الثورة- منهل إبراهيم:
مع انتصار الثورة في 8 كانون الأول 2024، وسقوط نظام الأسد، دخلت سوريا مرحلة تحول سياسي جوهري فتح الباب واسعاً أمام انطلاق المرحلة الانتقالية التي تؤسس لبناء الدولة السورية، على أسس جديدة بعيداً عن التبعية ولعبة المحاور التي دمرت البلاد، على مدى عقود وجرت عليها العقوبات والعزلة، وسط تردي أوضاع الحريات العامة وحقوق الإنسان، والعلاقات غير الطبيعية مع كثير من الدول.
وقد شكلت التطورات بعد انتصار الثورة نقطة تحول جوهرية، ليس فقط لانتهاء حقبة سياسية طويلة غير متوازنة امتدت لأكثر من نصف قرن، بل أيضاً لما تحمله من فرص حقيقية لتحقيق علاقات متوازنة مع جميع الدول التي لها حضور قوي وفاعل على مسرح الأحداث الدولي، كما هي الحال مع روسيا، مع ضمان انتقال سياسي شامل يضع حدا لنظام حكم إقصائي، ضل الطريق وسط محيطه العربي والدولي، حتى مع أقرب الحلفاء إليه.
ولفتت شبكة الأخبار البريطانية “بي بي سي” في وقت سابق إلى أن القيادة الجديدة في دمشق ترغب في بناء علاقات صحيحة مع موسكو الحليف الوثيق للنظام المخلوع، وأكد وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، أنه “هناك فرص عديدة لسوريا موحدة وقوية، ونأمل أن تقف روسيا إلى جانبنا في هذا المسار”.
في المقابل، وجه لافروف دعوة إلى السيد الرئيس أحمد الشرع لحضور القمة الروسية العربية في موسكو في تشرين الأول المقبل.
وأشارت “بي بي سي” إلى أنه في أول مقابلة أجرتها الشبكة الإخبارية البريطانية في 18 كانون الأول 2024، “وصف الرئيس السوري أحمد الشرع العلاقات مع روسيا بأنها استراتيجية”.وقد سارع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى استغلال هذه العبارة آنذاك قائلاً: “تجدر الإشارة إلى أن القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع تحدث مؤخراً إلى بي بي سي، واصفاً العلاقات السورية مع روسيا بأنها قديمة واستراتيجية، ونحن نتفق معه في ذلك، ولدينا الكثير من القواسم المشتركة مع أصدقائنا السوريين”.وبالرغم من نجاحات القيادة السورية الجديدة السياسية والاقتصادية خصوصا على الصعيد الخارجي وبشكل ملفت، ومع ذلك، تواجه المرحلة الانتقالية جملة من التحديات المعقدة، أبرزها تدخلات القوى الخارجية، ومنها التدخلات الإسرائيلية، إلى جانب التردي الاقتصادي والاجتماعي الذي خلّفتها سنوات الحرب الطويلة والعقوبات الغربية التي أثقلت كاهل السوريين.
وقد عكست عملية تشكيل الحكومة الانتقالية، وهي إحدى الخطوات الأكثر أهمية ودقة خلال المرحلة الانتقالية في سوريا، مدى جدية القيادة السورية في تحقيق التعددية السياسية وترسيخ الاستقرار.وانطلاقاً من أولوية الوضع الإنساني والاقتصادي تركز الحكومة على إدارة الملفات الاقتصادية والتصدي للأزمة الإنسانية والاجتماعية الناتجة عن سنوات الحرب الطويلة، والأحداث الجديدة الناشئة، كما هي الحال اليوم في السويداء.. ويتطلب ذلك تنفيذ سياسات اقتصادية عاجلة وقصيرة الأجل، وإسعافية للنهوض والتعافي وتجنب الانهيار الاقتصادي، لذلك نرى العمل الحكومي مستمر لتلافي الأزمات، والعمل على جذب الدعم الدولي والاستثمارات الخارجية اللازمة لتحقيق التعافي الاقتصادي وتعافي وتمتين النسيج الاجتماعي داخل الوطن.
وفي هذا الصدد، يقع على عاتق السوريين مسؤولية كبيرة في دعم حكومتهم، ويظل التعاون البناء بين الشعب والسلطة عاملاً حاسماً في إنجاح العملية الانتقالية، إذ أن التوافق الوطني، والدعم التقني والاستشاري من المجتمع الدولي مع الحفاظ الكامل على السيادة الوطنية، كل ذلك يخلق بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية ملائمة لإعادة بناء الدولة السورية على أسس قوية وقادرة على تجاوز الصعوبات والتحديات المستمرة. إن مسؤولية نجاح الانتقال السياسي في سوريا تقع على عاتق الجميع، محلياً ودولياً، من أجل مستقبل مستدام يضمن حقوق كافة السوريين دون تمييز أو إقصاء، وهذا ما تؤكده الحكومة السورية في تحركاتها الدبلوماسية والسياسية والتفاهمات التي توقعها في الداخل والخارج للوصول إلى سوريا واحدة موحدة ومستقرة، تشكل مظلة حامية لجميع مواطنيها دون تمييز أو إقصاء.