الثورة_كتب المحرر السياسي ناصر منذر
ثورة الثامن من آذار المجيدة التي قادها حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1963، لم تكن حدثاً عابراً في تاريخ سورية والوطن العربي، بل هي حركة مستمرة إلى الأمام، وحيوية متجددة على الدوام، استطاعت أن تجتاز كل العقبات التي اعترضت طريقها، وذلك بفضل ارتكازها على قاعدة شعبية وطنية صلبة، وقد شكلت منعطفاً حاسماً في تاريخ سورية، وفجراً وانبعاثاً حقيقيين على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
يحسب لثورة آذار أنها كانت بحق ثورة العمال والفلاحين والمثقفين ضد قوى الاستبداد والتخلف ممثلة بالإقطاع والبرجوازية التي سخرت مقدرات الوطن لخدمة مصالحها الخاصة وعملت على نشر الجهل والتخلف لإبقاء سورية خارج دورها الأساسي كرقم صعب في معادلة المنطقة، ففي وقت قصير تمكنت الثورة من بناء القاعدة المادية والعسكرية والاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية على مستوى سورية وعلى مختلف الصعد حيث نجحت في تحقيق نهوض تنموي شامل في المجالات كافة، الأمر الذي حقق تنمية متوازنة شاملة جعلت من سورية دولة قوية تعتمد على قدراتها الذاتية وثرواتها لإدارة شؤونها ما أعطى قرارها الوطني استقلالا تاما لا يتأثر بأي شكل من الأشكال بالضغوط الخارجية التي مارستها وتمارسها الدول الاستعمارية للسيطرة والهيمنة على مقدرات الشعوب، وهو العامل الأساسي لصمود سورية شعبا وجيشا في مواجهة الحرب الإرهابية التي تتعرض لها منذ اثنتي عشر عاما.
كما عملت ثورة الثامن من آذار وبشكل خاص بعد قيام الحركة التصحيحية على إعداد البنية التحتية الأساسية لبناء أجيال شابة واعية ومؤمنة بقضايا وطنها وقادرة على مواجهة الجهل ومقارعة كل ما يحاك له من مؤامرات من خلال نشر التعليم وتوسيع قاعدته لتشمل كل السوريين عبر بناء المدارس والجامعات والمعاهد والمراكز العلمية والبحثية لتكون سورية إحدى الدول الرائدة في المجال التعليمي والثقافي والفكري.
ومن هنا فإن ثورة آذار أعطت سورية موقعاً مهماً على مختلف الصعد، وأرست دعائم الدولة الحديثة المرتكزة على البناء المؤسساتي والديمقراطية الشعبية، وجعلت كذلك من سورية محطّ أنظار العرب جميعاً في الرهان عليها لاستعادة حقوقهم والحفاظ على هويتهم، حتى باتت الآن القلعة المنيعة الوحيدة في مواجهة الأخطار والتحديات، الأمر الذي جعل من أعداء سورية يحيكون المؤامرات والضغوط، بهدف الإجهاز على كل الإنجازات التي حققها الشعب العربي السوري طوال العقود الماضيـة، وجربوا في سبيل ذلك كل أنواع الحصار والتهديد والوعيد، وصولا إلى شن الحرب الإرهابية التي تقودها الولايات المتحدة اليوم، ولكنهم عجزوا عن تحقيق أهدافهم في القضاء على شعلة آذار التي أسهمت في تغيير معادلات كثيرة في المنطقة، وزرعت بذور ثقافة وطنية وقومية هي ثقافة المقاومة، وثقافة استلهام التراث الحضاري العربي المستند إلى قيم الحرية والكرامة والاستقلال.