الملحق الثقافي- فاتن دعبول:
باتت وسائل التواصل الاجتماعي شريكاً حياً في نتاجاتنا الأدبية، وربما احتل الشعر المكانة الأولى في انتشاره على تلك الصفحات الزرقاء بانتظار لمسة إعجاب أو تعليق هو في أكثر حالاته لا يعطي صورة صادقة عن المحتوى الذي أصبح في متناول الجميع، دون الالتفات إلى المعايير التي يجب أن تقترن به، أو الالتزام بقواعد تضبطه من أيدي العابثين.
ولكن أن تكون الرواية مستباحة في تفاصيلها ومضمونها، يغزوها القاصي والداني، فلا شك هي مسألة تحتاج وقفة متأنية ووعياً ثقافياً وأدبياً يصون هذا المنتج، ورغم ذلك فقد تباينت آراء الكتاب والنقاد حول هذه القضية الشائكة، فمنهم وجد في وسائل التواصل الاجتماعي هروباً من مبضع النقاد وفرصة للانتشار، ومنهم من أطلق عاصفة من الاحتجاج وضرورة أن تكون الرواية في مأمن من العبث والتشويه.
ولكن في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، هل فقدت الرواية دورها الحكائي؟ سؤال توجهنا به إلى عدد من الأدباء فجاءت الآراء على النحو التالي:
الرواية .. ليست وجبة سريعة
ويرى الأديب والروائي محمد الحفري أن:
الرواية تعتمد أساساً على الحكاية في لبنتها الأولى، كما غيرها من الفنون، وهي لن تفقد دورها في القريب العاجل، ولا في القادمات من الأيام كما أعتقد، وذلك يعود لجماهيريتها من ناحية، ولأنها ديوان العصر من ناحية أخرى.
وقد تراجعت بعض الأجناس الأدبية لمصلحة الرواية، كما أن الكثير من الأعمال الدرامية تعتمد عليها، وهذا بدوره يعيدنا إلى الحكاية والحكائية في الأعمال السردية، والتي تعد من الوسائل الجاذبة لكل إنسان، كبيراً كان أم صغيراً، فهو سيبقى شغوفاً ومتلهفاً لسماعها، لأن الإنسان ابن الحكاية بطبيعة الحال، وما يحدث في عالم الفيسبوك أو غيره من وسائل التواصل الاجتماعي، لن يلغي الحكائية، بل يزيدنا تعلقاً بها.
ويضيف: لكن يجب أن نعترف أنه يمكن أن يقلل أهميتها بسبب الاستسهال فيما يقدمه من خلال وجباته السريعة، ويمكن أن يشوش عليها وعلى غيرها، وذلك يعود إلى اختلاط الحابل بالنابل، وهذا ملاحظ لو دققنا ورأينا الأعداد الهائلة التي تكتب أو تدعي الكتابة على هذه الصفحات.
ولو قمنا بعملية غربلة لموادهم ونتاجاتهم، قد نصاب بالخيبة، وعلى كل حال، لا مناص من مواكبة التطورات الجديدة والاستفادة من النواحي الإيجابية منها، وليس من حل سوى الرهان على نهر الحياة، متوسمين أن يخرج الغثاء والزبد جانباً، وتبقى الأحجار الكريمة واضحة، مثل معالم حضارية لا تزول ولا تنتهي.
ويخلص بدوره إلى القول: إننا أمام مخاض صعب، قد ينتج ما لا نتوقع وما لم يكن في الحسبان يوماً، وعلينا أن ننحني أمام العاصفة كي تمر، ونرى ماذا سيفرز هذا التشويش، وهذا الفضاء الذي يبث ما يريده ليل نهار.
لا تحتمل الاستسهال
وتبين الروائية إيمان شرباتي أن التصدي لعمل روائي هو أمر جلل، ويحتاج إلى فكرة متفردة، وتحضير جيد وإلمام شامل وتام بكل ما يخص الفكرة موضوع الكتابة، كما أنه يحتاج إلى مخزون فكري وثقافي ولغوي، إضافة إلى الرغبة الفطرية في رواية الحكاية، واستحضار المشاعر وبناء الشخصيات والإعداد والتمهيد لها.
والتصدي لعمل روائي يتطلب أن يكون الكاتب في عقول شخصيات الرواية وحياتهم وقلوبهم، كما يتطلب وجود تجارب متنوعة في حياته، تساعده في هذا العمل.
وتضيف: لا أنكر أن وسائل التواصل الاجتماعي خلقت جيلاً من الكتاب المتميزين القادرين على التعبير عن مشاعرهم، وساهمت إلى حد كبير في تطوير القدرة على الكتابة والتعبير، وأثارت قريحة معظم الناس للكتابة، لكن ليس في مجال الرواية، ربما كانت المنافسة في مجال الومضة والقصة القصيرة والقصيرة جداً.
أما العامل الإيجابي في الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي، فهو أنها أتاحت فرصة كبيرة لتوسيع مساحة التلقي، وزيادة القراء، لكنها أنتجت استسهالاً للنشر، مع عدم اختمار النصوص، فكيف لو كان النص المنشور هو رواية؟!
الرواية تفرض وجودها
وتقول الروائية سوسن رضوان: نحن نعلم أنه حين يتغير الخط السردي في الرواية إلى خط حكائي، علينا أن نتذكر بشكل جيد أثر الحكاية السلبي أحياناً على البنية الفنية، عندما تسير على الخط السردي، فتتحول إلى سيرة ذاتية، أو منقولة عن الغير أو عن الآخر، ما يجعلها بعيدة عن مظاهر الرواية.
وعليه فإن الرواية هي ذات طابع رسالي، على حين أن الحكاية ذات طابع خطابي شفاهي غير مكتوب، وذات صبغة مقابلة للمتلقي مقامية، لذلك نجد أن الرواية النصية تفوق الحكاية ببعد النظر والبحث عن آلية سردية بعيدة عن المتلقي بشكل مباشر، أي إنه لا يضطر لازدحام وتواتر الأفكار عنده، على حين أن الحكاية يضطر حاكيها إلى تنظيم الأفكار وتبليغها إلى المتلقي من دون أن يفكر في دقة معانيها.
ومن الواضح أن هناك روايات في عصرنا الحالي تركز على الحكاية، على الرغم مما تؤثره سلباً في بعض الأحيان على البنية الفنية للرواية، وكذلك نجد بعض الروايات قد حولت الحكاية من حالة شفاهية إلى كتابية بشكل مميز وبلغة أدبية ظاهرة، وهذا يعود إلى مقدرة الكاتب وتوظيفه للمعطيات التي بين يديه، في سياق الحديث عما آلت إليه الرواية في زمن التطور التكنولوجي، يبادرنا سؤال:
هل فقد الرواية دورها الحكائي في ظل انتشار مواقع التواصل أو ربما قد خطفت دورها في الحكاية؟
وتقول: برأيي أن العالم الرقمي لم ولن يخطف دور الرواية الورقية، وإن ساهم بنشرها ضمن فضاء بعيد المدى، وحيث إن هذا العالم متاح للجميع، إلا أنه لم يؤثر على قيمة الرواية، ولا حتى الحكاية، حيث إن هناك فائضاً ليس باليسير من المنتج الروائي الكتابي.
أما من الجانب الحكائي، فربما يأخذ القارىء دور الحاكي الذي يقدم الأحداث ويصور الشخصيات بناء على السرد الروائي حرفياً، ولا دور له في تعديل النص السردي إلى حكائي، إن دور النص الروائي المقروء عبر مواقع التواصل في إيصال فكرة العمل بشكل سريع وجذاب، ويقدم الراوي للعمل صيغة محببة بتشكيل الأحداث وتصوير الشخصيات وبنائها، فيتجاوز من خلال ذلك البعدين الماني والمكاني، فيحولها من صيغة معروضة كتابياً إلى خطابية موجهة.
العدد 1142 – 2-5-2023