حين تكون المحبة والإيمان جسراً.. الأب إليان وهبة وشهادة الروح في التعايش السوري

الثورة ـ مها دياب:

في خضم الألم السوري، ورغم قسوة الأحداث، تتسلل إلى القلب ملامح الضوء حين يتحدث الإنسان عن الإنسان.لا عن دينه، ولا مذهبه، ولا طائفته. ففي كل زاوية من سوريا، ما زال ثمة من يؤمن أن الوطن ليس نغمة نشيدية، بل علاقة حية، تشبه نبض المحبة حين يمد من يد إلى يد، ومن روح إلى أخرى.

الأب إليان وهبة، خادم كنيسة مار إلياس الغيور في صحنايا الذي أمضى عمره في خدمة الرعية، يفتح قلبه لصحيفة “الثورة” لا ليحكي عن تاريخ طائفة، بل عن حكاية وطن، يجرحونه في النهار، فيضمده أبناؤه في الليل بحسن النوايا، وبالحوار، وبالإيمان الذي لا يعرف الانقسام.

من الثورة الكبرى إلى السلم الأهلي تاريخ يصنع الحاضر،يقول الأب إليان وهبة حين نعود إلى لحظة الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي، لا نعود فقط إلى تواريخ وأسماء، بل إلى روحٍ ما تزال تتنفس في هذه الأرض.

من فارس بك الخوري الذي تحدى منطق الحماية الطائفية، إلى سلطان باشا الأطرش الذي فجر الثورة من جبل العرب، ويوسف العظمة الذي واجه الغزو في ميسلون، ويوسف هنانو الذي نسج المقاومة في شمال البلاد، وصالح العلي الذي أشعلها في جبال الساحل، وحسن الخراط من قلب غوطة دمشق، وفوزي القاوقجي الذي قاد ثوار حماة، لم يكن أحدهم ينادي باسم طائفته، بل باسم سوريا.

هؤلاء الرجال جسدوا نسيجاً وطنياً عابراً للتقسيمات، ووضعوا بذرة “العيش المشترك” التي ما تزال تنمو بين السوريين رغم كل محاولات الاقتلاع. كانت الثورة ضد الاحتلال، وضد الجهل، وضد التمييز، وهي اليوم تذكرنا أن سوريا لا تنهض إلا حين نحبها كاملة، لا مجزأة على خطوط الطوائف.

السلم الأهلي ليس شعاراً.. بل واقع يُعاش

ومن ذلك الامتداد التاريخي، يؤكد الأب إليان بأن السلم الأهلي ليس وثيقة رسمية تعلق على الجدران، بل فعل يومي يجسد عندما يفتح السوري باب بيته لأخيه دون أن يسأله من أين جاء، بل ليسأله: هل أكلت؟ هل تحتاج ما يعينك؟ فحين نزح أبناء المناطق الساخنة بحثاً عن الأمان، لم تُطرح أسئلة عن الطائفة أو المذهب، بل عن عدد الأطفال، وعن الحاجة الملحة للخبز، وللبطانية، ولركنٍ يحمي وجعهم. السوريون استضافوا بعضهم البعض كما لو أنهم يمدون قلوبهم لا بيوتهم، صلوا معا، ودعوا لبعضهم، وتبادلوا الهم والفرح، وأصبحوا جيراناً في محبة لا تنسى.

الكنيسة بيت الوطن لا الطائفة

ويؤكد أن الكنيسة، تنحاز للإنسان كما جاء في خطاب صاحب الغبطة يوحنا العاشر حافلاً بروح المحبة والانفتاح، ومؤكدا أن الانحياز الحقيقي للقانون والمواطنة، ولحقوق الإنسان وواجباته. وعلينا أن نساعد الدولة لتقوم بدورها في تحقيق الأمن والأمان، وبناء وطن يحتضن الجميع. خطابات صاحب الغبطة ورجال الدين كانت دوماً دعوة للوعي والسلام، وتحذيراً من المؤامرات التي تريد لسورياالدمار وسفك الدم.

التربية من أجل العيش المشترك

ويرى الأب إليان أن نقطة الانطلاق ليست من قاعات السياسة، بل من حضن البيت. حين تزرع الأم في ابنها قيمة “احترام الآخر”، ويعلم المدرس أن “الاختلاف لا يعني العداء”، فإن المجتمع يبدأ بالشفاء من داخله. فالتربية أداة بناء وطن، تتوزع مسؤولياتها بين المدرسة، والأسرة، ورجال الدين، والإعلام، لتصنع إنساناً سوياً، قادراً على إدارة مشاعره، وعلى الإصغاء، وعلى الاعتراف بأن الحقيقة ليست حكراً لأحد.

منبر العقل لا الصوت العالي

ما يُنقذ سوريا اليوم هو “الوعي”، وليس الجدل.. الأب وهبة يشدد على أن القيادات الروحية لا يجب أن تكتفي بالدعوات، بل أن تكون جزءاً من الحركة التربوية والإجتماعية، ترشد وتحلل، وتعلم الناس كيف يختلفون وعلى “حسن الظن” ورفض الإقصاء.. ويشدد على أهمية لقاء العقول، بأن يتحاور الصناعي والتاجر والمعلم والكاتب، من أجل فهم مشترك، يعيد بناء الثقة.. فالحوار لا يشترط الإنتماء، بل الإحترام، والفهم.

سوريا تبنى بالحب

في ختام حديثه، قال الأب إليان وهبة أن سوريا لا تبنى بالجدران ولا تصان بالحدود، بل تنهض على جسور المحبة الممتدة بين أبنائها. فالمتربصون بوحدتها لا يرسمون خرائط جديدة فحسب، بل يسعون لتفكيك الروح السورية، بزرع الشك والخوف وثقافة التصنيف.. ولكن هذه الأرض شاهدة على ذاكرة لا تنطفئ ولا تمحى ذاكرة الثوار والدفء الشعبي، وصلاة جمعت الشيخ بالقسيس، وبين دعاءٍ في الفجر وترتيلٍ في المساء. أبناء سوريا حين يستعيدون صور صمودهم في وجه المحن، ووجعهم المشترك في الفقر والقهر، يدركون أن اجتماعهم اليوم ليس استثناءً، بل استحقاقاً جلياً فسوريا التي نحلم بها، ليست قالباً سياسياً، بل وطناً يصاغ بالحوار، ويروى بالمحبة، ويحتضن الإختلاف كما تحتضن الأخوة. فيها تحمى البيوت لا بجدرانها، بل بقلوب ساكنيها، وفيها يصبح التعايش فعلاً يومياً ينبض بالحياة.

آخر الأخبار
تجربة إقليمية رائدة لوفد من الاتصالات وحداثة النموذج الأردني في تنظيم قطاع الاتصالات والبريد  صعود الهجري وتعقيدات المشهد المحلي في السويداء.. قراءة في ملامح الانقسام والتحوّل  العائدون إلى ريف إدلب الجنوبي يطالبون بإعادة الإعمار وتأمين الخدمات الأساسية رغم التحديات الكبيرة.. انتخابات مجلس الشعب بوابةٌ للسلم الأهلي  اختيار الرئيس 70 عضواً هل يقود إلى ... صناعيون لـ"الثورة": دعم الصناعة الوطنية ليس ترفاً المجمع الإسعافي بمستشفى المواساة الجامعي .. 93 بالمئة إنجاز يترقب قراراً للانطلاق باحث اقتصادي يقترح إعداد خطط لتخفيض تكاليف حوامل الطاقة  حلب تضع خارطة طريق لتطوير البيئة الاستثمارية وتعزيز التنمية الاقتصادية اختتام امتحانات الثانوية العامة.. طلاب حلب بين الارتياح والترقّب  الثروة الحراجية في درعا.. جهود متواصلة تعوقها قلّة عدد العمال والآليات دعم الأميركيين لحرب إسرائيل على غزة يتراجع إلى أدنى مستوى تحولات سياسية جوهرية.. تؤسس لبناء الدولة السورية بعيداً عن التبعية والمحاور الوعي.. لمجتمع أكثر أماناً وسلامة  حين تكون المحبة والإيمان جسراً.. الأب إليان وهبة وشهادة الروح في التعايش السوري لتثبيت المعلومة وإطلاق اللسان المدرب كمال تاج الدين لـ الثورة: التكرار والتدوين والتخيل شركات التمويل التأجيري .. هل تحل معضلة السكن وتحول الحلم إلى واقع؟ خطة شاملة لتطوير العملية التعليمية في ظل التحديات الراهنة بحلب سهل الغاب.. من سلة غذاء سوريا إلى صحراء! من يوقف نزيف الإهمال؟ على وتر تدفق الغاز الأذربيجاني في سوريا.. نمو مرتقب وتساؤلات الأسعار قيد الانتظار نواب أميركيون: غزة تحولت إلى جحيم على الأرض