الثورة – جاك وهبه:
رغم أن المستهلك العادي قد لا يدرك يومياً ما تعنيه كلمة “الميترولوجيا”، إلا أن هذا العلم – علم القياس – يشكّل أساساً غير مرئي، لكنه بالغ الأثر في حماية الحقوق الاقتصادية للمواطنين وتنظيم أسواق العمل والإنتاج والخدمات، فكل سلعة تُباع وكل خدمة تُقدَّم تمرّ عبر آلية منضبطة للقياس، تجعل من العدالة معياراً فعلياً وليس مجرد شعار.
فبحسب استبيانات أجرتها مؤسسات بحثية عالمية أن أكثر من 64بالمئة من المستهلكين يشكون من فروقات بين ما يُعلن في المواصفات أو الأسعار وبين ما يُقدَّم فعلياً في السوق وخاصة في مجالات الطاقة، الاتصالات، والمبيعات بالتجزئة، كما عبّر نحو 70 بالمئة من الصناعيين، المستطلع عن آرائهم، عن الحاجة لتطوير أدوات القياس والمعايرة ضمن خطوط الإنتاج، معتبرين أن غياب الانضباط القياسي يعيق جودة المنتج السوري ويؤثر سلباً على قدرته التنافسية في التصدير.
شرط أساسي
في ظل هذه المؤشرات، يؤكد متخصصون أن الميترولوجيا لم تعد ترفاً علمياً أو اختصاصاً هامشياً بل باتت شرطاً أساسياً في إدارة الاقتصاد الحديث وضمان النزاهة في التبادل التجاري، وفي هذا السياق تحدث مدير المركز السوري لخبراء الايزو وعضو مجلس إدارة الجمعية العلمية السورية للجودة، المهندس هاني العلي، عن الأبعاد الاقتصادية العميقة لهذا العلم، موضحاً أن الميترولوجيا لم تعد مجرد مصطلح تقني بل تحوّلت إلى وسيلة لحماية المجتمع والاقتصاد على حد سواء.
وأكد العلي، في تصريح خاص لـ”الثورة”، أن غياب الدقة في القياسات يفتح الباب واسعاً للغش والتلاعب، مشيراً إلى أن كل شيء من حولنا يرتبط بشكل مباشر بالقياس، بدءاً من عدادات المياه والكهرباء وصولاً إلى أنظمة الدفع الإلكتروني، وبيّن أن المسألة لا تتعلق فقط بدقة الأرقام بل بالعدالة في المحاسبة وضمان حقوق الأفراد والمؤسسات.
وأوضح أن المواطن البسيط قد لا يدرك أن أي خلل في ضبط العدادات مثلاً يعني دفع مال أكثر أو أقل من القيمة الحقيقية للاستهلاك، مضيفاً: إن الأمر نفسه ينطبق على قطاع الطب إذ تؤدي أي أخطاء في الجرعات أو أجهزة التحليل إلى نتائج كارثية على حياة المرضى، ما يجعل من الميترولوجيا عاملاً حاسماً في ضبط الأداء الصحي.
اتفاقية “المتر”
وأشار العلي إلى أن السوق السورية قادرة على تبنّي هذا التوجه العلمي، لكن النجاح يتطلب تحديث البنية التشريعية بما ينسجم مع المعايير الدولية وتوفير إرادة فنية وإدارية على مستوى القطاعين العام والخاص لضبط الجودة في مختلف حلقات الإنتاج والخدمة.
ولفت إلى أن سوريا من الدول الموقّعة على اتفاقية “المتر” الدولية التي وُقعت منذ أكثر من 150 عاماً، موضحاً أن هذه الاتفاقية جاءت لتوحيد أنظمة القياس عالمياً وضمان أن تكون وحدة القياس في دمشق هي ذاتها في أي دولة أخرى، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على صدقية المنتجات الوطنية في الأسواق الخارجية.
وأشار العلي إلى أن ضبط القياسات ليس ترفاً تقنياً، بل هو أداة أساسية لحماية الاقتصاد والمستهلك السوري، ويجب أن يُنظر إليه كجزء لا يتجزأ من منظومة الإصلاح الصناعي والاقتصادي المقبلة.