يمن سليمان عباس
لا أحد ينكر أن الغرب بدءا من القارة العجوز وصولا إلى العالم الجديد أميركا متطور تقنيا ووصل مرحلة متقدمة جدا في ذلك..ولكن هل هذا التطور التقني أو العلمي هو المعنى الحضاري والقيمي والأخلاقي للإنسان؟
بالتأكيد: ليس ذلك هو أبدا ولم يكن التطور الغربي ليصب إلا في خدمة حالة التوحش التي يعيش عليها ويغذيها لتبقى أطماعه وروحه العدوانية متوثبة.
حتى داخل الغرب نفسه ظل التوحش العدواني قائما ألم يخض حربين عالميتين ومازال يشغل ويضرم نار الحروب في كل مكان .
ومن اللافت للنظر أن المبدعين العرب الأوائل ممن هاجروا إلى الغرب وأسسوا الأدب المهجري كانوا اول من تنبه إلى هذه الوحشية ..بدءا من جبران خليل جبران إلى ميخائيل نعيمة وأمين الريحاني .
وقد بلغت ذروة ذلك في رائعة نعيمة الخالدة التي يفضح فيها نفاق الغرب وكيف لا يرى احدا غيره..
يرى الآخرين جثثا يجب أن تدفن بعد أن تؤدي ما عليها له ..يقول نعيمة:
أخـي , إن ضـجّ بعد الحرب غربيٌّ بأعمالـه
وقـدّس ذكر من ماتـوا وعظّم بطشَ أبطالـه
فلا تهزج لمن سادوا , ولا تشمت بمن دانا
بل اركع صـامـتـاً مثلي بـ قـلـبٍ خاشعٍ دامٍ
لـ نبكي حـظٌّ مـوتــانــا
أخـي , إن عاد بعد الحرب جنديٌّ لأوطانـه
وألقى جسمه المنهوك في أحضان خلّانه
فلا تـطـلـب إذا ما عُـدتَ لـلأوطـان خـلّانــا
لأنّ الـجـوع لم يترك لنا صـحبـاً نـنـاجـيهـم
ســوى أشـباح مـوتــانــا
أخـي , إن عـاد يحرث أرضه الفلاح أو يزرع
ويبني بعد طولِ الـهجـر كوخاً هـدّه المدفع
فـقد جـفّـت ســــواقـينـا وهـدّ الـذلّ مـأوانـا
ولم يترك لنا الأعـداء غرســـاً في أراضـيـنـا
ســـوى أجياف مـوتــانــا
أخـي , فقد تمّ ما لو لم نشـأ نحن ما تمّا
وقد عـمّ البلاءُ , ولـو أردنـا نـحـن ما عـمّـا
فلا تندب , فأذنُ الغيرِ لا تصغي لـشكوانـا
بل اتبعني لنحفر خندقـاً بالرّفش والمعول
نــواري فيه مـوتــانــا
أخـي , من نحن ؟ لا وطنٌ ولا أهلٌ ولا جارُ
إذا نـمـنـا , إذا قـمنـا , رِدانـا الخزيُ والـعـارُ
لقد خـمّـتْ بنا الـدنـيـا كما خـمّـت بموتـانـا
فهات الـرفــش واتبعني لنحفر خـنـدقـاً آخر
نـواري فيه أحـيـانـا . . .