ما جرى على الحدود المصرية الفلسطينية ومقتل ثلاثة من الجنود الصهاينة على يدي ما ادعي أنه شرطي مصري يطارد مهربي مخدرات وهي الرواية المصرية، لا يمكن قراءته أو تبني الرواية كما ظهرت إعلامياً فتلك هدفها سياسي وإعلامي ومحاولة لاحتواء المسألة وعدم توتير العلاقة بين مصر والكيان الصهيوني، أما ما نراه حقيقة فهو أعمق من ذلك بكثير فما جرى يؤكد حقيقة أنه ومع مرور أكثر من 44 عاماً على توقيع ما سمي معاهدة السلام بين مصر والكيان الصهيوني والحديث عن تطبيع العلاقة بين مصر وإسرائيل وزيارات متبادلة مع ما رافق ذلك من قيام بعض الأنظمة العربية بإقامة علاقات سياسية واتفاقيات أمنية وما روج له الإعلام الصهيوني والغربي والمتصهين من أن صفحة جديدة قد فتحت بين الدول العربية والكيان الصهيوني ومحاولات اختلاق عدو وهمي للعرب لم يحالفه النجاح، فكل هذه البروباغندا الإعلامية لم تغير في واقع الحال شيئاً ولم تستطع كي الوعي الشعبي العربي والتأثير في الصورة المتشكلة تاريخياً في وجدان وضمير أبناء الأمة العربية من أن الكيان الصهيوني هو كيان عدواني محتل ومغتصب للأرض العربية بما فيها القدس العاصمة الروحية للأمتين العربية والإسلامية بمسلميها ومسيحييها وهو من مارس ويمارس كل أشكال العدوان على أبناء فلسطين والأراضي المحتلة في الجولان وغيرها، وهو المعتدي وبشكل دائم على الشعب الفلسطيني ويعمل على اقتلاعه من أرضه التاريخية ويسعى عبر سياسة ممنهجة لتهويد الأرض والسكان والسطو على التاريخ ومحو الثقافة العربية الفلسطينية وتكريس الرواية التاريخية اليهودية عن فلسطين على أرض الواقع في افتئات على الحقيقة وتزوير لكل حقائق التاريخ وخطاب الأرض والإنسان.
إن ما جرى على الحدود المصرية الفلسطينية ومقتل عدد من الجنود الصهاينة لا يعبر عن موقف شخصي لرجل شرطة بقدر ما هو من وجهة نظرنا تعبير عن موقف جمعي يعكس موقف مئات الملايين من أبناء الأمة العربية الذين كانوا ولا زالوا يرون أن الكيان الصهيوني هو عدو للعرب ومغتصب للأرض ومهدد لمستقبل أبناء الأمة، ويقف وراء أكثر المؤامرات والصراعات التي شهدتها وتشهدها المنطقة العربية منذ استزراع ذلك الكيان الاستيطاني العدواني وحتى الآن وأن ما سمي زوراً (تطبيعاً )ليس إلا كذبة كبرى وإن كان من تطبيع فهو لايعدو كونه اتفاقيات سياسية بين أنظمة وحكومة ذلك الكيان لم يستطع أن يخترق القاعدة الشعبية الواسعة لأبناء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي العام التي تشير إلى أن نسبة الرافضين لما يسمى تطبيعاً مع العدو الصهيوني من المواطنين العرب لا يقل عن 94بالمئة وفق استطلاع جرى عام 2019 وتم نشره في وسائل إعلام وازنة وموثوقة وهذا ما تؤكده الوقائع التي تجري على الأرض وهنا تستعيد الذاكرة ما جرى في مونديال قطر وقبل عدة أسابيع ما حدث في أندونيسيا ورفض الكثير من الفرق الرياضية والرياضيين العرب المشاركة في مسابقات شاركت وشارك فيها الإسرائيليون وفرقهم الرياضية وهذه مؤشرات عملية تؤكد ما نذهب إليه من تحليل لواقع العلاقة والصورة بين العرب (وإسرائيل ) في المستوى الشعبي على الأقل.
وعلى العموم يمكن ملاحظة ما جرى على الساحة الإسرائيلية وردود الفعل التي رافقت الحادثة وما استجره مواقف رسمية وشعبية أنه شكل صدمة للصهاينة وما يسمى المجتمع الإسرائيلي الذي اعتقد وخاصة في السنوات الأخيرة بعد الحديث عما سمي صفقة القرن والولايات المتحدة الإبراهيمية أن صفحة العداء مع العرب قد طويت، وأن أخرى قد فتحت باتجاه تقبل وقبول وجود ذلك الكيان وشرعنته سياسياً وشعبياً والتعامل معه ليس كواقع مفروض بالقوة وإنما كحقيقة قائمة لها صفة الشرعية التاريخية وهذا يؤكد حقيقة أن القاعدة الشعبية العربية العريضة لم تتغير في وعيها وموقفها من هذا الكيان وصورته النمطية في الذاكرة العربية والوعي العربي العام، فلا زالت هي ذاتها تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل فالعداء مع هذا الكيان يكون بقرار سياسي ليزول بقرار سياسي أو اتفاقيات سياسية توقع معه بل هو قرار شعبي عربي لا يمكن تغييره تكرس عبر عشرات السنين شهدت كل أشكال العدوان على أبناء فلسطين والأمة وانتهاك المقدسات الإسلامية والمسيحية وذهب ضحية ذلك العدوان المستمر مئات الآلاف من الشهداء العرب، وغيرهم من أبناء الأمتين العربية والإسلامية وشرد الملايين من أبناء فلسطين والجولان عن أرضهم فكيف تنسى الذاكرة الفلسطينية والعربية ذلك ولعل ما تشهده الساحة الفلسطينية من مواجهات يومية بين قوات الاحتلال والمقاومين الفلسطينين وما تكبده العدو الصهيوني من خسائر بشرية في جنوده ومستوطنيه والهبة المستمرة التي ستتحول إلى انتفاضة جديدة مع تصاعد سياسة التطرف الصهيوني في ظل وجود حكومة مغرقة في عداوتها للشعب الفلسطيني ومسلحة بأيديولوجيا عنصرية تعمل على إسقاط الرواية التوراتية المغرقة في عدائها لأصحاب الأرض على الواقع تهويداً واقتلاعاً لكل ما هو غير يهودي، كل ذلك يشير إلى أن موجات العنف والمواجهات ستزداد في المستقبل بين قطعان المستوطنين وأصحاب الأرض وأن الساحة العربية والإسلامية وأحرار العالم سيكونون إلى جانب أصحاب الأرض ومن كانوا ضحية عدوان غاشم وغادر ومستمر طوال سبعة عقود ونيف.