الثورة -محمود ديبو :
أكثر ما يمكن ملاحظته اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي تلك الصفحات التي تزخر بعروض سخية لكل ما هو مستعمل بدءاً من أثاث المنازل وموجوداتها من طناجر وصحون وكاسات وملاعق وغيرها إلى الأدوات الكهربائية المختلفة براد، غسالة، فرن غاز، أسطوانات غاز، وسجاد….، وتمتد السلسلة لتشمل الملابس القديمة منها والجديدة والأحذية والاكسسوارات والجزادين و…..، وهناك من يعرض خدماته ويبدي استعداده لأعمال العتالة والنقل والتعزيل و….، عروض مجزية على كل شيء بلا استثناء، حيث يمكن للباحث عن أي شيء أن يجده في تلك الصفحات التي تشهد عدد متابعين كبير جداً…
بداية كانت هذه العروض وما تزال تأتي تحت عنوان الحاجة الملحة للمواطنين لاستكمال جزء من نفقات المآكل ليس إلا والإنفاق على جانب صحي مثلاً لشراء دواء أو تأمين قيمة معاينة طبيب أو نظارة طبية ربما أو غير ذلك، بالنظر إلى أن الشريحة الأوسع من المواطنين باتت تحت خط الاكتفاء الذاتي بسبب تدني قيمة الدخل الشهري أو اليومي أو الأسبوعي وهنا لا نتحدث عن موظفي الحكومة فحسب وإنما معظم أصحاب المهن وأولئك الذين لا يعملون ولا يجدون قوت يومهم اليومي بشكل منتظم ومستمر..
وشيئاً فشيئاً وجد البعض في هذه الصفحات فرصة لتأمين دخل جديد عن طريق شراء بعض القطع المعروضة بسعر (لقطة) أي سعر منافس جداً ليبيعونها بعد فترة بسعر أعلى من سعر الشراء، أي إنهم أوجدوا تجارة ولو بسيطة تدر عليهم جزءاً من حاجتهم.. وفي هذا شيء من الذكاء.. لكن ليس هنا موضوعنا حيث حري بنا أن نعود إلى نقطة البداية وهي أن هذا النوع من النشاط الذي يمكن أن نسميه نشاط تجاري نشأ تحت ضغط الحاجة الماسة لهؤلاء الذين اضطروا لبيع كل شيء يمتلكونه في بيوتهم إلى أن وصولوا إلى مرحلة بيع ملابسهم الشخصية وهذا ما يجب أن نضع تحته الكثير من خطوط التنبيه وإشارات الاستفهام والتعجب وغيرها للتنبيه إلى أن المستوى المعيشي العام الذي يكابده المواطن بات يحتاج إلى أكثر من اجتماعات وتأكيدات وتشديدات و…
إن وصول الأمور إلى هذه العتبة من الاحتياج تدعو وبالحاح إلى التيقظ والتنبه إلى الكثير من المخاطر التي دهمت حياة شريحة واسعة من المواطنين بسبب ضعف القوة الشرائية لقيمة الدخول التي يحصلون عليها بمقابل الأسعار السوقية الحالية للسلع والخدمات التي تفوق تحمُّل أي دخل يمكن أن يصل إليه المواطن اليوم.
فالمواطن اليوم أسقط في يده ولم يعد هناك ما يبيعه ليأكل وليس ليترفه أو يجدد أثاثه، حيث لا يخفى على أحد وخاصة المعنيين بأن المواطن يعاني الأمرين ويمضي يومه بين وجبتي الفطور والغداء باحثاً عن أرخص المواد ليطعم أبناءه وخاصة من لديه طلاب في المدارس وحتى الجامعات، ونبقى في حديثنا هنا نقصد الشريحة الواسعة من المواطنين، ولانقصد رواد المطاعم والملاهي والمولات بالتأكيد…
هي ليست قصة قصيرة تحدث في بلاد بعيدة وإنما هي دخلت في تفاصيل حياتنا اليومية وباتت جزءاً منها ففي كل يوم يخوض رب كل أسرة رحلة تأمين قيمة طعام لأسرته ليس إلا، فهو لم يعد يريد أن يسترسل بطموحاته أكثر ويتحدث عن جوانب أخرى في الحياة..
إذا كان وصول الأمور إلى هذه المرحلة لايجد اهتماماً لدى المعنيين ولا يدفعهم إلى التحرك لإيجاد حلول ومعالجات حقيقية لهذه المشكلة التي تتفاقم يوماً بعد يوماً، فإننا نكون هنا أمام أمرين لا ثالث لهما، إما أن هناك تحضيرات لم يصرَّح عنها بعد من شأنها أن تعيد التوازن إلى الوضع المعيشي للمواطنين لا يمكن الآن أن نتكهن تفاصيلها، أو أن كل هذا لا يثير انتباه المعنيين والمسؤولين عن الملف المعيشي وبالتالي فإن الأمر بات يستدعي إلى دق الناقوس وبقوة لعل صدى قرعه يصل إلى حيث يجب أن يصل قبل أن تتعمق فجوة الاحتياج اليومي للمواطنين وتزداد الهوة انحداراً..!!