رغم التحديات الكبيرة.. انتخابات مجلس الشعب بوابةٌ للسلم الأهلي اختيار الرئيس 70 عضواً هل يقود إلى الثلث المعطِّل؟!
تحقيق هلال عون:
استلم الرئيس الشرع تقرير لجنة الانتخابات البرلمانية يوم الأحد الماضي، وتضمن التقرير تشكيل اللجان الانتخابية الفرعية وآليات الطعن والاعتراض على نتائج الانتخابات، وإتاحة الرقابة من المجتمع والمنظمات الدولية بالتنسيق مع اللجنة العليا للانتخابات، كيف سيسهم اختيار مجلس الشعب بإدارة المرحلة الانتقالية، وما هي الملاحظات والانتقادات؟.
في هذا التحقيق نسلط الضوء على كل ذلك.
معلومات لا بدّ منها
نصّ النظام الانتخابي على رفع عدد المقاعد من 150 إلى 210، بناءً على مطالبات المجتمع المدني، مع تخصيص نسبة منها لا تقل عن 20% للمرأة، وسيعيّن رئيس الجمهورية ثلث الأعضاء، وهم 70 عضواً، من أصحاب الكفاءات الفنية (تكنوقراط)، وذلك لسدّ أي فجوات محتملة وضمان تمثيل جميع الفئات غير القادرة على الترشح لظروف اقتصادية وغيرها، وخاصة إذا علمنا أن لدينا 4 أنواع من البطاقات الشخصية لمواطني سوريا:في مناطق النظام سابقاً، وفي إدلب، وفي ريف حلب، وفي مناطق شرق الفرات.
أما الخطة الزمنية فتم تقسيمها كما يلي: أسبوع لاختيار اللجان الفرعية، و15 يوماً لتشكيل الهيئات الناخبة، وفتح باب الترشح لمدة 3 أيام، وأسبوع للدعاية والمناظرات.
شرعية سياسية ومؤسساتية
بخصوص كيفية إسهام مجلس الشعب القادم بإدارة المرحلة الانتقالية، يرى عضو المكتب السياسي لحزب التنمية الوطني، المحامي وائل الحسن أن اختيار مجلس الشعب الجديد ضمن هذا النظام الانتخابي المعدّل يمكن أن يسهم بعدة طرق مهمة في إدارة المرحلة الانتقالية لسوريا، إذ إنه يمنح العملية السياسية شرعية داخلية وخارجية، خاصة في ظل الرقابة المجتمعية والدولية المقترحة، وذلك من خلال تمثيل مختلف شرائح المجتمع، بما في ذلك النساء بنسبة لا تقل عن 20%، وهذا أمر يعزز الثقة الشعبية.
صوت مدني في عملية التغيير
ورأى الحسن أن زيادة المقاعد إلى 210 تعكس استجابة لمطالب المجتمع المدني، وتفتح المجال أمام مشاركة أوسع في صنع القرار، أما تمثيل التكنوقراط عبر الثلث المعين فيضمن وجود خبرات مهنية قادرة على تقديم حلول عملية خلال المرحلة الحساسة، بحسب المحامي الحسن.
الرقابة والشفافية
وشدد الحسن على ضرورة قيام مجلس الشعب القادم بممارسة الرقابة على أداء الحكومة خلال الفترة الانتقالية، والمساءلة بشأن تنفيذ السياسات، وكذلك صياغة قوانين مؤقتة أو دائمة تنظم الحياة السياسية خلال التحول الديمقراطي، وصولاً إلى تحقيق التوازن الإقليمي والسياسي.
وأضاف: يمكن أن يساهم المجلس في تعزيز التكامل الوطني والحد من التهميش، بما يمثل فرصة لتوحيد الخطاب السياسي والعمل نحو المصالحة الوطنية.
مقدَّمة لا بدّ من مراعاتها
المخترع والخبير الاقتصادي والكاتب “فراس حداد”، يقول، في حديثه لصحيفة الثورة: نحن في مرحلة خطيرة ومفصلية، و”لإسرائيل” مصلحة في منع التعافي السوري، وهي تستثمر بالأزمات السورية، وإذا أضفنا إلى ذلك حجم الخلل الهائل في معطيات بناء الدولة ككينونة مشكّلة من المؤسسات والمجتمع، التي ورَّثها النظام المخلوع، نجد أن بلدنا مثقل بأزمات تراكمية، تورث أزمات، منها حجم التحاقد المجتمعي القطائعي، وهو في ذروته، وحجم السلاح المنتشر، وهو كبير جداً، وحالة الثقة المجتمعية في بناء عقد اجتماعي منتج في حدها الأدنى، وحالة الاحتقان كبيرة لدى شرائح ومكونات مجتمعية عديدة، و”إسرائيل” تستثمر في كل هذه الأزمات، وخاصةً أن مستوى العوز والفاقه هائل جداً، ما يجعل الارتزاق متفشياً وليس خاصاً، وخاصةً أن سوية المنظومة الفردية والمجتمعية القيمية باتت هزيلة وعناصر الجمع والوحدة باتت غير مقدسة وليست وازنة.
ويضيف حداد: بعد كل هذه المقدمة التي لا بد من مراعاتها، يمكننا أن نعرف كيف سيسهم مجلس الشعب القادم، المكوّن من 210 أعضاء في إدارة المرحلة الانتقالية، ويتابع: في الجواب، يمكن القول إن كل خطوة لبناء المؤسسات، حتى لو لم تكن مثالية، لا بد أنها إيجابية، وكل خطوة إيجابية يجب أن تؤسس لخطوة لاحقة تفضي إلى تراكم الإيجابيات حتى نستطيع تغيير الواقع.
أول خطوة لبناء الثقة
ويرى حداد أن مجلس الشعب الذي كان مزرعة مشخصنة، ينسحب عليه ما ينسحب على باقي المؤسسات التي كانت جميعها مزارع مشخصنة أيام النظام البائد، وهو أهم مؤسسة حكومية تفترض جعل الشعب يثق بتمثيله، وهو أهم مؤسسة حالياً نحتاجها لبناء العقد الاجتماعي، وبناء الرقابة المجتمعية على السلطات التنفيذية، ولا شك أن تقديمه بأفضل صورة وأفضل أداء سيجعل المجتمع يثق بعملية التغيير المنتجة، وسيؤسس أول خطوة لبناء الثقة بين المجتمع والقيادة.
ويعتقد حداد أنه يجب على مجلس الشعب حتى ينجح في أداء مهامه، أن يقوم بالإضافة إلى عمله التشريعي والرقابي، بالإسهام في معالجة أهم المشكلات الاجتماعية، وهي الفقر والفاقة وبناء السلم الأهلي، وصولاً لتقديم تعافي الاقتصاد المجتمعي، وبناء منهجة ومأسسة المصالحة الوطنية التي تفضي لبناء الوحدة المجتمعية، ليكونا ركنين رئيسيين في أولى أولويات السلطة التنفيذية، ويكون هذان الركنان أولوية ملحة للمجلس ولجانه الرقابية والقانونية.
مطلوب من المجلس
أيضاً مطلوب من المجلس، برأي حداد أن يساهم برسم صياغة صورة وشكل وآليات بناء المؤسسات القادرة التي تحقق أهداف إنشائها وتطورها عبر توحيد مصالح كوادر المؤسسات، مع أهداف إنشاء المؤسسات عبر التشاركية الربحية بين المؤسسات وكوادرها، وربط مصالح كوادر مؤسسات الرقابة التي يجب أن تكون مستقلة وسرية ومتعددة وكفوءة ونزيهة مع أهداف المؤسسات التي تقوم على رقابتها، بحيث تتناقض مصالح منظومة الفساد مع مصالح أجهزة الرقابة.
ويتابع حداد: نحن أمام مسؤولية كبيرة لمجلس الشعب ليكون حالة مفصلية في المرحلة الانتقالية، وهو بالتالي، إن استطاع أن يدرك متطلبات المرحلة فسيبني قاعدة صلبة لتغيير الواقع، وبدء التفاف المجتمع السوري كله حول قيادته ومؤسساته الناشئة لبناء الدولة القادرة.
أما العكس فيعني برأي حداد زيادة فعالية الأزمات وخلق أزمات جديدة وغياب الثقة بين المجتمع والسلطة وإمكانية استثمار إسرائيلي أكبر في الأزمات السورية التراكمية واستدامة اشتعال فتائل الانفجارات الأزموية.
اختيار الثلث طبيعي في ظرفنا
المخترع حداد يرى أن اختيار الرئيس الشرع لثلث أعضاء المجلس مبرر لأن هناك صعوبة في التمثيل الأمثل بسبب الظروف غير المستقرة وعدم سيطرة الدولة على كل أراضيها، ويوضح: المهم حالياً هو أداء أعضاء مجلس الشعب ولجانه، ومن الطبيعي في هذه المرحلة الانتقالية أن يختار الثلث على الأقل من التكنوقراط، فهذه حالة صحية في هذا الظرف وفي غياب المؤسسات وحجم الأزمات المجتمعية.
أحزاب منفصلة عن شعاراتها
وحول ما إذا كان حل الأحزاب سيؤثر سلباً على تمثيل الأعضاء للشرائح المجتمعية، تساءل حداد: هل كان لدينا أحزاب أم جمعيات مصلحية ومزارع مشخصنة؟.
وأضاف: إذا كان حل الأحزاب يهدف إلى منع الانفلات ومنع زيادة سوية التجييش، وإعادة بناء الأحزاب على أسس وطنية تقرن الشعار بالتطبيق فحلّها قرار صائب.
أما إذا كان الهدف هو منع أي صوت أو أي رؤية فهو قرار خاطئ، وأعتقد أن القيادة حلّت الأحزاب لأنها جميعها منفصلة عن شعاراتها، وهي أحزاب أغلبها أُسرية، هدفها تأمين الغطاء السياسي للحالة الاستثمارية، أما أحزاب ما كان يعرف بالجبهة، فكانت أحزاب التحاصص المصلحي لأصحاب المزارع، وليس لها تمثيل شعبي، فهي انفصلت عن الشعب منذ وقت بعيد.
ويضيف: لذا لا بد من إعادة بناء الأحزاب بشكل منتج، وبطريقة تضمن تعبير الأحزاب عن مصالح ممثليها من النسيج المجتمعي وليس شخصنتها وتعبيرها عن مصالح زعمائها ومستثمريها.
المدة الزمنية
واعتبر حداد أن المدة الزمنية للترشح، وكذلك للدعاية الانتخابية قصيرة وغير منتجة، ولكن الأهم قدرة أعضاء مجلس الشعب على استيعاب متطلبات المرحلة، لذلك فنجاح اللجان مرتبط بمدى وصول أعضاء أكفاء للمجلس، يستوعبون خطورة المرحلة ومفصلية المجلس كأول وأهم مؤسسة تشريعية ورقابية للمجتمع تبني الثقة بين المجتمع والقيادة وأركان الدولة.
المحاسبة طريقنا للسلم الأهلي
المهندس المستشار، المغترب، الذي طلب التعريف عن نفسه بالحرف الأول من اسمه “م. ط”، يرى أن تعيين 70 عضواً من قبل رئيس الجمهورية، قد يوصلنا إلى الثلث المعطل في القضايا التي تحتاج إلى موافقة ثلثي الأعضاء، لا إلى النصف زائداً واحداً، مبيناً أن التصويت في القضايا العادية يحتاج إلى النصف زائداً واحداً، لكن هناك قضايا مصيرية قد تحتاج إلى الإجماع أو إلى ثلثي الأعضاء.
وأضاف: يصح اختيار السبعين عضواً من قبل الرئيس لمجلس شورى يشاوره الرئيس في قراراته، أو مجلس حكماء، أو مجلس الشيوخ .. إلخ.
وتابع: هناك نقطة جوهرية أخرى في موضوع انتخابات أعضاء مجلس الشعب، وهي: كيف سيتم تمثيل الملايين من المواطنين السوريين المهاجرين أو المهجرين الذين لا يزال لهم جذور في الوطن.
ودعا إلى المحاسبة للجميع لأنها الطريق إلى تحقيق العدالة والسلم الأهلي، مبيّناً أن كل الناس ممكن أن يخطئوا، وإن لم تكن هناك محاسبة، فلن يكون هناك أي تحمل للمسؤولية، ويجب ألا يُستثنى المسؤولون من المحاسبة، وإلا فقدت المسؤولية معناها، فالمواطن العادي أو أي رجل من الدولة دون استثناء هو مسؤول عن الالتزام بالقوانين ويحاسب لأي مخالفة.
تحديات
وبالعودة للمحامي وائل الحسن، وبسؤاله عن كيفية تمثيل المهجرين والمناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، فإنه يرى أن التمثيل في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة وإشراك اللاجئين يمثلان جوهر التحديات التي تواجه العملية الانتخابية في سوريا، خصوصاً في ظل تعقيدات الواقع الجغرافي والديموغرافي، وأن الاختيار في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة مثل السويداء ومناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لا تزال هناك تساؤلات معلقة حول آلية تمثيلها في مجلس الشعب، فالنظام الانتخابي المؤقت ينص على أن اختيار الأعضاء سيتم عبر هيئات ناخبة تشكلها لجان فرعية، لكن لم يُعلن بعد كيف ستُشكّل هذه الهيئات في المناطق الخارجة عن السيطرة.
ويتابع: هناك توجه عام لرفض التقسيم، ما يعني أن الحكومة الانتقالية تسعى لإجراء الانتخابات في جميع المحافظات، بما فيها تلك الخارجة عن السيطرة، لكن لم تُحسم بعد آلية التنسيق مع القوى المحلية المسيطرة في تلك المناطق، وقد يُلجأ إلى ترتيبات خاصة أو تفاهمات مؤقتة لضمان التمثيل.
إشراك اللاجئين
ويرى الحسن أن اللاجئين يشكلون شريحة ضخمة من السوريين، لكن مشاركتهم تواجه عقبات قانونية وفنية، فالدستور السوري وقانون الانتخابات الحالي لا يتضمنان نصوصاً واضحة تتيح مشاركة اللاجئين، باستثناء بعض الإشارات إلى “السوريين في الخارج” في الانتخابات الرئاسية فقط.
ويتابع: هناك دعوات متزايدة لإشراك اللاجئين في الانتخابات البرلمانية، باعتبارهم جزءاً من الشعب السوري، ولهم الحق في اختيار ممثليهم.
ويمكن للأمم المتحدة أن تلعب دوراً في تنظيم مشاركة اللاجئين، عبر آليات إشراف دولي وتسجيل إلكتروني أو عبر السفارات، لكن ذلك يتطلب توافقاً سياسياً وإرادة تنفيذية.
فئات لا تستطيع الترشح
وحول تعيين الرئيس 70 عضواً (ثلث المجلس) من التكنوقراط أوضح أن البعض يرى أنه يتيح تمثيل فئات لا تستطيع الترشح، مثل اللاجئين أو أصحاب الكفاءات الذين لا يملكون أوراقاً رسمية، بينما آخرون يعتبرونه مدخلاً للهيمنة على المجلس وتقويض استقلاليته، خصوصاً إذا لم يكن هناك شفافية في الاختيار.
أثر حل الأحزاب
وسألته صحيفة الثورة عن حل الأحزاب وأثر ذلك في الانتخابات الحالية، فقال: بين التصحيح السياسي والقلق من الاستفراد، فإن قرار حلّ الأحزاب المنضوية تحت مظلة الجبهة الوطنية التقدمية، وعلى رأسها حزب البعث العربي الاشتراكي، أثار جدلاً واسعاً بين من اعتبره خطوة نحو بناء دولة مدنية، ومن رأى فيه تهديداً للتعددية السياسية.
وأضاف: إن حلّ الأحزاب دون بدائل واضحة قد يؤدي إلى فراغ سياسي ويضعف المشاركة الشعبية في المرحلة الانتقالية. والقرار قد يكون مبرراً من حيث النية في بناء نظام جديد، لكن نجاحه يعتمد على توفير بيئة قانونية تضمن حرية تشكيل الأحزاب، وإشراك القوى السياسية المعارضة في صياغة المرحلة المقبلة، وضمان التعددية، وعدم تكرار تجربة الحزب الواحد.
وأعرب الحسن عن خشيته من أن يُساء فهم كلام الرئيس الشرع حول ضرورة “استبعاد كل من أيّد نظام الأسد سابقاً”.
وقال: يُخشى أن يُستخدم ضد من عاشوا في مناطق النظام دون أن يكونوا متورطين.
والحقيقة يجب استبعاد كل من تلوثت أيديهم بدماء السوريين، لأنه يركز على الفعل لا الانتماء، ويمنع التعميم.
اقتراحات
وقدم الحسن اقتراحات لدعم وتطوير عمل اللجنة، وتعزيز الشفافية والتمثيل، من خلال إشراك ممثلين عن جميع المكونات السورية في تشكيل اللجنة، بمن في ذلك النساء، الأقليات، والمستقلون، واعتماد معايير واضحة للكفاءة والخبرة في اختيار الأعضاء، وليس الولاء السياسي.
ضمانات قانونية ومؤسساتية
ودعا لإنشاء هيئة قضائية مستقلة للطعن في قرارات اللجنة، تشمل قضاة محايدين من مختلف المناطق، وتحديد معايير قانونية دقيقة للاستبعاد، تستند إلى أدلة جنائية أو انتهاكات مثبتة، وليس الانتماء الجغرافي أو السياسي.
إشراف ونزاهة
وثمّن الحسن، دعوة الأمم المتحدة ومنظمات دولية للإشراف على العملية الانتخابية لضمان النزاهة والحياد.. ودعا لإشراك منظمات المجتمع المدني في الرقابة والتوعية، لضمان مشاركة شعبية حقيقية، وتمثيل اللاجئين والمناطق الخارجة عن السيطرة، ووضع آلية خاصة لتمثيل السوريين في الخارج، عبر التسجيل الإلكتروني أو مراكز اقتراع في السفارات، والتنسيق مع القوى المحلية في المناطق الخارجة عن السيطرة لضمان إجراء الانتخابات بشكل آمن وشامل.