حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار يعيشها مئات آلاف شبابنا المتخرجين من المدارس والمعاهد والجامعات، ناجمة عن البدء برحلة البحث عن فرصة عمل، حيث تبدو هذه الرحلة وكأنها بلا وجهة .. ولا مسار، وعلى الخريجين أن يسيروا بلا طريق، تائهين في بيداء مترامية الأطراف لا معالم ولا منارات تهدي السبيل إلى أملٍ بالعثور على واحة تنقذهم من التعطش والجوع إلى العمل، وضمان الدخل الذي يهب الاستقرار لحياتهم والاطمئنان لقلوبهم.
أبواب فرص العمل تبدو شبه موصدة في وجه هؤلاء، فالحكومة لم تعد تهتم بالموازنات الاستثمارية إلاّ على أضيق نطاق، وهذه الموازنات هي الأبواب الخلاقة لفرص العمل، والقطاع الخاص يبدو منكمشاً عن الاندفاع نحو إقامة استثمارات جديدة والتي من شأنها أن تفتح الأبواب لمزيد من فرص العمل .. فما العمل ..؟!
نعي جيداً أننا في حالة حرب عدوانية غادرة، وحصار جائر، وثروات وطنية منهوبة، وعقوبات وحشية تُمارس علينا من كل حدبٍ وصوب، وهذا كله يُصعّب الانفراجات على مختلف الأصعدة ومن ضمنها بطبيعة الحال العثور على طريق سلسٍ وآمن نحو سوق العمل، ولكننا نعي أيضاً أننا نخطئ كثيراً إن كنا سننتظر دون أي مبادرات واجتراح أي حلول ممكنة إلى أن تتوقف الحرب، ويُفك الحصار، وتعود الثروات وتُجمّد العقوبات، فهذه الحكاية قد تطول كثيراً، لأننا أمام أعداء بمنتهى التوحش والإجرام، فلا ضمير يردعهم ولا نواميس إنسانية تحكمهم، إنه واقع الحال الذي علينا البناء عليه لا على الانتظار.
فأمام الحالة الاستثنائية الطارئة التي نعيشها، علينا أن نبحث عن حلول استثنائية طارئة نتصدّى بها للواقع الصعب، حتى ولو كانت بعيدة عن بروتوكولات العمل المعتادة وعقود التشغيل المألوفة، على قاعدة أن أي نشاط سليم ومفيد متاح، علينا الاتجاه نحو إقامته، حتى ولو لم يوفّر سوى فرصة عملٍ واحدة مجدية، وفي الحقيقة هناك العديد من الاتجاهات التي يمكن خوضها – بالتفكير بعيداً عن المألوف – سواء من جهة الحكومة أم من جهة القطاع الخاص، ويمكن لتلك الاتجاهات أن تستقطب الكثير من فرص العمل المجدية والمنتجة للعديد من السلع والخدمات في أماكن كثيرة من المدن والأرياف.
فبعيداً عن التفاصيل يمكن إقامة الكثير من الحرف والورش الصناعية المتعددة الجوانب والاختصاصات، والعديد من مزارع الأبقار والأغنام والمداجن الصغيرة لإنتاج اللحم والحليب والبيض، يمكن إقامة مطاعم للسندويش والمأكولات الشعبية، أو مقاه صغيرة كانت أم فسيحة، ويمكن اختراع المئات من المهن القابلة للتطبيق والحياة عندما نصل إلى مرحلة الإيمان بضرورة اتخاذ هذا المنحى على محمل الجد.
أما طريقة التعاطي مع مثل هذه الأنشطة والفعاليات فلابد وأن تكون مرنة ومتناسبة مع الحالة الاستثنائية والطارئة التي نعيشها، إذ يمكن الاعتماد على البلديات بتشكيل إدارات حقيقية ضمنها أو بشكل مستقل للإشراف على هذه الأنشطة وتشجيعها.
الحكومة تمتلك السلطة والقرار والمال الذي يتيح لها شجاعة البدء بالتأسيس لمثل هذه الأعمال، والقطاع الخاص يمتلك المال الكفيل بالتحرك الفوري على مبدأ رأس المال الوطني الذي عليه أن يكون شجاعاً أيضاً.