الثورة- ديب علي حسن:
لا مكان دون زمان ولا زمان أو مكان دون إنسان هذه فلسفة الحياة والوجود لا نأتي بجديد فيها.
وقد استطاع الشاعر العربي منذ العصر الجاهلي أن يدركها فكان الحنين إلى المرابع والديار والأوطان وكتاب الحنين إلى الأوطان لأسامة ابن منقذ معروف.
والشاعر العربي هو القائل : وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار..
وترجمة ذلك أن الجنة بلا ناس كما يقول المثل الشعبي – لا تداس .
الدكتور عبد الله الشاهر الباحث والشاعر يقرأ ذاكرة المكان تحت عنوان ( أنسنة المكان ) في إصداره الجديد الصادر عن دار بعل بدمشق .
يفتح نوافير الحنين إلى مرابع الطفولة وتهدر الذاكرة كما الفرات إذا جاشت غواربه ..نوافير الألم والأمل يفجرها سؤال طرحه عليه أحد النقاد من المغرب العربي فكان هذا الفيض الإبداعي ..من أجواء المكان الذي ازهر إبداعاً نقتطف قوله :
إن أقسى أنواع القتال هو قتال النفس خاصة حين تكون في مواجهة مع ماضيك وقتها لا مجال للمراوغة أو النكران ولا حتى التبرير…. لأن الأمكنة ستشهد عليك وتقف شاخصة ذكرى على يقينية اللحظة…
المكان يا عزيزي….
وجع الفقد المحمل بزمنك المهدور الذي غاب ولم يعد…..
به تعي أن الفقد يعني اللاعودة…..
والمكان يا صديقي….
فرح التذكر عندما نكون في حالة استرخاء وتتداعى إليك من هناك من البعيد المتناهي….. لحظة سرور مررت بها….
لتجد أنك تعيد نفسك دون أن تدري..
والمكان….
أنسنة الأشياء ومحاكاتها واللجوء إليها في لحظة ربما…. أو في نشوة؛ قد سنحت لك ذات يوم…..
والمكان أنا….
المطبوع أشياؤه وناسه وحكاياته….. وشوارعه وحواريه…. (في داخلي)
أنا خلطة من هذا كله…. فما بيني وبين المكان تولد في كل حين ذكريات…. وعوالم وأفكار…..
أترى أن المكان يسكنني….. أم أني أسكن المكان….؟؟؟
أم أنني لا أعلم من منا يسكن الآخر…..
أم أني أيقظت جذوة الروح وأنا على حواف العمر لأرى ذاكرتي البعيدة وقد امتدت إلى هناك…….
ويضيف الشاهر :
أتعلم يا صديقي أنني صرت أقارن بين إنسانيتنا وإنسانية المكان فأشعر أن كفة المكان ترجح ..
ما سر ذلك ؟
هل السر فينا أم في المكان ؟
أعتقد أن السر في المكان لأنه أصدق وأكثر ثباتاً ..نحن غير أوفياء لأشيائنا غير أوفياء لذواتنا..
وغير أوفياء.. لأمكنتنا لذلك تتشوه رؤانا ..
ويختل التوازن فينا لغياب الصدق عندنا ..
ذاكرة المكان صادقة ونحن الكاذبون ..ذاكرة المكان ثابتة ونحن المتغيرون ..
وعندما نعود إلى الصدق لابد من ذاكرة المكان.
وإذا حضر المكان تكون المكاشفة حينها لا مراوغة أمام الحقيقة وتظهر النتائج أننا نخون أنفسنا.
هذه قبسات من روح المكان باح بها الشاهر وهو الأديب والناقد الذي قدم للمكتبة العربية كتباً مهمة في النقد الأدبي ولاسيما كتابه حول الراحل الشاعر مظفر النواب وما قدمه عن بدر شاكر السياب.