل النوم:
العقلُ الجمعيُّ لطالما وضعَ خطوطاً عريضةً للرجلِ النموذج، فارسِ الأحلام. على السواء، في الحكايات الشعبية العربية والعالمية، هناك أطرٌ متشابهة لمخلّص اللحظةِ الأخيرة، الأمير الوسيم، والبطل المغوار، والفارس القادم على حصان أبيض، والسوبرمان. إنه دوما ذلك البطل حلّال العُقَد، الذي ينقذ جميلة الحكاية من براثنِ السّاحرةِ الشريرة، ولعنةِ الجنية، والتنّين ذي الرؤوس. إنه صورةُ الخير في مواجهةِ قوى الشر.
ومن هذا المنطلق يفسّرُ البعضُ ردودَ الأفعالِ حولَ الحدثِ السوريّ الكبير، الذي ستتناقلُ خاتمتَه الأجيال ويدخل التاريخَ المكتوبَ والمروي.
الصحفية الفرنسية ( م. ر ) معجبةٌ أُخرى بشخصية أحمد الشرع، وهذا يتعارض برأيها مع الحياديّة التي تنتهجُها في عملها، لذا طلبت مني بالاكتفاءَ بحروفِ إسمها الأولى، وأعطتني جواباً مختصراً لإعجاب النساء والرجال قائلة:

الناس تحبُّ الأساطيرَ والحكاياتُِ والقصص، تسحرها وتجذبُ اهتمامها، ثم يتناقلونها ويضيفون إليها من مشاعرهم. هذا أمرٌ عالمي. والسوريون سبقَ وأن أسطروا السّاروت، حارس مرمى منتخب الشباب، ولقّبوه بحارسِ الكرامة. وهي قصةٌ أسطوريّةٌ بالفعل، كاملةُ المواصفات لبطلٍ تراجيدي.
كذلك تصلح حكاية السيد أحمد الشرع لتحكيها الأمهات لأبنائها قبلَ النوم. عناصرُها مجتمعةٌ ومؤثرة، غموضُ البدايات، نضالُه كمجاهد، ثم تحولاتُه وتطوراته بالتدريج، حتى ظهوره فاتحاً. ثم إنّه جاءَ بالفرج بعد يأسٍ عام ليتوَّج بطلاً للحكاية. وبعد صدمةِ الحرب، أصابت الناس صدمةُ التحريرِ السريعِ والمفاجئ والمرتبط بفرحةٍ عارمة، كل شيء حدثَ بسرعةٍ وغرابة مثل الأحلام، ويحتاجُ الناس بعضَ الوقت لهضمِ المرحلةِ واستعادةِ التوازن، عندها يمكن طرحُ السؤال من جديد.

الأرضُ والعرض:
في الختام، منذ يوم الثامن من كانون الأول وأنا أتابع كل ما يُكتب ويُقال عن السَّيد أحمد الشَّرع. ويوماً بعد يوم تعزّز لدي رأي جامعٌ يفسّرُ موجةِ الإعجابِ الكبيرة،  يتعلق بطبيعةِ الثقافةِ العربيةِ ووجدانِ المجتمعِ العربي وأخلاقياتِه، ممتزجاً بما وَرد وزُرع في رؤوسنا من الأدبيّات الوطنيّة.
فلدينا ثنائية الأرض والعرض، متلازمةٌ ومتلاصقة. (القدسُ عروسُ عروبتكم) ، قالها الشاعر مظفّر النوّاب لتنتشرَ القصيدةُ كالنار ِفي الهشيم. وخاطبَ محمود درويش الأرضَ بسيدتي الأرض، وطفلتي الأرض. وقال:
( الأرضُ أم أنتِ عندي أم أنتما سيّان! )
في الدراما العربيّة والعالميّة يموتُ البطل غالباً لسببين، للدفاعِ  عن أرضِه، أو عن حبيبته.
وفي ذاكرة الشعب السوري القريبة، رجلٌ حلبيٌ اسمه (محمد ضبه)، سحلَه رجال الحرس الجمهوري للنظام البائد بملابِسه الداخلية وعذّبوه، فطلب منهم أن يودّع أولاده، فهدّدوه باغتصابِ زوجتِه مقابل ذلك، فما كان منهُ إلا أن ردّ بشجاعةٍ: أعوذُ بالله، هي مرتي بنت عمي حرمتي، تاج راسي.
ربطَ الرجلُ العربيُ شرفَه بنساءِ بيتِه، ومن الطبيعيّ أن تشعُرَ السّورياتُ، بعد معاناةِ الحربِ الطويلةِ ومفرزاتها، بالتوحُّدِ مع الأرضِ الأم، وبأنّ مَن حرّرها حرّرهن. أليست الثورةُ أنثى، ولّادةُ التّمرُّد والحياة. والأرض المنبتُ والمآل، حيث يُوصي كلُّ العجائز أن يُدفنوا تحت حجرةٍ في فيءِ زيتونةٍ في البلاد؟
حَلُمنا جميعاً بساعةِ معجزة، تُفتح فيها أبوابُ السماء وتستجيبُ لدعاءِ الملايين. بعد أن كُدنا جميعاً نستسلم للمنافى ونحاولُ على استحياءٍ اعتبارَها أوطانا بديلة.
فكيف لا يؤخذُ المنتظرون، بظهورِ رجلٍ مفوّهٍ يمتلكُ ناصيةَ الكلامِ، وينصتُ للآراءِ ويستجيب.
وقال لنا: جئتُ بالسلام. وأجاب عن أسئلة أبو الهول الصعبة فاتحاً أسوارَ البلادِ وأبواب السجون، ليختمَ أطولَ فصولِ الملحمةِ السوريةِ ( المستمرّةِ ) بالأفراحِ والليالي الملاح.

آخر الأخبار
تضم بقايا عظام حوالي 20 ضحية اكتشاف مقبرة جماعية في قبو بمنطقة السبينة بريف دمشق الأوروبيون: ملتزمون بتعزيز أمن أوروبا وإحلال السلام الدائم في أوكرانيا مؤسسات تعليمية وتربوية واعية لبناء الدولة.. القاسم لـ"الثورة": خطى حثيثة للنهوض بواقع التعليم في حلب لماذا أعجبت النساء بالرئيس أحمد الشرع؟ مدارس درعا بلا مازوت..! حوار جامع ومتعدد أرباحه 400%.. الفطر المحاري زراعة بسيطة تؤسس لمشروع بتكاليف منخفضة المحاصيل المروية في القنيطرة تأثرت بسبب نقص المياه الجوفية الخبير محمد لـ"الثورة": قياس أثر القانون على المواطن أولاً قوات الآندوف تقدم خمس محولات كهربائية لآبار القنيطرة إحصاء أضرار المزروعات بطرطوس.. وبرنامج وصل الكهرباء للزراعات المحمية تنسيق بين "الزراعة والكهرباء" بطرطوس لوقاية الزراعة المحمية من الصقيع ٥٥ ألف مريض في مستشفى اللاذقية الدوريات الأوروبية الإنتر وبرشلونة في الصدارة.. وويستهام يقدم هدية لليفر روبليف يُحلّق في الدوحة .. وأندرييفا بطلة دبي مركز متأخر لمضربنا في التصفيات الآسيوية هند ظاظا بطلة مهرجان النصر لكرة الطاولة القطيفة بطل ودية النصر للكرة الطائرة مقترحات لأهالي درعا لمؤتمر الحوار الوطني السوري "أنتم معنا".. جدارية بدرعا للمغيبين قسراً في معتقلات النظام البائد