الثورة أون لاين: سيحتفظ السوريون -كما العالم- بمشهد الجلسة المفتوحة التي عقدها مجلس الأمن.. باعتبارها نقطة مفصلية في المنحى الذي اختطته وهي تحفر حضورها في ذاكرة المنظمة الدولية. سيشهد مجلس الأمن أنّ قطر، وأمين عام الجامعة ذهبا إليه شاكين ومتباكين على السوريين، وسيشهد أيضاً أن شكواهم كما تباكيهم ارتدت عليهم.. دموع التماسيح لم تغلق الباب الموارب.. والشكوى لم تلغِ الحقائق المغيبة، بل أفصحت عنها وفتحت الباب على مصراعيه أمام متغيرات جوهرية لا يمكن إغفالها. نال الثنائي حمد والعربي مديح أميركا وفرنسا وبريطانيا وتصفيق الذاهبين في ركبهم.. لكنه أيضاً سجل صفحة سوداء لن تمحوها كل ثناءات الغرب وابتساماته الصفراء التي لم تفارق ملامح الركب المحتشد من الوزراء الغربيين.. بينما هما يمارسان صفاقة الكذب والافتراء والتضليل علناً. وقاعة المجلس أيضاً ستشهد بأنها سمعت الصوت السوري.. أصغت إلى تفاصيل لم تكن تعرفها.. أعادت للبعض ذاكرة حاول أن يتملص منها.. وذكّر العالم بحقائق جاهد بعضهم، وخصوصاً أصحاب الماضي الاستعماري البغيض كي ينساها أو يتجاهلها، بل بينهم من حاول أن يمحوها. كما أنها ستشهد تحدياً واضحاً قاده المتمسكون بالحق والرافضون للهيمنة.. وسيسجل التاريخ أنه في هذه الجلسة رُسمت ملامح طور جديد في العلاقات الدولية، سيكون لها تداعياتها وارتداداتها التي ستحدد مسار المسرح العالمي بقواه الجديدة. كانت الجلسة جولة واضحة من صراع لا يخفى على أحد.. صراع له امتداداته التاريخية كما ستكون له مرتسماته المستقبلية على مستوى المنطقة والعالم.
لا أحد ينكر أن حفلة المديح التي تلقاها حمد والعربي جاءت كاشفة للكثير من الأدوار والخبايا وأسرار الكواليس التي دارت فيها المساومات وعمليات الشراء والبيع للأدوار والذمم، وفيها أيضاً كانت جلسات بازار التأجير والاستئجار التي انتهت فعالياتها واستنفدت جدواها وموقعها مع استنفاد مرامي استخدامها.
ولا أحد بمقدوره أن يجادل أن ما ذهبت إليه قطر كان وضعاً مخزياً لكل العرب.. وهم يتلمسون مشاهدات عينية مصغرة عن الدور المشبوه الذي تؤديه جهاراً وبصفاقة سياسية، حيث لم يكتفِ حمد بالمداورة والتضليل، بل أيضاً وصل حد الافتراء الفاضح في اجتزاء هنا وتغاضٍ هناك.
وما فات «حمد هذا» في اجتزائه عوضه «العربي»، حين بدا كومبارساً يؤدي ما تلقنه دون تعديل، وحتى ما سبق له أن افترى به في القاهرة عاد ليكرره في الجلسة، وبنى استنتاجاته على افتراض غير موجود، بل مناقض.
لم تنتهِ الجولة.. ولاتزال مفتوحة على المواجهة.. لكنها بالتأكيد كانت تسجيل نقاط واضحة لا يمكن أن يغفلها أي مراقب.. ولا أن يتجاهلها أي متابع.
في النقاط الأساسية كان تبلور الرؤية الرافضة لمبدأ الهيمنة شاهداً واضحاً على تبدلات مهمة في المسرح الدولي، وفيها أيضاً أن سورية استطاعت أن تثبت جملة من المعطيات، وفي مقدمتها أن الصورة المغلوطة المنقولة ليست هي الحقيقة، وأن الغاية منها أبعد مما يُثار ويُقال، وكشفت بوضوح عن تلك الأجندات القابعة خلف ستار الشعارات.
والأهم ربما أن سورية بثوابتها.. بحضورها السياسي ودورها كانت صوتاً مسموعاً لا تخيفها التهديدات، ولا تسمح بمسّ سيادتها أو دورها رغم جحافل المحتشدين في القاعة وأصوات الموغلين بحقدهم على فضائيات الفتنة.
لا نقول إن عودة الحشد الغربي كانت بخفي حنين، مشهداً تلمسته بوضوح أعين المتابعين والمراقبين فحسب، بل أيضاً في سحب الكثير مما كان يتم تداوله سراً أو علانية.
يستطيع أن يعود وزراء الغرب والعرب إلى عواصمهم وقد سجلوا في يومياتهم أنه يوم سوري آخر يؤكد انكفاءهم.. وأنها جلسة أعادت ترتيب أولويات وحسابات كثيرة، لا موقع لاجنداتهم فيها ولا دور لمخططاتهم الراهنة والمستقبلية.
ما كانوا يمنّون النفس به.. لم يتحقق.. ما كانوا يتوهمون أنه حبيس الأدراج أو الكواليس والغرف المغلقة بات علناً وأمام الجميع.. استهداف سورية مخطط دخل فيه الكبار وجرّوا معهم أدواتهم المصنعة، القديمة منها وتلك المستجدة، فإذا بها فاقدة لدورها.. ولتأثيرها.. فاضحة لغاياتها وأهدافها.
الثورة