الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
أثناء زيارته لمنطقة فوكوشيما يوم الخميس 31 آب الماضي، قال السفير الأمريكي لدى اليابان رام إيمانويل إنه يتوقع أن تدعم الولايات المتحدة اليابان إذا تطور الحظر الذي فرضته الصين على المأكولات البحرية اليابانية إلى نزاع في منظمة التجارة العالمية.
حتى أنه وصف تصرف الصين العادل المتمثل في حماية صحة المستهلكين بأنه “إكراه اقتصادي ضد اليابان”، وبعبارة صريحة، فهو يعتقد أن الصين “تتنمر” على اليابان باستخدام الوسائل الاقتصادية، ولم يذكر أن السبب هو قيام اليابان بإلقاء مياه الصرف الصحي الملوثة نووياً بالقوة في البحر وتلويث البيئة الإيكولوجية البحرية، وبدلاً من ذلك قامت بتصوير اليابان على أنها هي الضحية.
وفيما يتعلق بقضية إلقاء المياه العادمة الملوثة نووياً في البحر، فمن الواضح أن اليابان هي المذنب، والصين واحدة من البلدان المهددة من خطورة هذا الموضوع، ولكن في ظل رواية واشنطن والغرب، لماذا أصبح الجناة ضحايا وحصلوا على التعاطف الدولي؟ إن خلط إيمانويل بين السبب والنتيجة وإطلاق اتهامات مضادة لا أساس لها من الصحة هو الأسلوب الكلاسيكي الذي تلعب به الولايات المتحدة والغرب دور الضحية.
في السنوات الأخيرة، أصبحت الدول الغربية، التي كانت تتصرف بغطرسة باعتبارها “قوى عظمى”، مهتمة الآن بمظالم الضحايا وتشكو من تعرضهم “للإكراه” و”الترهيب”، وهو ما يبدو غريباً.
وسواء كان الأمر اقتصادياً أو عسكرياً أو سياسياً، فإن المزايا التي تتمتع بها الكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة واضحة.
ورغم أن هذه الميزة تتقلب من وقت لآخر، إلا أنها ظلت قائمة بشكل عام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، بمعنى آخر، إنهم يتنمرون على الآخرين فقط. ولكنهم وعلى الرغم من وجود أمثلة كثيرة على بلطجتهم وعدوانيتهم إلا أنهم كثيراً ما يخرجون بشكاوى واتهامات بأنه “يتم التنمر عليهم” من قبل الآخرين، وهذا بمثابة تناقض كبير بالمقارنة مع الانطباع الحقيقي الذي تركه واقع السياسة الدولية على العالم.
ويُعرف هذا في الغرب باسم “إلقاء اللوم على الضحية”، فعندما تدعي الولايات المتحدة والغرب أنهم تعرضوا للترهيب والأذى، فهذا ليس لأنهم عانوا بالفعل من أي ظلم، ولكن لأن لديهم نيات شريرة.
فمن ناحية، يشكل نهج “إلقاء اللوم على الضحية” أيضاً في نظر الولايات المتحدة والغرب شكلاً من أشكال الحرب المعرفية.
وقد ظهر مثال على ذلك في حوار شانغريلا في أوائل حزيران من هذا العام، حيث ذكر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في خطابه، “التنمر” ثلاث مرات و”الإكراه” خمس مرات، وكلها تشير إلى الصين، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، مع نسيان حقيقة أن حاملات الطائرات الأمريكية والطائرات العسكرية هي التي تستفز الصين باستمرار في المناطق المجاورة لها.
ومن ناحية أخرى، فإن ما يسمى بعقلية “الضحية” لدى الولايات المتحدة والغرب هي أيضاً شكل من أشكال المقاومة ضد الاتجاهات السائدة في العصر. مثلاً، في أعقاب الانتصار في الحرب الباردة ولفترة طويلة بعد انتهائها، تمتعت البلدان المتقدمة بهيمنة مطلقة في تشكيل الخطاب الدولي.
ونتيجة لذلك، اعتقد العديد من النخب الغربية بطبيعة الحال أن القواعد الدولية يجب أن تكون مصممة خصيصاً لخدمة مصالحهم الخاصة، ما يمنحهم بلا شك الحق في إعطاء الأولوية لتنميتهم. ولكن مع تحول التاريخ نحو عالم متعدد الأقطاب، فإن النظام الدولي، الذي كانت تهيمن عليه الولايات المتحدة في السابق، سيخضع حتماً لتغيرات هامة.
في السابق، زعمت واشنطن بغطرسة أنها ستتعامل مع الصين من “موقع قوة”، وفي وقت لاحق، غيروا لهجتهم، قائلين إنهم لن يتراجعوا في مواجهة “البلطجة والإكراه” التي تمارسها الصين.
حدث هذا التحول لأنهم أدركوا تدريجياً أن جهودهم لقمع الصين لم تنجح ولم تكتسب الدعم الدولي، وهم يشعرون بالقلق من أن الصين وغيرها من الاقتصادات الناشئة، بمجرد أن تصبح قوية، قد تؤثر على الهيمنة الغربية أو تؤدي إلى زوالها.
ولذلك، يحاولون تصوير أنفسهم على أنهم ضحايا لإضفاء الشرعية على احتوائهم وقمعهم للصين، في محاولة لخداع العالم.
إن الولايات المتحدة والغرب، باعتبارهما معتديين ظالمين، يسعون إلى اختلاق “قضية عادلة” لأنفسهم، وعلى الرغم من أنهم يستخدمون تكتيكات مختلفة ويتقنون الخطابة، فإن نياتهم الأساسية الشريرة والظالمة انكشفت منذ فترة طويلة، ومن غير المرجح أن تحقق جهودهم النتائج المرجوة.
المصدر – غلوبال تايمز