الثورة _ تحقيق- عمار النعمة- فاتن دعبول:
جميعنا يدرك أهمية التوجه للطفل عن طريق مجلاته المتخصصة وتقديم وجبات من المتعة والفائدة والقيم، في ظل توسع دائرة العالم الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي التي باتت شريكاً متطفلاً على أسرنا جميعاً، وعلى الطفل بشكل خاص، ولاسيما أن الكثيرين يتحدثون عن تراجع الإصدارات الموجهة للطفل العربي بشكل عام وأن ما يتم تقديمه لا يرتكز على رؤية تربوية عميقة واستراتيجية ممنهجة، بيد أن المؤسسات الثقافية المعنية في سورية باتت تولي اهتماماً ملحوظاً في هذا المجال على الرغم من وجود بعض الصعوبات ولهذا كله توجهت صحيفة الثورة إلى أهل الخبرة والاختصاص للوقوف عند أهم التحديات التي تواجههم.
مدير عام الهيئة العامة السورية للكتاب نايف الياسين يقول: تولي الهيئة العامة السورية للكتاب من خلال مديرية منشورات الطفل فيها، أهمية كبيرة لثقافة الطفل والمنشورات الموجهة إليه، وتخصص الهيئة جزءاً كبيرا من إمكاناتها لنشر «مجلتي» شامة الموجهة للأطفال بعمر 4_ 8 سنوات، ومجلة أسامة من 8_ 15، وعدد السلاسل الموجهة للأطفال واليافعين يقوم على تحرير وإدارة هذه المنشورات أشخاص مختصون وخبراء مضى على عملهم في هذا الميدان سنوات كثيرة، ولهم سمعة متميزة على المستويين المحلي والعربي، وتحرص الهيئة على أن تكون الأعمال التي تنشرها جيدة فكرياً وفنياً وتربوياً، وأن تسهم في ترسيخ القيم الأخلاقية والجمالية والوطنية في نفوس الناشئة، ويضيف د. الياسين: وإذا أخذنا الإصدارات الخاصة بالطفل من حيث الكم، فإن منشورات الطفل تحظى بحصة وافرة من إنتاج الهيئة، وتسعى بدورها دائماً إلى مراقبة تلقي القراء لمطبوعاتها، بما فيها منشورات الطفل، ونجد أن هذه المنشورات تحظى بإقبال كبير، فجميع الأعمال التي تطبعها الهيئة تنفد بسرعة، سواء في منافذ البيع، أو من خلال المعارض التي تقيمها الهيئة وذلك لأسعارها المنخفضة.
نحتاج مشروعاً فكرياً أدبياً وفنيّاً
مدير منشورات الطفل في الهيئة العامة السورية للكتاب، ورئيس تحرير مجلة أسامة قحطان بيرقدار يبين أن الإصدارات الموجهة إلى الطفل في الوطن العربي عامة، وفي سورية خاصة، آخذة في التطور على نحو ما، إذ نشهد شطراً من اهتمام المؤسسات الثقافية العامة، واهتمام دور النشر الخاصة، واهتمام جمهور الأطفال العربي، وعلى الرغم من ارتفاع تكلفة الطباعة في السنوات الأخيرة، وارتفاع أسعار المنشورات، لكن عجلة طباعة منشورات الأطفال لاتزال مستمرة، وإن كانت بوتيرة أقل، نظراً إلى ازدياد الظروف الاقتصادية والمعيشية والوضع الراهن صعوبة، صحيح أن ثمة فوضى عامة في آلية التعامل مع ما ينشر للأطفال، وأن هناك بعض المنشورات التجارية البحتة التي لا تتوافر فيها المعايير على النشر للأطفال في غير مكان ليس لهم دراية ولا خبرة في كيفية الإنتاج الفني والأدبي للأطفال، وأن بعض مسابقات أدب الأطفال العربية في بعض الدول تعوّم أسماء ليس لها علاقة بأدب الأطفال وبالرسم للأطفال، كحال بعض المسابقات الأدبية الموجهة إلى الكبار أيضا, لكن كل هذا لا يعني أنه لا يوجد حركة نشطة في النشر للأطفال، ولابد أن بين ما تدفعه المطابع من منشورات للأطفال ما يتمتع بجودة مقبولة بشكل أو بآخر، معلوم أن مديرية منشورات الطفل في الهيئة العامة السورية للكتاب، تقدم إلى الأطفال شهرياً برعاية إدارة الهيئة واهتمامها، عدداً من الكتب والسلاسل والدوريات، مثل: مجلة أسامة، مجلة شامة، وسلسلة مكتبة الطفولة، وسلسلة أطفالنا بفروعها الثلاثة” إبداعات، قصة، علوم” وسلسلة أطفال مبدعون، وسلسلة أعلام ومبدعون.. ولايزال العمل في المديرية مستمراً على تطوير ما يقدم إلى الأطفال من منشورات، إضافة إلى الاهتمام بما يبدعه الأطفال في مجالي الكتابة الأدبية والرسم، من خلال سلسلة أطفال مبدعون، وهي قصة يكتبها طفل ويرسمها طفل آخر، أو يكتبها ويرسمها طفل واحد موهوب في الكتابة والرسم، كما تبنت المديرية في السنتين الأخيرتين طباعة مجموعة قصصية للأطفال من تأليف ورسم طفل أو طفلة موهوبين، ويضيف رئيس تحرير مجلة أسامة: تسهم الهيئة العامة السورية للكتاب في نشر الكتاب الجيد عامة، بأسعار معقولة قياسا بأسعار سوق النشر، وذلك من خلال مشاركتها في معارض الكتاب العربية في سورية وخارجها وفي الجامعات السورية وفي المراكز الثقافية وغيرها.
أما مجلة أسامة، المجلة الطفلية السورية العريقة الموجهة إلى الأطفال في مرحلتي الطفولة المتوسطة والمتأخرة، فلا تزال تصدر إلكترونيا على موقع الهيئة العامة السورية للكتاب على الشابكة وعبر صفحتها على”الفيس بوك” وكذلك لاتزال تصدر ورقيا وإن كان بعدد نسخ قليل نسبياً، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية القاسية التي تمر بها سورية، ولاتزال أبواب المجلة تتطور وتزداد غنى وأصالة وجدة، ويكتب في المجلة عدد لا بأس به من أدباء الأطفال من جيل الشباب وغيره، وكذلك على صعيد الرسم، يرسم للمجلة عدد من الرسامين من مدارس فنية متنوعة، ولاتزال مجلة شامة أيضاً تصدر إلكترونياً وورقياً، وهي مستمرة في التطور وتواكب المرحلة العمرية من 4 إلى 8 سنوات، ويصدر شهرياً عن مديرية منشورات الطفل أيضاً عدد من السلاسل القصصية الموجهة إلى الأطفال.
يخطونهابأقلامهم وقلوبهم النقية
رئيس تحرير مجلة فيحاء منير خلف أوضح أنه: كرمى عيون أطفالنا فلذات أكبادنا التي تمشي رياحين على الأرض، ولدت فكرة مجلة” فيحاء” في محاولة جادة لبذل ما في وسعنا في اتحاد الكتاب العرب بغية تحقيق طموحات أطفالنا في البحث عن الفائدة والمتعة والجمال، ولم تأت فيحاء لإلغاء ما كانت تنتهجه مجلة” شام الطفولة” وإنما جاء إنشاؤها استكمالاً لما بنى عليه زملاؤنا من قبل، ويظل هاجس البحث عن جديد، وزرع بذرة خضراء في نفوس أطفالنا، وترك أثر مشرق في ذاكرتهم الخصبة، الشغل الشاغل الذي ينبغي العمل عليه ومن أجله بكل ما في الإخلاص من معنى، لفتح نوافذ رحبة ومتنوعة أمام الجيل الجديد الذي ينهض بالحياة، ويرغب في إطلاق عصافير قلبه بما في الأفق من اتساع طلق، وما في السماء من زرقة وبهاء، لينحو المجتمع نحو ما يطمح إليه الجيل القادم سعياً لقطف ما يمكن من يانعات ثمر وسابغات فكر، لذا آثرنا في اتحاد الكتاب العرب إنشاء مجلة” فيحاء” لنكون على قدر المسؤولية في فتح المجال أمام أطفالنا ليعبروا عن أحلامهم وطموحاتهم، ويدوّنوا أفكارهم بالطريقة التي يرونها مناسبة لهم، وما تجود به قرائحهم الإبداعية سواء أكانت رسومات أم كتابات نثرية أو شعرية أو على شكل خواطر أو سرداً قصصياً أو نصاً مسرحياً، فأبواب المجلة مفتوحة أمام أطفالنا المبدعين للأخذ بيدهم وتشجيعهم من جهة، ومن جهة أخرى فالمجلة حريصة كل الحرص أن تقدم لأطفالنا الأعزاء إبداعات الكبار من أدب موجه إليهم توجيهاً معافى ينمي قدراتهم وينهض بهم نحو إدراك ذواتهم وكشف مجاهيل في الحياة أمامهم
نختار نصوصها بعناية فائقة
رئيسة تحرير مجلة شامة أريج بوادقجي تسأل بداية: كيف نتوجه إلى طفل اليوم في عالم تهيمن عليه تقنيات العصر؟، بالطبع التوجه لطفل اليوم طفل عام 2024 هو تحدٍ كبير، وذلك لأننا في عصر نغرق فيه بالمؤثرات، فكيف سنؤثر على هذا الطفل الذي تتهافت عليه المؤثرات البصرية والسمعية من كل حدب وصوب وكيف سنستطيع اصطياده بالكلمة الهادفة والصورة والرسوم الفنية العالية؟.
أعتقد أننا استطعنا أن نربح هذا التحدي، فمجلة شامة هنالك إقبال عليها ليس فقط في سورية وإنما تطلب أيضاً في الوطن العربي، والقراء يقرؤونها بشكل إلكتروني، طبعاً هناك دور كبير لعملية انتقاء النصوص من حيث ما يناسب طفل اليوم، لأن طفل اليوم لم يعد يحتمل الإنشاء والتكرار، ويجب احترام عقله، ولم يعد يحتمل الإطالة، بل يريد المزيد من المرح، وعلينا تقع مسؤولية انتقاء هذا المرح الهادف، وهذه مسؤولية صعبة جداً، فنحن في بحث دائم عن النصوص الذكية التي تقدم من كاتب ذكي على مستوى عال من الذكاء والقرب من الطفل واللغة العالية، لنقدم هذه النصوص بشكل يرقى بالمجلة، وبالتالي ينعكس ذلك على الرسوم التي ستجسد هذا العمل والذي سيمثل الهوية البصرية للمجلة، فالتحديات التي تواجه الكتابة للأطفال كثيرة، لعل أهمها وجود الدخلاء، فكل من يريد الكتابة، يبدأ بالكتابة للطفل، وهذه فكرة خاطئة، فليس كل كاتب هو قادر على الكتابة للطفل، وليس كل مترجم قادر على الترجمة للطفل، لأن الطفل يطلب فكرة جديدة تلامس عالمه، ويطلب نصاً مكتوباً بلغة سهلة وجمل مترابطة مكثفة جداً، وروحاً جميلة مرحة تحاكي عصره، أي يطلب طفل اليوم نظرة غير تقليدية، فالدخلاء هم التحدي الأول في عالم أدب الأطفال والذين يغرقون” إيميلات” المجلات بنصوص ثقيلة على السمع وعلى اللسان وعلى القلب، ولا تمت لعالم الأطفال بصلة، أما التحدي الثاني فهو ضرورة دعم أدب الأطفال بنصوص مكثفة ذكية” ما قل ودل” على عكس ما هو سائد كقيمة مادية” من يكتب أكثر، يأخذ أكثر”أما كيف نتغلب على هذه التحديات، تقول بوادقجي: هذه المسؤولية تقع على عاتق فريق العمل وهيئة التحرير ورئيس التحرير أولاً وأخيراً، عملية الانتقاء، وعلينا أن نكون دقيقين جداً بعملية الانتقاء وجريئين بعملية الانتقاء من دون مجاملة أو محاباة .
نطالب بحقوق النص الأصلية
الأديبة والمترجمة آلاء أبو زرار تقول: في كل مكتبة تفتح أبوابها لأطفالنا، نجد تلك العيون الصغيرة ترنو للعناوين والصور الملونة وتختار ما يعجبها لا على التعيين، وهنا يأتي دور المربي سواء أكان أبا أم أما أم معلما في انتقاء الأفضل لهذه العقول التي قد نظنها بسيطة إلا أنها هائلة السعة من ناحية الخيال.فذائقة الطفل لا حدود لها ولا يمكن لنا تقييدها أو تشذيبها ومن الأفضل أن ندع الطفل يختار قصته بنفسه تحت إشراف ذويه، لكن السؤال الذي يمثل أمامنا في كل مرة نختار فيها قصة لصغارنا، أيهما أفضل القصص المحلية المكتوبة بأقلام عربية، أم تلك المترجمة والآتية إلينا من ثقافات أجنبية؟من المؤكد أن لا مجال للمقارنة بين الخيارين، فلكل نوع قيمته وأهميته ودوره في إغناء مخيلة الطفل وحصيلته المعرفية واللغوية على حد سواء، وقد يتبادر للأذهان في هذا المقام إلى أن التحدي الأكبر لا يكمن في الاختيار ما بين القصص المترجمة نفسها، أيهما الأفضل وخاصة في ظل حركة الترجمة المتسارعة التي تشهدها المنطقة العربية مؤخراً، والتي تتجه في مسارها نحو ذلك القارىء الصغير الذي بات أكثر انتقائية في زمن الحداثة،
فالطفل اليوم لم يعد معنياً أو مهتماً بقصة تدور أحداثها على نحو كلاسيكي رتيب، هو الآن لديه البديل الإلكتروني المليء بالحركة والصور والألوان التي تملأ المساحة الأوسع من وقته، لهذا بات التحدي أمام المترجم أكثر صعوبة بكثير من ذي قبل، في عصر يجد المترجم نفسه يزاحم وسائل الترفيه بقصصه ليلفت انتباه الطفل، فقد اختلفت المعايير وأصبحت أكثر صعوبة، ويجب أن يكون المترجم على دراية بمتطلبات العصر والأفكار الرائجة، وقد يظن الكثيرون أن القصص المترجمة التي تتناول عناصر مليئة بالحداثة مثل وجود روبوت أو نقلات عبر الزمان أو طائرات نفاثة عجيبة تطير بأبطال القصص، هي العناصر الأفضل على الإطلاق ووحدها من ستلقى رواجا بين أيدي القراء الصغار، وعلى عكس المتوقع، يلاحظ المطلعون على حركة الترجمة من اللغات الأجنبية إلى المكتبة العربية، أن ثمة ترجمات كثيرة تتناول حكايات شعبية وتلامس عوالم تشبه ما نشأ عليه الجيل الماضي من ناحية المكان البسيط مثل قرية تقع على سفح جبل صيني أو أن يكون البطل حكيماً يونانياً أو جدة هندية تجلس ليلاً بجانب نيران المدفأة لتروي لأحفادها أساطير القدماء.
فالأمر إذاً غير منوط بحداثة ولا بحكايات شعبية، بل هو ومنذ اللحظة الأولى يتعلق بالمترجم نفسه وبكفاءته في نقل القصة