الملحق الثقافي- علي حبيب:
السؤال الذي طرحه سامر سليمان في مجلة سيدتي: هل انتهى عصر المكتبات الورقية ؟
في البحث عن الإجابة يعيد الطرح بالشكل التالي:
هل سيمثل العصر الرقمي حقبة أخرى من التراجع للمكتبات؟ هل يهدد السيل الغزير من المعلومات والمعارف الرقمية الهوية الثقافية..؟ وهل انتهى عصر المكتبات التقليدية..؟
عدد من الأسئلة الملحّة دائمة الطرح على طاولة المثقفين، والمفكرين، والأدباء، والعلماء، والمهتمين بفعل القراءة، ينتظر إجابته برهبة وترقب، في غمرة التكنولوجيا التي أضحت تعصف بالعصر، وتزاحم فضاءاته وتقتحم افتراضاته الرقمية، آثارها د.خالد عزب في كتابه هل انتهى عصر المكتبات..
يناقش الكتاب عوامل الصراع المستعر بين الكتب المطبوعة والأجهزة اللوحية المحمولة والثابتة، وكيفية إدارة هذه المعركة ومن سينتصر ويفرض سطوته ليربح الغنائم ومن سيقدم القرابين ..
ما المكتبة الرقمية
يؤكد المؤلف عبر طرح ثري لماهية المكتبات الرقمية، والتي يعرفها بأنها مجموعة من المعلومات الخاضعة لإدارة منهجية، بهدف تقديم خدمة معرفية، عبر اختزان المعلومات في صيغ رقمية، وإداراتها، ومن ثم إتاحتها عبر شبكة من الحاسبات. ويلفت عزب لأهمية التفريق بين السيل المتدفق من المعلومات بالحاسب الآلي لأي شخص في منزله، وبين إدارة هذه المعلومات عبر شبكة الإنترنت، فالأولى تعني العشوائية والثانية تعني أن هناك من ينظم هذه المعلومات ويدققها ويمحصها قبل أن تصبح ذات مصداقية لدى من يتلقاها.
يشير عزب في كتابه للتحولات الجذرية في مجتمع المثقفين والتي أدت لشكيل اتحاد دولي للمكتبات الرقمية(DLF) في مقابل الاتحاد الدولي للمكتبات (التقليدية) IFLA، لافتاً إلى أن الأول يضم المكتبات الجامعية في الولايات المتحدة والمكتبة البريطانية وجامعة أكسفورد ومكتبة الإسكندرية، وهم يسعون جميعاً من خلال معايير صارمة نحو خلق مجتمع مكتبي افتراضي يشكل وعاءً للمعرفة الإنسانية على شبكة الإنترنت، والثاني يضم مجتمع المكتبات التقليدية الذي يرتكز على مفهوم المكتبات الوطنية التي تقوم بخزن وفهرسة وحفظ الإصدارات الوطنية وغيرها من أوعية المعرفة.
يقارن عزب بين الورق والحاسبات الآلية، فالأول انتشاره محدود مقارنة بالثاني، والثاني يوجد في كل بيت، ويتجدد في كل ثانية. كما أن الأول – وهو الورق – وعاء وحيد غير مترابط؛ كل مجموعة أوراق تشكل كتاباته صوراً أو أشكالاً أو جداول أو إحصاءات، لكن في النوع الثاني هناك ترابط بين النص والصورة والشكل والجدول فضلاً عن الأفلام، وهنا يمكن تغيير المادة وتحسينها بصورة مستمرة، من الممكن أن يتفاعل معها القارئ وينقدها، الفرق هنا هو الفرق بين جمود المعرفة التي يحملها الورق وحيوية التفاعل مع المعرفة عبر شبكة الإنترنت.
ويؤكد عزب أنه عبر شبكة الإنترنت وإمكانياتها غير المحدودة، لم يعد القارئ في حاجة إلى شراء الكتاب الورقي لكي يصل إلى المعلومة، ولا إلى تصفح الموسوعات للوصول لها، كما لم يعد المؤلف في حاجة للناشر التقليدي لكي ينشر كتابه، بل أصبح لديه إمكانية أكبر في نشر مؤلفه، فأصبحنا نقرأ عن أدباء وشعراء ينشرون أعمالهم عبر أوعية رقمية مختلفة.
يرى عزب أن الورق جعل تسجيل المعلومات سهلاً يسيراً، حيث حوَّلت الطباعة القراءة إلى عادة يومية، وجعل الكمبيوتر العالم يعيش في ثورة من تدفق المعلومات، فهل انتهى عصر المكتبات؟ هل لم نعد في حاجة إلى تلك المباني الكبيرة لحفظ الكتب؟
بالنهاية يجيب عزب عن أسئلته، من وجهة نظره، حيث يجد أن هذين السؤالين طرحا مزيداً من التحديات، فنشر الكتب لن يتوقف؛ ذلك أن إطلاع الإنسان على النوادر منها تماثل من حيث الكيفية رغبته في اقتناء اللوحات القديمة وزيارة المتاحف والآثار، بل إن نشر كل ما هو نادر وقديم كنشر أوائل طبعات روايات شكسبير على موقع المكتبة البريطانية جعل القراء في نهم نحو التعامل مع هذه الطبعات مباشرة.
ظهور وسيط للمعرفة لا ينفي سواه
يؤكد عزب أنه إذا كانت المكتبات الرقمية ستوفر النوادر من الصور والكتب، فإن المكتبات التقليدية ستحتفظ بوظائف حفظ الكتب المطبوعة التي سيزداد الإقبال عليها، لأن التجربة أثبتت أن ظهور أي وسيط لا ينفي ولا يوقف الوسيط القديم للمعرفة الذي يطوِّر من نفسه في قوالب ووظائف جديدة، كما أن المكتبات ستكون حاضنة للفكر وصانعة للثقافة، فبدلاً من أن تكون مؤسسة متلقية للمنتج الفكري والثقافي، ستكون أداة صناعة الفكر والثقافة.
العدد 1136 – 14-3-2023