الثورة – حسين صقر:
كثيرون هم الأشخاص الذين يمتلكون ثقافة عالية، تمكنهم الوصول إلى أعلى درجات العلم والتقنية، وتجعلهم مميزين عن أقرانهم، تراهم يغرقون في البحث والدراسة والتقصي، ومعرفة كل ما هو جديد، ويمتلكون مفاتيح المعارف المتعددة، ولن نهضمهم حقوقهم في هذا المجال، ولكن!!
بعض هؤلاء بالطبع وليس كلهم، ورغم امتلاكهم العلم والقدرة على الغوص في الفهم، إلا أنهم يفتقدون لأدنى درجات القدرة على التواصل مع الآخرين والاندماج معهم، وذلك بسبب افتقارهم لمهارات التواصل التي تجعلهم مقربين ممن حولهم، يتوقون لرؤيتهم والجلوس معهم، في الوقت الذي ينفر منهم الغالبية العظمى نتيجة أسلوبهم القاسي في التعامل، والصلابة والجلافة في الرد والحوار.
“الثورة” التقت بعض الأشخاص الذين يعانون من طرق الآخرين في التعامل معهم، وذلك في العمل والحي والاجتماعات العامة واللقاءات الخاصة.
يطبقون أمثالاً خاطئة
سامي محمد شهاب، موظف قال: كثيراً ما أواجه زملاء عمل لا يراعون مشاعر زملائهم، معتبرين ما يفصحون عنه صراحة وجرأة، ضاربين عرض الحائط مشاعر هؤلاء، ومتناسين أن ثمة فرق بين صراحتهم المزعومة، وكسرهم لخواطر من حولهم، ومتبعين المثل القائل” قل للأعور أنه أعور”، من دون علمهم أن هناك أمثالاً لا تمت للحقيقة بصلة وإنما تم الترويج لها لبث الفرقة، وإثارة الخلافات، لأن هناك أكثر من وسيلة لتعريف الأشخاص بأخطائهم دون النيل من مشاعرهم.
لا يأبهون لتأثيرها
حلا موصللي- طالبة جامعية تقول: إن الكلمة الطيبة صدقة، ولكن مع كل أسف هناك بعض الزملاء والزميلات، لا يدركون أهميتها ويطلقونها بقسوة، غير آبهين بمدى تأثيرها على سامعها، متوقعين وهم حتماً مخطئون أن هذا الشخص دائماً يستوعبهم، وأن لديه طاقة وقدرة لذلك، كما أن لديه مشاعر غضب مدفونة ومركونة في داخله، قد لا يستطيع السيطرة عليها كل الوقت، وعندما “يبلغ السيل الزبى”، قد يتحول إلى بركان ينفجر في الوجوه، موضحة أن البعض من هؤلاء الذين يتعاملون بقساوة يلقون باللوم على الظروف وأن لديهم معاناة ولهذا صدر عنهم ذلك، متناسين أن لكل شخص ظروفه، وبالتالي يجب ألا يرمي حمله على غيره.
المحامي كرم تيناوي ذكر أنه من غير المعقول ألا يستطيع الشخص التمييز بين الأسلوب القاسي والمرن والضعيف، وأوضح أن مهارات التواصل علم قائم بحد ذاته، داعياً من لا يمتلكون تلك المهارة إلى تعلمها والاستفادة من أقرانهم وممن يجالسونهم، وذكر أنه وصل لمرحلة يمقت فيها المشاركة باللقاءات والاجتماعات العامة والخاصة، لأن هناك أشخاصاً لا يميزون الكبير من الصغير، ويأخذون أكثر من حقهم في الحديث، ويطلقون الأحكام جزافاً، دون مراعاة لأي مشاعر أو أي حضور، وتراهم يعاملون من معهم وكأنهم لا يفقهون شيئاً، وهم فقط العارفون والخبراء.
أمراض نفسية
المرشد النفسي والسلوكي نصير حسون، يوضح في هذا الإطار الدور الكبير لمهارات التواصل في تقريب أفراد المجتمع من بعضهم، بينما افتقادها يباعد بين أصحاب الأسلوب المباشر والقاسي والمحيط، حيث يسايرهم هؤلاء على مضض، ولا يودون الاصطدام معهم، ولاسيما إذا تكرر الأمر من هؤلاء، حيث يصل البعض إلى مرحلة من التشاؤم والملل، وأن سبل الحل مع تلك النماذج باتت مستحيلة الحل، ونصح أولئك أن يراقبوا أفعال غيرهم وردود الأفعال لديهم، والطرق التي يعالجون بها القضايا، وقال: غالباً ما يعاني هؤلاء أمراضاً نفسية تجعلهم يشعرون بأنهم على حق دائماً، وهم أنفسهم لا ينتبهون لذلك، وبالتالي لا ضير من المواجهة الناعمة، كي لا نخسرهم، ولاسيما إذا كانوا أعزاء.
وأضاف: إن تلك النماذج مع كل أسف موجودة في مجتمعنا، وكثيراً ما نعاملهم على أنهم أمر واقع، وفي بعض الأحيان نضطر لمواجهتهم، لأننا بالنهاية بشر ولدينا قدرات على التحمل، فيما لو ضعفت أو تبخرت، يصبح الأمر صعباً.
كما أكد حسون أن كل إنسان حكيم نفسه، حتى لو زار العيادات وتناول الأدوية والمسكنات، فإذا لم تتشكل لديه القناعة أنه على خطأ فتلك مشكلة، أما من استعصى علينا الوصول إلى حلول معهم، فهؤلاء لا بد من مراجعتهم الطبيب لمتابعة العلاج اللازم، وبالتأكيد إذا لم يحققوا التماثل للشفاء، فقد تخف حدة الانتقادات والتطاول عندهم.