سهل الغاب.. من سلة غذاء سوريا إلى صحراء! من يوقف نزيف الإهمال؟

الثورة- هبه علي:

سهل الغاب.. أرض الخير الذي تحول إلى أرض اليأس، فقد كان يُوصف يوماً ما بأنه “سلة غذاء سوريا”، حيث الخصوبة والعطاء، لكن اليوم أصبح رمزاً للإهمال والانهيار.

تحكي أرضه قصة فلاحين يُصارعون من أجل البقاء، بين غياب الدعم، وتصاعد التصحر، وانهيار البنية التحتية، فكيف تحولت هذه الجنة الخضراء إلى أرض يائسة؟

الماضي الذهبي

وفي حديثه لصحيفة الثورة قال المهندس الزراعي برهان حسن: إنه قبل عام 1956، كان سهل الغاب موزعاً بين ثلاث محافظات (اللاذقية، حلب، حماة)، لكن بعد مشروع التجفيف والاستصلاح في منتصف القرن العشرين، أصبح أحد أخصب المناطق الزراعية في سوريا.

بُنيت قنوات الري من سدّ الرستن، وأُنشئت المؤسسة العامة لاستثمار الغاب في محردة، ووزعت الأراضي على الفلاحين في بحثين اجتماعيين في عامي (1959 و1969).
وأضاف الاستاذ حسن: إنه في الستينيات والسبعينيات، كان الغاب يُروى عبر ثلاث قنوات رئيسية (ج١، ج٢، ج٣)، وأنتج محاصيل إستراتيجية مثل القطن، القمح، والشوندر السكري بكميات ضخمة، إضافة إلى الخضار، حتى أنه وصل إنتاج الشوندر عام 1997 إلى “550 ألف طن” ، أي نصف إنتاج سوريا!.

الانهيار.. كيف تحول العطاء إلى دموع؟

بهذا الواقع الزراعي الجيد دخلت الزراعة التكثيفية، والتي تأتي بعد محاصيل القمح والمحاصيل الشتوية كافة لتزيد من الإنتاج ودخل الفلاح، ولكن ما حدث العكس وبدأ الوضع ينهار، وأكد المهندس برهان حسن أن من أهم أسباب الانهيار التالي:

مشاريع فاشلة وسدود متهالكة:

في التسعينيات، “للأسف” ظهر مشروع “تطوير الغاب” لتحويله إلى ري ذاتي عبر إقامة ثلاثة سدود في كل من أفاميا، قسطون، وزيزون، على اعتبار أن الغاب فيه أعلى معدلات الهطول في سوريا، والتي تصل وسطياً في بلدة شطحة إلى 1700ملم.
ودخل المشروع في الاستثمار في عام ٢٠٠٠ وكبداية كان المشروع مقبولاً رغم أنه لم يشمل كل أراضي الغاب، فلقد كان انتقائياً لمشروعين، والأراضي المعرضة للغرق والملوحة والواقعة غربي المصرف A (شقة الألمان) لم يشملها هذا المشروع.

وعليه فإن سوء الإدارة تسبب في انهيار سدّ زيزون عام 2001، دون محاسبة المسؤولين، ثم انقطع الري من سد الرستن، وحُولت المياه إلى سهول حمص وحماة، بينما فشل سدّ قلعة المضيق بسبب التسريبات، وكله بسبب الإدارات المتعاقبة الانتقائية التي ليست بقصد خدمة المزارعين بل خدمة مصالحهم “ما بني على باطل فهو باطل”.

انقراض المحاصيل وانهيار الاقتصاد:

ونتيجة السياسات الخاطئة اختفى الشوندر السكري، وعلى غراره انقرض القطن من المنطقة، وبدل الاهتمام أُغلقت معامل السكر في جسر الشغور وسلحب، فاضطر الفلاحون إلى زراعة محاصيل أقل ربحاً، مثل الجلبان (المخصص للأراضي الهامشية) وليس لأراضٍ خصبة، مثل سهل الغاب، “وبسبب تكرار زراعة محصول القمح”، فبينما تغمر المياه أراضيهم شتاءً فهي تجف صيفًا “الغاب يغرق شتاءً ويتصحر صيفاً”.

التصحر والهجرة.. نهاية الحلم

وأضاف المهندس برهان حسن “الغاب منذ العام ٢٠٠٢ بلا ري” وتحول وسط وجنوب الغاب إلى صحراء، وهاجر أهله بحثاً عن لقمة العيش، حتى الغابات لم تسلم، حيث لجأ السكان إلى قطع الأشجار لبيع الحطب والفحم، ما أدى إلى تدهور الثروة الحراجية وزيادة الحرائق، وذلك بسبب سوء أوضاعهم الاقتصادية، فقد خسرو العمل في أراضيهم بسبب سوء إدارة الحكومات المتتالية.

الحلول الممكنة.. هل من منقذ؟

استغلال مياه الأمطار والطاقة المتجددة

وأضاف المهندس حسن: حيث إن معدلات الهطول في الجبال الغربية تصل إلى 2000 ملم سنوياً، لكن هذه المياه تُهدر في البحر “والتي تقدر بمليارات الأمتار المكعبة” بدلاً من إنشاء سدود سطحية، ويمكن الاقتداء بتجارب ناجحة لدول أخرى.

كما يمكن إنشاء آبار تعمل بطاقة الرياح لضخّ المياه إلى قنوات الري، بدلاً من ترك السهل يغرق شتاءً ويجف صيفاً. فهي “قادرة على ضخّ المياه ليلاً نهاراً بدون أن تتعرض المياه الجوفيه للانخفاض بسبب غزارة معدلات الهطول المطرية”.

إعادة إحياء المشاريع الزراعية

وشدد المهندس برهان حسن على أن المنطقة بحاجة إلى حلول ومشاريع، من أهمها إنشاء محلج للقطن في المنطقة، فنحن”لطالما طالبنا بإقامة محالج قريبة من الأراضي الزراعية ولكن كل ما حصلنا عليه هو الوعود”.

كما نحن بحاجة إعادة تأهيل السدود وشبكات الري، ومن أهم الخطوات تشجيع الزراعة التكثيفية والثروة الحيوانية، خاصة في الجزء الغربي الخصب، فالغاب مع الإدارة الجيدة والاستغلال الأمثل لموارده قادرعلى إغراق سوريا بالمنتجات الزراعية بشقيها النباتي والحيواني.

تغيير جذري

وشدد المهندس برهان حسن على أن الغاب قادر على إحياء الاقتصاد السوري لو حظي بالاهتمام.

فنحن نحتاج إلى استثمارات حقيقية، لا وعود فارغة ولا سيما أن بلدنا في الوقت الراهن منفتحة على الاستثمار.

ونحن أيضاً بحاجة إلى تحقيق الحماية التي لا تتحقق إلا بالتشاركية مع الأهالي لحماية الغابات، والتي هي قادرة على التجديد خلال سنوات قليلة بسبب غزارة الأمطار، والتركيز على إدارة الموارد بشكل أمثل.

الغاب يستحق الفرصة.. فهل نمنحه إياها؟

وأضاف المهندس الزراعي برهان حسن: سهل الغاب ليس مجرد أرض، بل هو “تاريخ واقصاد وشعب”.

مساحته توازي هولندا، وإمكانياته قادرة على إنعاش سوريا، لكن الدمار الذي لحق به لم يكن قدراً محتوماً، بل نتيجة إهمال متعمد.
وشدد برهان حسن على أنه “نتمنى من الدولة أن تولي سهل الغاب الاهتمام وإعادته إلى سالف مجده الزراعي لإنعاش وضع المزارع والاقتصاد السوري، فشعبه يستحق والتأليف الاجتماعي الموجود فيه أيضاً يستحق، بالإضافة إلى كونه من أكبر المشاريع الحيوية في سوريا القادرة على ردف الاقتصاد الوطني.”

آخر الأخبار
بعد توقف سنوات.. تجهيز بئر مياه تجمع «كوم الحجر» "موتوريكس إكسبو 2025" ينطلق الثلاثاء القادم رؤية وزارة التربية لتشريعات تواكب المرحلة وتدعم جودة التعليم العودة المُرّة.. خيام الأنقاض معاناة لا تنتهي لأهالي ريف إدلب الجنوبي منظمة "رحمة بلا حدود" تؤهل خمس مدارس في درعا مجلس مدينة سلمية.. مسؤوليات كبيرة و إمكانات محدودة إنقاذ طفل سقط في بئر مياه بجهود بطولية للدفاع المدني  المجموعات الخارجة عن القانون في السويداء تخرق وقف إطلاق النار هجمات " قسد " و" الهجري " .. هل هي صدفة  أم أجندة مرسومة؟! تجربة إقليمية رائدة لوفد من الاتصالات وحداثة النموذج الأردني في تنظيم قطاع الاتصالات والبريد  صعود الهجري وتعقيدات المشهد المحلي في السويداء.. قراءة في ملامح الانقسام والتحوّل  العائدون إلى ريف إدلب الجنوبي يطالبون بإعادة الإعمار وتأمين الخدمات الأساسية رغم التحديات الكبيرة.. انتخابات مجلس الشعب بوابةٌ للسلم الأهلي  اختيار الرئيس 70 عضواً هل يقود إلى ... صناعيون لـ"الثورة": دعم الصناعة الوطنية ليس ترفاً المجمع الإسعافي بمستشفى المواساة الجامعي .. 93 بالمئة إنجاز يترقب قراراً للانطلاق باحث اقتصادي يقترح إعداد خطط لتخفيض تكاليف حوامل الطاقة  حلب تضع خارطة طريق لتطوير البيئة الاستثمارية وتعزيز التنمية الاقتصادية اختتام امتحانات الثانوية العامة.. طلاب حلب بين الارتياح والترقّب  الثروة الحراجية في درعا.. جهود متواصلة تعوقها قلّة عدد العمال والآليات دعم الأميركيين لحرب إسرائيل على غزة يتراجع إلى أدنى مستوى