الثورة – ميساء العلي:
تكاد تتجاوز حدود الممكن وإطار الحلم الذي يراود مخيلة كل شاب في أن يمتلك بيتاً ولو صغيراً يستطيع أن يبني فيه أسرة، هذا ما نقرأه من تصريحات على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فهل هذه البشرى ممكنة لجيل شاب خرج من رحم مأساة أكلت زهرة شبابه وربما صحته، أم هي تتعلق بالجيل القادم المتفائل بوطن يعده أن يتكفل شبابه ومستقبله.
جذور المشكلة
دعونا نكون واقعيين، ولنبحث عن المشكلة وجذورها التي تحمل عناوين عريضة، لكن يبدو أو لنقل الثابت أن أهم مشكلة هي الفجوة الكبيرة بين الدخل وتكاليف المعيشة وإمكانية توفير جزء خاص لتأمين مسكن أو حتى أقساط قرض.
تجربة سورية خاصة
يقول الخبير المصرفي أنس الفيومي في حديث خاص لـ”الثورة”: إن الفجوة كبيرة، ومن الصعوبة ردمها بكلام نظري أو قياساً لتجارب دول أخرى مهما كان ترتيبها في سلم دخل الفرد من كندا للهند للدنمارك حتى موزمبيق.
ويضيف: لا شكّ أن مفرزات المرحلة والظروف والمعطيات الحالية تؤسس لمتطلبات معالجة تتجاوز حدود النظريات وتنظر بموضوعية بما هو ممكن ومتاح ومتوفر بين أيدينا ضمن خصوصية الوضع في سوريا، وتؤسس لتجربة خاصة، لا أن نعود لهرطقات الحكومات السابقة أيام النظام المخلوع التي أرادت من كسلها أن تلتزم بمدارس وتجارب دول أخرى كماليزيا والصين وغيرها، ولم تستطع بتبجح خبراء الاقتصاد فيها خلال أكثر من عقدين أن تقول: تعالوا لنؤسس تجربة خاصة بنا.
ويضيف الفيومي: إنه ضمن ما هو متاح حالياً لا يمكن اعتبار شركات التطوير والتمويل العقاري المشهرة سابقاً، أو التي ستؤسس بالقانون رقم 39 قادرة على أن “تشيل الزير من البير”.. على حد قوله، ويرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب، منها أن الشركات التي تم تأسيسها سابقاً لم نجد لها أي حضور بالسوق العقاري، ولم تباشر أي تنظيم عقاري لمناطق تطوير، إضافة إلى أن الشركات التي تزمع العمل بدون شك، ستحتاج إلى وقت طويل بين إجراءات تأسيس وتخصيص أراضٍ وبناء وحدات إلى آخر ما تضمنه بنود القانون الذي كان الفيومي مساهماً في وضعه سابقاً، وبكلتا الحالتين السابقتين، فإن أي شركة عقارية تبحث عن الربح واستثمار الأموال.
ويرى الخبير المصرفي والعقاري، أنه فيما إذا اعتمدت الشركات المحتملة على القروض حالياً سيكون لها مخاطرها، وخاصة طويلة الأجل التي ستتأثر بعدم استقرار النقد، عدا عن التضخم وآثاره مع شحّ السيولة، فالقاعدة تقول عند وجود تضخم وعدم وجود استقرار مالي يعتبر القرض خاسراً للطرفين.
ضمانات
من ناحية أخرى، فإن المستثمر سواء أكان محلياً أم من الدول الأخرى يحتاج لضمانات من أجل استثماراته، هذه الضمانات التي تحقق قسم منها، إنما هناك ضمانات أخرى غير محققة لغاية تاريخه، وبالتالي وبحسب الفيومي فإنه لا يمكن القيام بدور تنموي فاعل، وخاصة في موضوع قروض الأفراد ما لم تتم إعادة دراسة آلية الإقراض وضماناته وكفايته لتأمين مسكن، أما إذا تم بنفس الآلية القديمة التي لم تتغير منذ 60 عاماً، فسنعود لنفس المشاكل القديمة من حالات تعثر وصعوبة تأمين كفلاء ومحدودية مطارح القرض وعدالته وصعوبة تسديده وتكاليفه مع هوامش فساد بعض المصارف.
مشكلات
أمام هذه المشكلات الكبيرة يرى الفيومي أن عمل صندوق ضمان القروض محدود، لأن الأهم هو إنشاء صندوق دعم القروض لا ضمانه، بكل ما تحوي كلمة دعم من معنى، سواء بتحمل جزء من التكاليف وتسهيل الحصول عليه وتحمل جزء من فوائده أمام المصارف الربوية، وخاصة أن المصارف حالياً من خلال ارتفاع نسب الفوائد على الودائع لن تتمكن من منح قروض بفوائد منخفضة.
إذاً وبحسب كلام الخبير المالي، فإن ضوابط الإقراض وفق ما كانت سائدة تعتبر عقيمة، ومعادلة مبلغ القرض وغيرها من الأفكار الحديثة صعبة التحقق، ولا أقول مستحيلة لأن هناك حلولاً ممكنة لها لكن بالظروف الحالية، والحاجة الماسة إلى تحريك سوق العقار وتأمين المساكن للشباب، وانتظار شركات التمويل يحتاج لوقت مع ضرورة تعديلات جوهرية بأنظمة عمل المصارف، وأنظمة عملياتها بما يتوافق مع حاجات السوق وظروفه ودراسة وتقييم الواقع العام.
مقترحات عملية
السؤال الذي يطرح نفسه، هل توجد مقترحات أكثر عملية ويمكن تطبيقها وتحقق الغاية المرجوة؟
اللافت من كلام الفيومي، أننا نحتاج إلى تجربة سورية ضمن معطيات المرحلة والإمكانات المتوافرة، وهذا لا يمنع من الاستفادة من تجارب لدول أخرى مع إعادة تأطيرها وفق الظروف السورية الخاصة على سبيل المثال، وكمقترح قابل للتطبيق مع بعض التعديلات الإجرائية يمكن الاستفادة من المرسوم رقم 88 لعام 2010 المتعلق بتأسيس شركات التمويل التأجيري، والتي عمل على وضع تعليماته التنفيذية وزير الاقتصاد الدكتور نضال الشعار حين كان وزيراً للاقتصاد في تلك الفترة وصدرت بالقرار رقم 3418 تاريخ 2011/12/29 .
بالأصل الإيجار المنتهي بالتملك كما يشرح الفيومي هو منتج للمصارف الإسلامية لكن مع تطور هذا المنتج وقيامه بتقديم حلول واقعية وعملية لموضوع السكن في كثير من الدول، أصبح هناك شركات متخصصة في هذا المجال ذات رأسمال كبير وجيد بامتلاك وحيازة أصول عقارية وتأجيرها ضمن معايير وضوابط شرعية لعملها.
ميزات
وحول الميزات التي يحققها هذا المقترح يقول الخبير إن الإيجار ينصرف لبيع المنفعة دون التصرف بعين المأجور، مع إمكانية أن يقترن بيع المنفعة بالوعد في البيع بعد مدة زمنية ببدل أو نسبة يتفق عليها أو أن يقوم المؤجر بهبة العقار للمستأجر، وهنا لا يعتبر بدل الايجار الشهري قسط لثمن العقار بل ثمن للمنفعة.
كما يمكن للشركات الراغبة بالعمل في التمويل التأجيري أن يكون لها غايات أخرى، كالتطوير والتمويل العقاري وأن تكون شركات مساهمة يتم الاكتتاب على أسهمها في سوق الأوراق المالية، ويحق لها في سبيل القيام بأعمالها الاقتراض من الداخل أو الخارج.
وهنا، وبحسب الفيومي، يمكن إجراء مقارنة بسيطة بين القرض العادي والتمويل التأجيري باعتبارهما يحققان نفس الغاية، وهي امتلاك عقار فالقرض يتعامل مع الفائدة المصرفية والقسط الثابت طيلة مدته، والتي فيها مخاطر المقرض والمقترض وتملك مشروط باعتبار العقار يبقى مرهوناً لمصلحة المصرف طيلة مدة القرض، بينما لا فائدة على بدل الإيجار، لكن من الممكن أن يكون متغيراً وفق شروط العقد مع الشركة المؤجرة، شرط أن تكون بمبلغ معلوم واعتماد مؤشر منضبط لتغيير الأجرة بمعيار معلوم لامجال للنزاع فيه، حيث يمكن أن ينتهي بتملك المأجور، كما أن تعثر المقترض لأي سبب كان يستلزم إجراءات قانونية وغبن ببيع العقار المرهون في غير مصلحة المقترض بالمجمل بينما في العلاقة التأجيرية يبقى أصل العقار بيد الشركة مما لا يستلزم إجراءات تنفيذية وقانونية معقدة. فيما عدا الأمور الإجرائية المعقدة في القروض تبدأ من البحث عن عقار يناسب رهونات المصرف إلى إجراءات نقل ملكيته ورهنه لمصلحة المصرف وهوامش ضمانه وكفايته وطريقة استلام القرض، بينما الأمور الإجرائية في الإجارة المنتهية بالتملك فهو عقد شراء للشركة واستلام العين العقارية من قبلها والقيام بتأجيرها بموجب عقد موثق، عدا عن أن النفقات ومصاريف وتكاليف الاقتراض تتجاوز بكثير نفقات التأجير التمويلي.